السلام عليكم
اقدم لكم التحفه السينمائيه In The Mood For Love
فلم صيني من اجمل ما تابعت من افلام الحب العذري
اترك لكم موضوع منقل
من نسرين علام: «لن نكون مثلهما»، هكذا يقول تشاو مو- وان (توني لونغ) الشخصية المحورية في فيلم «في مزاج الحب «In The Mood For Love» (إنتاج عام 2000) للمخرج الهونغ كونغي وونغ كار- واي، ولكنه يستدرك قائلا في فترة لاحقة من الفيلم «المشاعر يمكن أن تتسلل إليك دون أن تدري».
بين هاتين العبارتين في الفيلم، الذي يقدم واحدة من أشهر قصص الحب التي صورتها السينما، فيض من المشاعر بأطيافها، المشاعر التي تنمو وتقوى كل يوم لتصبح حبا عميقا، وبينهما أيضا الكثير من الصراع النفسي، والكثير من الألم. نحسب أن في هاتين العبارتين وتفسيرهما تكمن رؤية الفيلم.
في «في مزاج الحب» يخلق كار- واي عالما يضج بالحسية، دون أن يكون فيلمه جنسيا على الإطلاق. المفارقة العبقرية التي ينجزها كار- واي، هي أنه رغم عدم وجود حتى قبلة واحدة في الفيلم، فإنه ينجز فيلما يضج بالحسية وبالمشاعر المشبوبة. أيمكن أن يكون الحزن بهذه الحسية؟ أيمكن للألم النفسي أن يقارب النشوة؟ هذا هو التناقض النفسي والبصري الذي يخلقه كار- واي.
هو فيلم يخلق المخرج حسيته البالغة بالألوان العميقة: الكثير من الأحمر العميق، الأخضر الصاخب والأصفر. ثم هناك الكثير من المطر الغزيز، والملابس التي أغرقها المطر. قد يبدو وجها بطليه هادئين، ولكن داخلهما عاصف كالمطر المنهر حولهما، الذي يغرق ثيابهما في الكثير من الأحيان. قد لا يتلامس البطلان إلا بلمسات اليد، ولكن هذه اللمسات فيها من الحسية والمشاعر المفعمة الكثير. وهنالك دوما صوت نات كينغ كول بشجنه وحسيته وأغنيته «ربما، ربما، ربما» في نسختها الإسبانية، تلك الـ»ربما» التي تدور دوما في خلد البطلين ولكنها لا تتحول قط إلى «نعم». هي تلك الـ»ربما» التي تخلق لدينا كمشاهدين هذا الإحساس الحسي الإيروتكي، دون أن يكون ما يدور بين البطلين حسيا حقا.
هو وهي جاران، يسكنان في شقتين متلاصقين في هونغ كونغ عام 1962. هو صحافي وسيم يرتسم على وجهه دوما ذلك الحزن النبيل، وكثيرا ما نراه ينفث دخان سيجارته، ربما للتنفيس عما يعتمل في نفسه من مشاعر. هي سو لي جين (ماغي تشونج) مديرة المكتب في شركة تجارية، دوما فائقة الحسن والأناقة، تلك الأناقة التي تعبر عن اعتداد كبير بالنفس، اعتداد جُرح جرحا عميقا تداويه بواجهة تحاول أن تكون صلبة وبأناقة أخاذة.
لعل العنصر الأكثر حسية في الفيلم هو سو ذاتها. كثيرا ما تتمهل الكاميرا على قوامها الأنيق الذي يتهادى وهي تسير وهي ترتدي أثوابا لا تكشف الكثير ولكنها تؤطر قواما رشيقا أخاذا. نراها، كما يراها جارها بطل الفيلم، وهي تتهادى على الدرج لشراء الطعام، أو وهي تهم بدخول منزلها، دوما في كامل أناقتها ودوما في أثواب بالغة الأنوثة والأناقة.
طوال الفيلم لا نرى زوجة مو- وان وزوج سو، فهما في خلفية الأحداث وفي خلفية حياة مو- وان وسو. يعلم مو- وان وسو أن زوجيهما على علاقة ببعضهما بعضا، ويبدآن في الحديث كنوع من مشاركة الحزن أو لاستمداد القوة من بعضهما بعضا، كاثنين جمع بينهما سر خيانة الزوجين وألمه. يختار كار- واي ألا نرى الزوجين الخائنين إلا في لقطات نادرة غير مباشرة، ربما من الظهر، أو كمجرد صوت في محادثة هاتفية. تسبب مرتكبو الخيانة في الجرح، وعلى مو- وان وسو محاولة التداوي منه أو محاولة فهم أسباب الخيانة.
ولعل السؤال الفلسفي الذي يثيره الفيلم هو الفارق بين «الخيانة الزوجية»، تلك الكلمة المدمرة التي تقض المضاجع وتدمر المنازل، وبين الحب الذي يباغتنا فجأة وعلى حين غرة دون أن نكون متأهبين له، ودون أن تكون الظروف مواتية على الإطلاق لوجوده. ما حدث بين زوجي مو- وان وسو هو الخيانة الزوجية، ويصر بطلانا على التمسك بعبارة «لن نكون مثلهما».
يلتقيان ليمارسا طقسا فيه من التخفيف عن الألم الكبير، ولكنه، للمفارقة أيضا، فيه من الألم الكثير. يلتقيان للعب أدوار زوجيهما الخائنين في محاولة لمعرفة أسباب الخيانة. لكن الألم المشترك والقرب النفسي يولد مشاعر الحب بيهنما دون أن يخططا لذلك. يلتقيان في ذلك الفندق ذي الستائر الحمراء التي توحي بأن حسية متقدة تجري في غرفاته، ولكن سو تتحول في الواقع إلى ملهـــمة مو- وان في الكتابة، حيث تشجعه على كتابة قصص «المانغا» التي طالما حلم أن يكتبها. وحين يزداد الحب عن قدرة احتمالهما على التمسك بعهد ألا يصبحا كمن خانا، تأتي النهاية المحتومة: لا بد من رحيل أحدهما إلى بلد آخر، ففي البقاء في الحيز المكاني نفسه مع كل هذا العشق، دون أن يلتقي الجسدان استحالة لا مفر منها إلا بالمغادرة.