بلبلٌ في الرياض يُلهِمُه الوحيُ
فيشجي القلوب عذبُ بيانِه
باسم للحياة يستقبل الفجر
بحلو الغناء من الحانه
ناشيءٌ في النعيم لم يدر ما البؤسُ
ولا طاف هوله بجنانه
هام بالسحر بالجمال وروى النفس
من شهده وخمر دنانه
وتغنى بالحب في لحنه العلويّ شعرا
اشجى الورى بحنانه
ذهل الدهر حقبةً عنه والدهرُ
لئيمُ الطباع في طغيانه
لم يدع صافياً من العيش إلا
كدّرَ الصفو فيه بعد ليانه
نهش الداءُ صدره وهو جلدٌ
ليس يشكو الضنى ولؤم زمانه
وسرى السقم بين جنبيه كالأفعى
يمُجّ السموم في جثمانه
فذوى في الصبا وأوهنه الحزن
ولجّ الفؤاد في خفقانِه
فبكى شجوَهُ فأبكى وكانت
ترقُصُ الثاكلات من أوزانه
ينضح القلب بالذي فيه من شتى
أحاسيسه ومن أشجانه
ثم أغفى وودّعَ النايَ والشعر
وولّى الشبابُ في عنفوانه
ترك الحزن للأخلاء والأهل
وللأصفياء من إخوانه
لا عزاء لهم سوى الأدمع الحرى
ولحن قد صيغ من أحزانه
فجعَ الشعر والشباب وهز الخطب
عرشَ القريض من أركانه
أين من كانت المنابرُ تهتزّ اختيالا
على صدى تبيانه
ونظيمٍ أرقّ من ارج الزهرِ
نضير كالورد في بستانه
في حواشي السطور نجوى المحبين
وسحر الهوى وعزّةُ شأنه
ويرى كل عاشق في قوافيه
دقيق الأسرار من وجدانه
وهو نار السعير إن عظم الخطبُ
عدو اللئام في أوطانه
نم أبا جعفر قريراً لما شدتَ
لفنّ البيان في بنيانه
وتقلبتَ في النعيم وفي البؤس
وذقتَ الشقاءَ في ألوانه
هل ترى حطيم الصبا سورةَ الداء
أم الحب في لظى نيرانه
وأراح الفؤادَ من عنت الدهر
وآلامه ومن عدوانه
منجلُ الدهر يحصدُ القوم حصدا
من صعاليكه ومن أعيانه
زورقٌ كم أقلّ من عالم الأحياء
للموت وهو في دورانه
قُل أخا الشعر ما الفناء وما البعث
وما الخلد في بديع جنانه
ما مصيرُ الإنسان إن سكنَ القبر
وهيل الثرى على أكفانه
ذاك سر لم يدرك العقل حلا
لأحاجيه في مدى أزمانه
وأساطير قد تعزى بها الإنسانُ
من سطوة القنا بكيانه
قد أسينا لمصرع الشاعر النابغ
غضّ الصبا وفي ريعانه
وأتينا وفي محاجرنا الدمعُ
نُعَزّي القريض في حسّانه
أيّنا يملك العزاء ويسلو
عن مصاب البيان في طوقانه