مهما تألّبت الأحداثُ والغيَر
فالنصر يكتب في الجلى لمن صبروا
والدهر مهما دجا ليل الخطوب به
يصفو وينجاب عنه الغمّ والكدَر
فان تجرعتَ من أحداثه غصصا
فاصبر وقبلك في الأحداث يعتبر
يا موطني هجت من وجدي ومن شجَني
وكان قلبي لما تلقاه ينفطر
في كل ناحية جرح ينزّ دما
شكا وضج له لو يشعر الحجر
هذي فلسطين كم من محنةٍ عصَفَت
بأهلها ودهاها ظالم أشرُ
قد بدّلوا أمنَها جوراً وأنعمها
بؤساً وعزّتها ذلاً وما ازدجروا
أتي ليعتادُني همّ يؤرّقني
إما ادّكرتُ وكم تعتادُني الذكر
وقفتُ في أربع الماضين أذكرُهم
أسوانَ والدمع من عينيّ ينهمر
أسائل الحرم القدسي مكتئبا
أين الغزاة وأين النصر والظفر
وقفت أذكر ماضيه وفي كبدي
من الأسى حزنُ تطغى وتستعر
أين الألى شيدوا بالعدل ملكهُم
قدما وما نكثوا عهدا ولا خفروا
وأين من دانت الدنيا لعزّتهم
وأين ما روَت الأخبارُ والسيَر
صحائف المجد خطّ العُرب أسطرَها
تكاد تطمسها الأيام والغيرَ
أبناءَ صهيون كادوا كلّ داهية
واجمعوا أمرَهُم للغدر وائتمروا
وفتّ في عضد الأوطان مرتزق
رثّ الضمير وسمسارٌ ومؤتجر
واقبلت من فجاج الأرض شرذمَة
هي الشقاء بهذا الكون والوَضَر
جاؤوا فمِن حالم يهذي بمملكةٍ
ومن مراب شحيح همّه البدرُ
ومن جناةٍ وأفاقين أطمَعَهُم
فينا التخاذُلُ والتقصيرُ والخور
وهم حثالات أقوام تقاذَفَهم
ريَبُ الزمان فكم ضلّوا وكم فجروا
لا تخدعنّك أوهام تضلّهم
ولا يغرنك ما شادوا وما عمروا
تفنى فناء سراب البيد أربعهم
ولا يغرّنَك ما شادوا وما عمروا
بالأمس جاءت جموع الغرب واحتشدت
لم يبق في أرضهم نابٌ ولا ظفرُ
من كل فج أتوا باسم الصليب وهم
به وباللَه والأديان قد كفروا
يسوقُهم جشَعٌ طاغٍ ويحفزُهم
إلى الغلاب هوى كالنار تستعر
فالبوا كل ذئب جائع قرمٍ
وأقبلوا زمراً من خلفها زمَر
ما كان عيسى أخو حرب به ظمأ
إلى الدماء وما فيها له وطر
فادي الورى نزلَت للحب شرعتُه
وتلك آيته المسطورة الغرر
دعا إلى الرفق والايثار أمّتَه
وللوئام ولكن عَقَّهُ البَشَر
فاستصرخَ المسجد الأقصى غطارِفَةً
من كل أشوسَ في الهيجا له خطر
بنو العروبة والاسلام يحفزهم
إلى الجهاد يقين ليس يستتر
قوم إذا استصرخوا لبّوا وما جبنوا
شروا نفوسهم للّه وابتدروا
قاد الصفوف صلاح الدين مجتهداً
وتحت رايتَهِ الإقدامُ والظفر
وسار يسحق جيش البغي منتصرا
تعنو له الأرض والتيجان والسرر
ردّ الغزاة على أعقابهم فمضوا
مشتتين ولم ينفعهُم الحذر
حتى أعاد إلى الأوطان عزّتَها
ومجدها فهو طودٌ ليس يندثر
يا قوم أين صلاح الدين ينفذُها
وأينَ حطين هل عن شبهها خبر
وهل يعيد لنا التاريخ سيرَتَه
الأولى فنبني على آثار من عبروا
إنا سنبعثُها شعواءَ عاصفةً
تردي اللئام فلا تبقي ولا تذَر
ويا بلادي سنجلوا كل غاشيَةٍ
وسوف يبعثُ حيا عهدُك النَضِر
جبالُك الثم إن جار الطغاة بها
ثارت على الظلم فهي النار والشَرَر
دم الشبيبة في أرجائها عبقٌ
كم مهجة هصروا كم من دم هدروا
وكم شهيد قضى ظلماً بأربعها
وكم شريدٍ غريب الدار ينتظر
ثاروا وقد نذروا للحقّ أنفسَهُم
وفي سبيل العلا والمجد ما نذروا
أغلوا الفداء ومن أغلى الفدا
ولم يثنه من مطلب لا بدّ منتصر