ماذا يحتاج قارئ القُرآن الكريم ؟
*
عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَخْضَعْ لِلَّهِ وَلَمْ يَرِقَّ قَلْبُهُ وَلَا يَكْتَسِي حُزْناً وَوَجَلًا فِي سَرِّهِ ، فَقَدِ اسْتَهَانَ بِعِظَمِ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً .
فَقَارِئُ الْقُرْآنِ يَحْتَاجُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ، قَلْبٍ خَاشِعٍ وَبَدَنٍ فَارِغٍ وَمَوْضِعٍ خَالٍ . فَإِذَا خَشَعَ لِلَّهِ قَلْبُهُ فَرَّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ . وَإِذَا تَفَرَّغَ نَفْسُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ تَجَرَّدَ قَلْبُهُ لِلْقِرَاءَةِ ، فَلَا يَعْرِضُهُ عَارِضٌ فَيُحْرَمَ بَرَكَةَ نُورِ الْقُرْآنِ وَفَوَائِدِهِ . وَإِذَا اتَّخَذَ مَجْلِساً خَالِياً وَاعْتَزَلَ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِالْخِصْلَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ ، اسْتَأْنَسَ رُوحُهُ وَسِرُّهُ وَوَجَدَ حَلَاوَةَ مُخَاطَبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ ، وَعَلِمَ لُطْفَهُ بِهِمْ وَمَقَامَ اخْتِصَاصِهِ لَهُمْ بِفُنُونِ كَرَامَاتِهِ وَبَدَائِعِ إِشَارَاتِهِ ، فَإِذَا شَرِبَ كَأْساً مِنْ هَذَا الشِّرْبِ حِينَئِذٍ لَا يَخْتَارُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ حَالًا وَلَا عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتاً بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ ، لِأَنَّ فِيهِ الْمُنَاجَاةَ مَعَ الرَّبِّ بِلَا وَاسِطَةٍ .
فَانْظُرْ كَيْفَ تَقْرَأُ كِتَابَ رَبِّكَ وَمَنْشُورَ وَلَايَتِكَ وَكَيْفَ تُجِيبُ أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ وَكَيْفَ تَمْتَثِلُ حُدُودَهُ ، فَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فَرَتِّلْهُ تَرْتِيلًا ، فَقِفْ عِنْدَ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَتَفَكَّرْ فِي أَمْثَالِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَاحْذَرْ أَنْ تَقَعَ مِنْ إِقَامَتِكَ حُرُوفَهُ فِي إِضَاعَةِ حُدُودِهِ .
*
المصدر : (مستدرك الوسائل : ج4, ص240.)