بَحَمْدُونُ إِنْ تَنْشَقْ عَلِيلَ نَسِمِيهَا
فَإِنَّ شِفَاءَ النَّفْسِ مَا تَتَنَسَّمُ
صَفَا جَوُّهَا فَالشَّمْسُ فِيهِ سَلامَةٌ
تُصَبُّ عَلَى الأَبْدَانِ وَالبَدْرُ بَلْسَمُ
وَرَاقَتْ مَسَاقِيهَا وَطَابَتْ ثِمَارُهَا
فَمَا الْعَيْشُ إِلاَّ صِحَّةٌ وَتَنَعمُ
أَطَلَّتْ مُطَلاًّ فِيهِ لِلْبَحْرِ جَانِبٌ
وَآخَرُ لِلْوَادِي فَلاَ شَيْءَ أَوْسَمُ
أَرَاعَكَ سَيْفٌ فِي الشَّوَاطِيءِ مُلْتَوٍ
مَضَارِبُهُ سُمْرٌ وَسَاحِلُه دَمُ
فَنَجْدٌ إِلَى نَجْدٍ تَسَامَى فَهَضْبَةٌ
إِلَى هَضْبَةٍ وَالطَّوْدُ لِلطَّوْدِ سُلَّمُ
فَأَشْتَاتُ أَلْوَانٍ بِرِفْقِ مِزَاجِهَا
تَرِفُّ وَتَزْهُو أَوْ تَحُولُ وَتَقْتِمُ
يَسُرُّكَ مِنْهَا نَاطِقٌ جَنْبَ صَامِتٍ
وَيُرضِيكَ مُفْشِي السِّرِّ وَالمُتَكَتِّمُ
مَنَاظِرُ وَالمَرْآةُ تُجْلَى حِيَالَهَا
تُريكَ أَفَانِينَ الْحِلَى كَيْفَ تُنْظَمُ
بِأَيِّ جَمَالٍ أَبْدَأَ اللهُ رَسْمَهَا
وَأَيِّ جَلالٍ ذَلِكَ الرَّسْمُ يُخْتَمُ
إِذِ الرَّمْلُ مَشْبُوبُ الْعَقِيقِ وَدُونَهُ
زُجَاجٌ إِلَى أَقْصَى المُحِيطِ مُحَطَّمُ
فَإِنْ رَوِيَتْ مِنْكَ الْجَوَانِحُ بَهْجَةَ
وَأَظْمَأَهَا وِرْدٌ جَدِيدٌ يُيَمَّمُ
جَلَتْ لَكَ حَمَّانَا رَوَائِعَهَا الَّتِي
تَدِقُّ إِلَى الْغَابَاتِ فَنّاً وَتَعْظُمُ
لَكَ اللهُ مِنْ وَادٍ بَدِيعٍ نِظَامُهُ
بِهِ افتَنَّ مَا شَاءَ الْبَدِيعُ المُنَظِّمُ
يُخَيَّلُ لِلرَّائِي جَلالَكَ أَنَّهُ
بِمَا هُوَ رَاءٍ مِنْ جَلالِكَ مُلْهَمُ
وَيَحْسَبُ مَنْ يَرْنُو إِلَيْهِ وَدُونَهُ
أَرَقُّ غِشَاءٍ أَنَّهُ مُتَوَهِّمُ
مَدَارِجُ مِنْ أَدنَى السُّفُوح إِلَى الذُّرَى
يَرُودُ حِلاهَا النَّاظِرُ المُتَسَنِّمُ
جُيُوبٌ بِهَا مِنْ كُلِّ غَالٍ وَفَاخِرٍ
نَفَائِسُ تَغْزُوهَا اللِّحَاظُ فَتَغْنَمُ
إِلَى قِمَمٍ شُمٍّ ذَوَاهِبَ فِي الْعُلَى
يُؤَخِّرُهَا حُسْنٌ وَحُسْنٌ يُقَدِّمُ
تُفيضُ عَلَى الأَغْوَارِ دَرَّ ثُدِيِّهَا
فَتُرْضِعُ خَضْرَاءَ الرِّيَاضِ وَتَرْأمُ
إِذَا مَا تَغَنَّى مَاؤُهَا مُتَحَدِّراً
شَجَانَا وَلَمْ يَفْهَمْ لُغَاهُ مُتَرْجِمُ
