أَلشَّرْقُ طَالَ سُبَاتُهُ الرَّوحَانِي
هَلْ أَيْقَظَتْهُ الرِّيحَاني
أَيُّ الهُدَاة الرَّاشِدِينَ عَنَاهُ مَا
رَمَزَتْ إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرِ مَعَانِ
وَعَلامَ أَجْمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ وَاجِبٍ
تَدْعُو إِلَيْهِ سَلامَةُ الأَوْطَانِ
مَا مِنْ أَمَانٍ فِي الحَيَاةِ وَأَيْنَ مَنْ
يَقْضِي الحَيَاةَ جَمِيعَهَا بِأَمَانِ
فَطُنَ الحَكِيمُ لِمَا الحَوَادِثُ خَبَّأَتْ
فَنَضَا حِجَابَ الغَيْبِ قَبْلَ أَوَانِ
وَاليَوْمَ صَدَّقَتِ الكَوَارِثُ قَوْلَهُ
كَيْفَ الشُّعُوبُ طَلِيقُهَا وَالعَانِي
وَعَزِيزُهَا بِسِلاحِهِ وَكِفَاحِهِ
وَذَلِيلُهَا بِالحَقِّ وَالبُرْهَانِ
قَدْ مَالأَ العِلْمُ الغَريزَةَ فَهْيَ لَمْ
تَتْرُكْ لِغَيْرِ السَّيْفِ مِنْ سُلْطَانِ
رَدَّتْ إِلَيْهِ الرَّأْيَ فِي عُمْرَانِ مَا
يَهْوَى وَفِي التَّقْوِيضِ مِنْ عُمْرَانِ
فَتَطَيَّرَتْ مِنْ حُكْمِهَا أَلْبَابُنَا
وَتَحَيَّرَتْ فِي حِكْمَةِ الرَّحْمَنِ
يَا مَنْ لَقِيتَ اللهَ مَا فِي عِلْمه
مِنْ غَايَةٍ لِتَحَوُّلِ الإِنْسَانِ
جَزَعُ المَحَابِرِ وَالمَنَابِرِ أَنَّهَا
قَدْ بُدِّلَتْ مِنْ عِزِّهَا بِهَوَانِ
كَانَتْ أَدَاةَ السَّلمِ دَهْراً وَالهُدَى
فَغَدَتْ أَدَاةَ السَّلْبِ وَالعُدْوَانِ
هُرِعَ الزَّمَانُ بِنَا فَمَا مِنْ مُهْلَةٍ
لِلوَادِعِ الرَّاضِي وَلا لِلوَانِي
وَسَطَا جَديدُ نِظَامهِ بِقَدِيمهِ
وَرَمَى الجُمُودَ بِصَاعِقِ النِّيَرَانِ
فَهْوَ المُصَدِّعُ بَعْدَ طُولِ رُسُوخِهِ
وَهْوَ المُرَوَّعُ بَعْدَ طُولِ أَمَانِ
لا يَنْقُضُ البَانِي يَدَا إِلاَّ وَقَدْ
نُقِضَ البِنَاءُ وَفَالَ رَأْيُ البَانِي
وَبِأَيِّ خَسْفٍ عُوقِبَ القَوْمُ الأُولَى
عَاقُوا شُمُوسَهُمُ عَنِ الدَّوَرَانِ
غَلَتِ الحَيَاةُ فَإِنْ تُرِدْهَا حُرَّةً
كُنْ مِنْ أُبَاةِ الضَّيْمِ وَالشُّجْعَانِ
وَاقْحَمْ وَزَاخِمْ وَاتَّخِذْ لَكَ حَيِّزاً
تَحْمِيهِ يَوْمَ كَرِيهَةٍ وَطِعَانِ
لا حَقَّ إِلاَّ أَنْ تُنَاقِحَ دُونَهُ
إِنَّ القَنَاةَ عَصاً بِغَيْرِ سِنَانِ
يَا مَنْ نُوَدِّعُهُ وَكُلُّ مُوَدِّعٍ
