مَن هم أصحاب الحجر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه الكريم: «ولقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين. وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين» [1].
مَن هم أصحاب الحجر؟
أصحاب الحجر هم قوم النبي صالح (عليه السلام).
وهو مدفون مع النبي هود (عليه السلام) حيث مدفن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وادي السلام في النجف الأشرف. ويستحبّ زيارتهما بعد الفراغ من زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يستحبّ زيارة آدم ونوح عليهما السلام؛ فهما مدفونان هنالك أيضاً.
أمّا الحجر فهو اسم المنطقة التي بُعث فيها النبي صالح (عليه السلام) لهداية أهلها، فسُمّوا بها. ولم يكن صالح أوّل نبي يكذّبونه فلقد كذّبوا أنبياء آخرين سبقوه بعثهم الله إليهم قبل صالح (عليه السلام)؛ وكان هؤلاء الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم مشفوعين بالآيات والمعجزات التي تثبت كونهم مبعوثين من قِبل الله تعالى؛ ولكن ذلك لم ينفع مع أصحاب الحجر وكانوا ـ أخبر الله تعالى عنهم ـ معرِضين عن تلك الآيات والدلالات!
فلقد لبث صالح (عليه السلام) فيهم ـ كما في الروايات الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم ـ يدعوهم إلى الله مدّة مائة وست عشرة سنة، لم يؤمن به خلالها أكثر من سبعين منهم أي بمعدّل أقل من شخص واحد خلال كل سنة!
وفي هذا دلالة على أنّنا ينبغي أن لا نتعب أو نملّ ونضجر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كانت الاستجابة قليلة والتأثير بسيطاً؛ فإنّ الله سيثيبنا على أتعابنا مهما كانت النتيجة.
فلو أنّ أحداً منّا أيقظ ولده لصلاة الفجر مرّتين وثلاثاً وأربعاً وخمساً، دون أن يرى استجابة منه، فليوقظه في اليوم السادس أيضاً ولا ييأس، فلعلّه يتأثّر ويستجيب، والله تعالى هو طرف المعاملة مع العبد وهو الذي يعطيه أجره في كلّ حال. يقول الله تعالى مخاطباً نبيه (صلّى الله عليه وآله): «فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب» [2].
الإعراض عن الآيات
ولا يكون الإعراض إلاّ بعد أن يتبيّن الأمر، ولذلك نرى القرآن الكريم يذكره بعد ذكر إيتاء الآيات والبينات. فإنّ مَن لا يعلم أنّ الحجّ واجب بالنسبة إليه ولا يحجّ لا يسمّى معرضاً. أمّا مَن علم بوجوب الحجّ عليه ولم يحجّ مع ذلك يقال إنّه أعرض عن الحجّ. وهكذا الحال مع أصحاب الحجر فإنّهم استمرّوا في تكذيب أنبياء الله حتى بعد نزول الآيات ومشاهدة المعجزات، أي أنّهم أعرضوا عن الآيات.
آية صالح (عليه السّلام)
وأعظم آية ومعجزة للنبي صالح (عليه السلام) هي الناقة.
فقد طالبه جماعة من قومه أن يُخرج لهم ناقة من بطن الجبل ليتبيّن لهم صدق دعواه.
فإنّه إن كان نبياً استجاب الله دعوته. ولم يردّ صالح (عليه السلام) طلبهم فتوجّه إلى الله تعالى وسأله ذلك.
فخرج صوت رهيب من الجبل لأنّه انشقّ إلى نصفين، وخرجت ناقة عظيمة قيل إنّها كانت تعادل في ضخامتها عشرات النوق؛ يتبعها فصيلها.
وهذا ليس بعزيز على الله، فلقد خلق آدم وحواء من قبل من دون أبوين، وخلق عيسى من أمّ فقط. يقول الله تعالى: «إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» [3].
وكانت الناقة وبراء جميلة تسير بسيرة الإنسان العاقل الحكيم الذي لا يؤذي أحداً.
