في مثَل الزرع الذي يُقرأ اليوم فسّر يسوع الزرع انه كلمة الله. السؤال اليوم أين كلمة الله، ما هي كلمة الله؟ أين تكلّم الله؟ الله تكلّم أولًا في العهد القديم بالأنبياء والمزامير والشريعة، لكن الكلمة الكاملة لله أظهرها بيسوع المسيح. يسوع المسيح نفسه يُسمّى كلمة الله لأنه هو التعبير الكامل عن الله.
هنا علينا أن نبيّن الفرق بين يسوع وبقيّة الأنبياء، بينه وبين المُرسَلين لأنه هو الإله، التعبير الأزلي الكامل عن الله. المسيح هو التعبير الجسدي عن الله بمعنى انه لمّا جاء واتّخذ جسدًا مثلنا من العذراء. مذّاك، على كل من أراد أن يعرف كلمة الله أن يتصل بالمسيح. لا طريقة أخرى لمعرفة فكر الله.
الآن، بعد أن صعد يسوع إلى السموات صار يكلّمنا بالإنجيل. هو جعل تلاميذه يكتبون الإنجيل، أوحى إليهم الإنجيل بالروح القدس. ترك لنا الإنجيل، وبنوع خصوصي ترك لنا الكنيسة أي ترك لنا أن نشهد بعضُنا مع البعض في القداس الإلهي. ترك لنا يسوع الشهداء والكتّاب الكبار في الكنيسة الذين نسمّيهم الآباء ونعيّد لهم اليوم. هم أناس اتّصلوا بالمسيح بعمق وبطهارة الحياة وبفكر متخصّص لدرس الكتاب الإلهي وأنتجوا فكرًا أي عبّروا عنه أكبر تعبير.
في الكنيسة نسمع أقوال الأنبياء وكتابات الآباء مترجمة الينا بتراتيل وأناشيد وصلوات لأن كل الصلوات التي نسمعها في الكنيسة مستمدّة من الإنجيل أو من العهد القديم أو من كتب آبائنا.
هذه هي كلمة الله، هي المسيح المنقول الينا بواسطة الإنجيل. يقول إنجيل اليوم ان الزرع الذي زرعه الله هو كلمة الله. بعض منه وقع على الطريق «هم الذين يسمعون، ثم يأتي إبليس وينزع الكلـمة مـن قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلُصوا». كلمة الله التي نسمعها تنزل إلى القلب وتُطهّر القلب، يجب أن يقبلها القلب لتكون مُثمرة. نسمع الكلمة بالأذن أو نقرأها بالعين فتنزل إلى أعماق الإنسان لكي تغيّره فتجعله إنسانًا جديدًا، مسيحيًا بالحقيقة.
ثم الزرع الذي سقط على الصخر يمثّل الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها بفرح لكن ليس لهم أصل، ليس لهم جذور. يؤمنون إلى حين، وفي وقت التجربة يرتدّون. يضعفون أمام المال، وهو التجربة الكبرى، أو أمام التسلّط والمجد. يضعفون أمام إغراء الفكر، إغراء الطعام والشراب وما إلى ذلك. يفضّلون إغراءات العالم على الحقيقة التي يعطيها الله.
ثم عندنا الفئة الثالثة أي الزرع الذي سقط في الشوك. هؤلاء يسمعون الكلمة ثم يذهبون فيختنقون بهموم الحياة وغناها وملذّاتها. فلا يأتون بثمر. كثيرون منّا ينتمون إلى هذه الفئة الثالثة. كلنا ننتمي إلى كل الفئات في وقت واحد.
تبقى الفئة الرابعة التي يدعونا المسيح إلى الانتماء اليها، فئة الزرع الذي سقط في الأرض الطيّبة أي الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب صالح ويُثمرون بالصبر. كلما تنقّى القمح كلما صار أكثر استعدادًا لقبول الكلام الإلهي. المحب للمسيح يفرح لأن كلام المسيح يتعمّق في قلبه أكثر فأكثر.
علينا أن نربّي أنفسنا على أن نفرح بكلمة الرب وأن نبقى عندها بصبر، بمواظبة، باستمرار حتى آخر رمق من حياتنا.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
م/