دَامِي الفُؤَادِ مُقَرَّحُ الأَجْفَانِ
أَعْظِمْ بِخَطْبِكَ فِي البِلادِ وَإِنَّمَا
عِظَمُ المُصاَبِ يُقَاسُ بِالحِرْمَانِ
كَمْ فِي حَيَاتِكَ مِنْ مِثَالٍ وَاعِظٍ
لِلنَّاسِ مِنْ شِيبٍ وَمِنْ شُبَّانِ
شَتَّى مَزَايَاكَ الَّتِي أَبْرزْنَهَا
بِرِعَايَةِ المُتَعَهِّدِ اليَقْظَانِ
وَعَزِيمَةٌ قُرِنَتْ بِصَبْرٍ لَمْ تَدَعْ
لَكَ فِي مَجَالِ السَّبْقِ مِنْ أَقْرَانِ
جَابَتْ بِكَ الآفاقَ تَسْتَوْفِي بِهَا
مَا شِئْتَ مِنْ أَدَبٍ وَمِنْ عِرْفَانِ
فَالأَرْضُ رَوْضٌ وَالجَنَى مُتَنَوَّعٌ
وَحِجَاكَ مُشْتَارٌ وَفِكْرُكَ جَانِ
أَوْدَعْتَ فِي الكُتُبِ الَّتِي صَنَّفْتَهَا
أَزْكَى ثِمَارِ العِلْمِ لِلأَذْهَانِ
وَنَثَرْتَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَخَطَابَةٍ
مَا لا يَجُودُ بِدُرِّهِ البَحْرَانِ
وَخَصَصْتَ بِالعَرَبِ الكِرَامِ مَبَاحِثاً
أَحْسَنْتَ فِيهَا غَايَةَ الإِحْسَانِ
أَخْبَارُهُمْ آدَابُهُمْ أَخْلاقُهُمْ
صَوَّرْتَهَا فِي أَصْدَقِ الأَلْوَانِ
فَلِصُنْعِكَ المَشْكُورِ أَكْرِمُ مَوْقِعٍ
مِنْ كُلِّ قَلْبٍ فِي بَنِي عَدْنَانِ
جُهِلَتْ مَفَاخِرُهُمْ وَرَاءَ مَكَانِهَا
وَاليَوْمَ قَدْ عُرِفَتْ بِكُلِّ مَكَانِ
إِنَّ المَعَرِّيَّ الَّذِي تَرْجَمْتَهُ
فَرَفَعْتَ بَيْنَ اللُّسْنِ خَيْرَ لِسَانِ
وَأَبَنْتَ لِلأَقْوَامِ مَا بِالضَّادِ مِنْ
حِكَمٍ جَلَتْهَا فِي بَديعِ بَيَانِ
لَيُبَارِكُ الزَّمَنْ الَّذِي رَجَّحْتَهُ
فَضْلاً عَلَى مُتَقَادِمِ الأَزْمَانِ
لا بِدْعَ أَنْ بُلِّغْتَ مَا بُلِّغْتَهُ
شَرْقاً وَغَرْباً مِنْ عَزِيزِ الشَّانِ
سُبْحَانَ مَنْ وَهَبَ النُّبُوغَ مُمَيِّزاً
بِعُلاهُ بُلْدَاناً عَلَى بُلْدَانِ
لُبْنَانُ بَيْنَ جِبَالِهِ وَرِجَالِهِ
طَالَتْ ذُرَاهُ أَوْجَ كُلِّ عَنَانِ
لَوْ تَجْتَلِي عَيْنٌ مَعَانِي مَجْدِهِ
لَرَأَتْ رِعَاناً تُوِّجَتْ بِرِعَانِ
يَا ابْنَ الفَرِيكَة نَمْ مَنَامَكَ نَاجِياً
فِيهِ مِنَ الحَسَرَاتِ وَالأَحْزَانِ
تَحْنُو عَلَيْكَ صِلادُهُ بِظِلالِهَا
وَتَقَرُّ فِي وَادٍ مِنَ التَّحْنَانِ
إِنَّ المَصِيرَ إِلَى الثَّرَى وَإِخَالُهُ
أَنْدَى وَأرْفَهُ فِي ثَرَى لُبْنَانِ