أي عاقل سيدخل الإسلام، وهو يرى مسلماً يفجّر مسجداً في يوم العيد أو يوم الجمعة، بينما المسلمون خارجون من الصلاة، ليقتل أكبر عدد منهم، متوهماً أنه سيدخل الجنة.
ـ يروى أن عالماً من مذهب إسلامي أراد أن يعرف فقه المذهب الإسلامي الآخر المخالف له، فأرسل أحدهم كي يطلعه على بعض تفاصيل العبادات في ذلك المذهب.
وعندما عاد المخبر، فكان يسأله عن تفاصيل في الصلاة والتعبّد ويفتي بعكسها، إلى أن سأله رجل الدين إن كان رجل الدين من المذهب الآخر يغلق عينيه أم يفتحهما أثناء السجود، فلم يتمكن المخبر من معرفة ذلك، فأفتى رجل الدين بفتح عين وإبقاء أخرى مغلقة.
لعل هذه القصة مختلقة أو تقال على سبيل المزح والنكتة، ولكنها تعبّر عن واقعنا الإسلامي المأزوم، بحيث أصبحت الفتوى تقوم على المزاج والمصلحة الشخصية والسياسية وردة الفعل العصبية والمذهبية وليس استناداّ إلى القرآن والسنة.
فأصبح كل مذهب يكفّر المذهب الآخر بل أصبح التكفير داخل المذهب الواحد وداخل الجماعة السياسية الواحدة، بسبب الخلاف السياسي أو الصراع على السلطة والقيادة.
والتعصب والتكفير لم يعد حكراً على مذهب أو جماعة، فكل طائفة تكفّر الأخرى.
ويعيدنا واقع التكفير اليوم إلى الحديث المشهور والموضوع "لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار"، والذي تلقاه بعض المسلمين بالقبول بغض النظر عن سنده ومضمونه.
والحديث المشار إليه ورد بصيغ مختلفة لا تخلو من تضارب بينما حاول معها بعض المحدثين والفقهاء الجمع بينها ورفع وجوه التنافي.
وقد كتب الباحث عبدالله السريحي دراسة بعنوان "حديث افتراق الأمة ـ دراسة في السياق والأصول والنتائج" نشرت في مجلة الاجتهاد (العدد 19 ـ السنة الخامسة/1993)، أوضح فيها أن هذا الحديث موضوع وضعيف السند، لعدم صحة إسناده، وعدم صحة متنه لمعارضته لكثير من قواعد الإسلام، ومع النصوص القطعية المعارضة له.
وقد ذهب شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ) في رسالته "العذب النمير في جواب مسائل عالم بلاد عسير" إلى عدم صحة الحديث سنداً ومتناً.
وعلى الرغم من تأسيس جمعيات للتقارب بين المذاهب الإسلامية، فإنها لم تنجح في مهمة التقريب، أو لعل الواقع اليوم يشهد مزيداً من الشرخ والتباعد.
ولا شك أن السياسة والمصالح السياسية والسلطوية للأنظمة قد ساهمت في تعميق الانقسام بين المسلمين وزيادة التعصب والتمذهب وشيوع التكفير.
كما أن الدول الاستعمارية قد حرصت على اعتماد سياسة "فرق تسدّ"، وتحريض بعض الأنطمة وتخويفها من المذهب الآخر.
لكن يجب أن نقرّ أن ثقافة الانقسام والتكفير متجذرة في تاريخنا الإسلامي، نتيجة الجهل والتخلف من جهة، وتحريض الحكام وفتنهم من جهة أخرى.
فكتاب الفرق كانوا مهووسين بحديث الفرقة الناجية وكان يبذلون جهدهم للوصول إلى الرقم 73 من خلال عدّ جميع الفرق وتقسيم بعض الفرق إل أكثر من فرقة، كي يضبطوا الحسبة.
أما بعض الفقهاء، من وعاظ السلاطين، فكانوا ولا يزالون يكفّرون غيرهم من المسلمين، إرضاء للسلاطين.
ولو إقتصر الأمر على التكفير لكفى، فقد تطوّرت الظاهرة من التكفير، الذي يعني استحلال دم وعرض ومال المسلم، الذي حرّم الله دمه وعرضه وماله، إلى ظاهرة التفجير، بحيث غرّر ببعض الشبان بأن أقصر طريق إلى الجنة للقاء حور العين هو تفجير النفس لقتل الكفار.
ولم يستهدف هؤلاء مقاتلين أو عسكريين أو سياسيين فحسب، بل استهدفوا المساجد والمجالس والأسواق والمدارس والمستشفيات ولم يراعوا حرمة مسجد أو طفل أو إمرأة أو شيخ.
ولئن كان هؤلاء التكفيريون الانتحاريون مضلّلين وجاهلين، فإن اللوم يقع على من يوصفون بالعلماء والفقهاء، الذين لا يأبهون إلى صورة الإسلام لدى غير المسلمين، وهم يرون المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويفجّرون مساجد بعضهم البعض.
هل هكذا تتم الدعوة إلى الإسلام؟ أي عاقل سيدخل الإسلام، وهو يرى مسلماً يفجّر مسجداً في يوم العيد أو يوم الجمعة، بينما المسلمون خارجون من الصلاة، ليقتل أكبر عدد منهم، متوهماً أنه سيدخل الجنة.
ألم يقرأوا في كتاب الله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).(سورة النحل 125).
فإذا كان الله يأمر المسلمين بدعوة الكفار والمشركين وأهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة، أفليس الأولى أن تتم دعوة المسلمين الذين نختلف معهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن ضلّوا أو انحرفوا في نظرنا أو بحسب مذهبنا او اجتهادنا.
بقلم : د. هيثم مزاحم