أخَا الحَزْمِ نَبِّئْنِي أفَارَقْتَ عَنْ حَزْمِ
مَكَانَتَكَ الشَّمَّاءَ مِنْ مَنْصِبِ الحُكْمِ
وَقَدْ كُنْتَ ذَاكَ العَادِلَ الفَاضِلَ الَّذِي
عَفَا أَوْ جَفَا لم يَقْضِ إلاَّ عَلَى الظُّلْمِ
أجَدُّكَ بَعْدَ الفَصْلِ فِي النَّاسِ تَبْتَغِي
مَقَاماً وَمَاذَا بَعْدَ مَنْزِلَةِ النَّجْمِ
أَلا إنَّهَا العَلْيَاءُ فِي النَّفْسِ كُنْهُهَا
وَمَا هِيَ فِي دَسْتٍ وَلاَ فِي اشْتِهَارِ اسْمِ
فَإنْ طَهْرَتْ نَفْسٌ فَمَا الفَخْرُ ظَاهِراً
بِفَخْرٍ وَلَيْسَ الجَاهُ خَيْراً مِنَ العُدْمِ
وَنَيْلُ الأمَانِي كُلِّهَا دُونَ هَفْوَةٍ
يَسُوءُ بِهَا قَاضٍ مَسُوءاً بِلاَ جُرْمِ
عَلَى أَنَّهَا الأحْدَاثُ تَعْرِضُ لِلنُّهَى
فَتُخْفِي ضِيَاءَ الحَقِّ عَنْ ثَاقِبِ الحِلمِ
إذَا المَرْءُ لَمْ يُمْنَحْ شَهَادَةَ مَا اخْتَفَى
وَأَمْناً مِنَ البَلوَى وَتِمّاً مِنَ العِلمِ
فَقَدْ يُخْطِيءُ الحَقَّ الصَّريحَ إذَا قَضَى
وَيَأْخُذُ بِالإِثْمِ البَرِيءَ مِنَ الإثْمِ
بَرِحْتَ سَمَاءً لِلقَضَاءِ إذَا صَفَتْ
فَأَحْيَتْ فَقَدْ تَرْمِي بِمُرْدِيّةِ الرُّجْمِ
وَآثَرْتَ مَيْدَانَ المُحَامَاةِ دُونَها
مَجَالاً رَحِيباً لِلمُرُوءةِ والعَزْمِ
فَفِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْتَ صانِعُ رَحْمَةٍ
وَفِي كُلِّ يَومٍ غَانِمٌ أَجْرَ ذي غُرْمِ
وَمُتَّهَمٍ فِي غَفْلَةِ العَدْلِ وَاقِفٍ
مِنَ المَوْتِ بَيْنَ الأمْرِ والخُشَبِ البُكُم
نَهَضْتَ لِدَفْعِ الوَيْلِ عَنْهُ بِهِمَّةٍ
هِيَ الوَثْبُ فِي الأَرْيَاحِ وَالوِقْرِ فِي الشُّمِّ
وَنَاضَلْتَ عَنْهُ مُسْتَجِيراً مُلاَيِناً
شَفِيعاً نَافِيَ الرَّيْبِ بِالجَزْمِ
بِزَأْرَةِ رِئْبَالٍ وَتَطْرِيبِ سَاجِعٍ
وَعَطْفَةِ مُهْتَزٍّ وَلَهْفَةِ مُهْتَمِّ
وَرِقَّةِ مُحْتَالٍ وَشِدَّةِ مُفْحِمٍ
يُنَسَّمُ عَنْ رَوْضٍ وَيُغْدِقُ عَنْ يَمِّ
وَتَقْلِيبِ شِبْهِ البَرْقِ وَرْياً وَرَوْنَقاً
مِنَ الرَّأْيِ فِي أدْجَى مِنَ السُّحُبِ الدُّهْمِ
فَلَمْ يَلْبَثِ المَنْكُودُ حَتَّى تَحوَّلَتْ
بِهِ حَالَةٌ مِنَ حَرْبِ دَهْرٍ إلَى سِلْمِ
لَوِ النَّاسُ أَرْقَى فِطْنَةً وَسَليقَةَ
لَمَا كَانَ مَنْ قَاضٍ وَلاَ كَانَ مِنْ خَصْمِ
فأمَّا وَهُمْ مَا قَدْ عَهِدْتُ وَلَمْ تَزَلْ
بِهِمْ حَاجَةُ الأَفْراسِ لِلسَّرْجِ وَاللُّجْمِ
فَإِنَّ وَلِيَّ الذَّوْدِ عَنْهُمْ لِجَهْلِهِمْ
أحَبَّ إلَى الرَّحْمَنِ مِنْ مُوقِعِ الحُكْمِ