فكانت لا تؤذي شخصاً ولا حيواناً ولا زرعاً ولا شيئاً، كالإنسان المؤمن الحكيم.
وكانت تأكل من حشائش الأرض حتى إذا وصلت زرع الناس لم تنل منه حتى بمقدار حبة، وكانت لا تطأ في سيرها زرع أحد أو أنساناً أو حيواناً أو حشرة رغم ضخامتها بل كانت تتحاشى ذلك في مشيها وسيرها؛ وكانت الحيوانات الأخرى تخشاها بقدرة الله تعالى.
وهكذا كانت إعجازية في كل شيء، وليس في انوجادها فقط.
فلقد كانت تشرب في اليوم الواحد ماء القرية بأكمله، أي الماء الذي يشرب منه مئة ألف إنسان مثلاً، وتدع اليوم الذي يليه لأهل القرية يشربون منه.
فكان لها شرب ولهم شرب يوم معلوم كما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى: «قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم» [4].
وكانت تعطي الحليب كل يوم بمقدار الماء الذي شربته. وتلك معجزة أخرى. فإنّ الحيوانات التي تعطي الحليب لا تعطي بمقدار ما شربته من ماء بل أقلّ منه بكثير، لكن هذه الناقة كانت معجزة في كلّ شؤونها!
عقر الناقة
أعرض أصحاب الحجر عن الآيات كلها وقرّروا قتل الناقة بزعم أنّها تحرمهم من الماء يوماً كاملاً، مع أنّهم كانوا يستفيدون حليباً! ولكنّه الطغيان والعياذ بالله!
ووعظهم نبيهم قائلاً: إن عقرتم الناقة فإنّ الله تعالى سينزل عليكم عذاباً من عنده.
فقالوا: فلينزل علينا العذاب فلا نبالي! ولم يبالوا بتحذيرات النبي صالح (عليه السلام) وعقروا الناقة؛ عقرها شخص يسمّى (قيدار) كان أشقاهم. وقتلوا فصيلها أيضاً، وقيل: إنّه عاد إلى الجبل مفجوعاً!
ثم تقاسموا لحم الناقة بينهم!
نزول العذاب، والعبرة من القصة
وهنا أخبرهم نبيهم (عليه السلام) أنّ الله سينزل عليهم العذاب بعد ثلاثة أيام، تصفرّ وجوههم في اليوم الأوّل، وتحمرّ في اليوم الثاني، وتسودّ في اليوم الثالث!
ثمّ ينزل عليهم العذاب إن لم يرجعوا حتى ذلك الحين!
سبحان الله! وما أعظم رحمته! فمع أنّ هؤلاء القوم كذّبوا المرسَلين واستمرّوا في تكذيبهم حتى بعد نزول الآيات، يمهلهم الله تعالى ثلاثة أيام عسى أن يتوبوا فيعفو عنهم ويقبلهم، ولكنّهم لم يرجعوا مع ذلك واستمرّوا في غيّهم، حتى كان اليوم التالي فاصفرّت وجوه الذين لم يؤمنوا بصالح (عليه السلام)، فقال ضعفاؤهم لكبرائهم: لقد اصفرّت وجوهنا وإنّ صالحاً صدق فيما قال. فأجابوهم: دعوها تصفرّ! وفي اليوم الثاني احمرّت وجوه القوم، لكنّ الأشقياء أجابوا المعترضين:
لعلّ صالحاً سحركم، دعوها تحمرّ. حتى كان اليوم الأخير فاسودّت وجوههم فقالوا: لن نؤمن له ولو هلكنا! فأنزل الله عليهم جبرئيل فصاح فيهم صيحة تقطّعت نياط قلوبهم وأصبحوا في ديارهم جاثمين!!!
إذن على المرء أن ينتبه إلى نفسه، فلو أنّه سقط في كل الامتحانات والعياذ بالله، فلا يسقطن في الامتحان الأخير.
وصلّ الله على محمدٍ وآله الطاهرين.