جِبَالٌ تَرَامَتْ فِي الفَضَاءِ خُطُوطُهَا
يُرَقِّقُهَا رَسَّامُهَا وَيُضَخِّمُ
أَحَبُّ طِباقٍ فِي البَدِيعِ طِبَاقُهَا
يَرُوعُ النُّهَى مُنْآدُهَا وَالمُقَوَّمُ
وَلا ظَرْفَ إِلاَّ عُطْلُهَا وَمَزِينُهَا
وَلا لُطْفَ إِلاَّ غُفْلُهَا وَالمَنَمْنَمُ
تَدَلَّتْ قُرَاهَا عَنْ رِحَابِ صُدُورِهَا
فَكَمْ عَجَبٍ يَبْدُو لِمَن يَتَوَسَّمُ
أَلا حَبَّذَا تِلْكَ البُيُوتُ وَحَبَّذَا
نَباتٌ جمِيعٌ حَوْلَهَا وَمُقَسَّمُ
بُيُوتٌ بِأَسْبَابِ السَّمَاءِ تَعَلَّقَتْ
لَهَا فِي المَهَاوِي مُسْتَقَرٌّ وَمَجْثَمُ
حِجَارَتُهَا ضَحَّاكَةٌ عَنْ بَيَاضِهَا
وَآجُرُّهَا عَنْ حُمْرةٍ يَتَبَسَّمُ
وَأَشْجَارُهَا تُؤْتِي الزَّكِيَّ مِنَ الْجَنَى
وَأَطْيَارُهَا حَوْلَ الْجَنَى تَتَرَنَّمُ
فَيَا هَذِهِ الْجَنَّاتُ بَيْنَ مِهَادِهَا
وَبَيْنَ الثَّنِيَّاتِ الْجَمَالُ المُتَمِّمُ
أُحَيِّيكِ مِنْ قُرْبٍ وَكَمْ مُتَدَكِّرٍ
عُهُودَكِ مِنْ بُعْدٍ عَلَيْكِ يُسَلَّمُ
إِذَا وَفَرَتْ فِيكِ المَنَافِعُ وَالمُنَى
عَجِبْتُ لِمَنْ يَشْكُو وَمَنْ يَتَألَّمُ
وَإِنْ كَانَ أَهْلُوكَ الأُولَى يَعْرِفُ النَّدَى
عَجِبْتُ لِمَنْ يَرجُو نَدَاهُمْ وَيُحْرَمُ
وَيَا أَيُّهَا الْحَشْدُ الَّذِينَ تَوَافَدُوا
لِبِرٍّ تَمَلُّوْا نِعْمَةَ الْعَيْشِ وَاسْلَمُوا
هُوَ الرِّفْقُ بِالضَّعْفَى وَأَيُّ مَبَرَّةٍ
عَلَى اللهِ مِنْ هَذِي المَبَرَّةِ أَكْرَمُ
أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ قُرَّةَ العَيْنِ تَنْقَعُوا
غَلِيلاً بِهِ أَحْشَاؤُهُمْ تَتَضَرَّمُ
وَمَا مِنْكُمُ مَنْ يُسْتَعَانُ بِفَضْلِهِ
عَلَى الدَّهْرِ آناً بَعْدَ آنٍ فَيسْأَمُ
هَنِيئاً لَكُمْ أَنَّ المُرُوءةَ قَدْ دَعَتْ
إِلَى وَاجِبٍ أَبْنَاءهَا فَأَجَبْتُمُ
جَمِيلٌ تَبَارَتْ فِيهِ كُلُّ جَمِيلَةٍ
تَرِقُّ لِمَنْ جَافَى الْقَضَاءُ وَتَرْحَمُ
قَلائِلُ فِينَا وَالشُّرُورُ كَثِيرةٌ
تُقَوِّضُ مِنْ أَخْلافِنَا وَتُهْدِّمُ
تَشَبَّهْنَ إِحْساناً وَطُهْراً بِمَرْيَمٍ
وَهَيْهَاتَ مَا كُلُّ الْعَقَائِلِ مَرْيَمُ