يا قلبُ أَيْنَكَ؟ أين وَلَّى خاطِري؟
وبأيِّ حَرْفٍ قَدْ أَخُطُّ دَفاتِري؟
لمَّا رَحَلْتَ إلى الحِسانِ وكُنتَ في
أوجِ المعالي والشَّبابِ النَّاضِرِ
وهَجَرْتَ أحلامي وأقلامَ الهوى
وذَهَبْتَ عِندَ خُوارِ عِجْلِ السَّامِرِي
وأبيتَ أنْ تَبْقَى مَعي وكأنَّنا
خَصمانِ يَقْتَتِلانِ دُونَ عَساكِرِ
يا قلبُ أَيْنَكَ؟ والحَياةُ قصيرةٌ
والوَصْلُ أَقْصَرُ مِنْ خَيالٍ عابِرِ
ما لي إذا جَحَدَ المَوَدَّةَ خائِنٌ؟!!
ما لي إذا جَرَحَ الأَحِبَّةُ خاطِري؟
ما لي أراكَ تَغِيبُ؟ أينَ تَقاطَرَتْ؟
بكَ غادِياتُ الحُبِّ في ذا الباكرِ
أإلى بلادِ الشَّامِ شوقُك والهوى؟
ودُموعُ عَينِكَ كالغَزيرِ الماطِرِ
أم نَحْوَ صَنعاءَ التي لِحَمامِها
تهفو ولِلأَرَجِ العَليلِ العاطِرِ؟
يا قلبُ قل لي: أين أنتَ؟ وما تَرى
أَتُحِبُّ؟ أم تَهْوَى جِراحَ مَشاعِرِي؟
ويُجِيبُ مِنْ خَلْفِ الضُّلُوعِ كأنَّهُ
في الأَسْرِ يَبكي مِن قيودِ الآسِرِ
ويقولُ قَلْبُكَ لم يَعُدْ في وُسْعِهِ
صَبْرًا هنا يَبْقى لِقَيْدٍ آخَرِ
أنا لم أَعُدْ في النَّاسِ إلّا شاعِرًا
لا شيءَ إلّا الشِّعْرُ كلُّ مفاخِري
أنا في الحقيقةِ شاعِرٌ ومُحارِبٌ
وهَوايَ في حُبِّ الجِهادِ جَزائِرِي
إنَّ الجزائرَ والكِفاحَ مَلاحِمي
تُروى إذا كَتَمَ اللِّسانُ سَرائري
إنَّ الجزائرَ والكِفاحَ تَعاشَقا
وعَشِقْتُ ذَيْنِ العاشِقَينِ فحاذِرِ
ورَكِبْتُ مِنْ هَوْلِ الجَحيمِ خَنادقًا
وغَدَوْتُ مِنْ أَتباعِ (عَبْدِ القادِرِ)
وَطَنٌ عليهِ مِنَ الفِداءِ غِلالَةٌ
ومِنَ الشُّمُوخِ مَعاطفي ومآزِري
ولَثَوْرَةُ الأَوراسِ أَكْمَلُ عبرةٍ
فَبِأَيِّ شَرْعٍ أَنْحَنِي لِلجائِرِ؟
وبأيِّ مِيزانِ العُقولِ سَيَنْثَنِي الـ
ـطَّاغوتُ إلّا بالكفاحِ الزَّاخِرِ
إنَّ التَّحَرُّرَ لِلبِلادِ أمانَةٌ
للهِ في عُنقِ الحُسامِ الباتِرِ
ما عُدْتُ أَعْشَقُ والبِلادُ أَسِيرةٌ
ومُلَوَّثٌ يَلْهُو بِعِرْضٍ طاهِرِ
ما عُدْتُ أُعْرَفُ عَاشِقًا ومَتَيَّمًا
إنَّ الصَّبايا قد كَرِهْنَ جَواهِرِي
ما عُدْتُ أَعْرِفُ لِلرُّجُولَةِ حَقَّها
مُذْ حامَ حَولَ حِمى المَذَلَّةِ طائِرِي
عَفْوًا إذا جَفَّتْ عيونُ محابري
وغَرَفْتُ مِنْ بَحْرِ الغَرامِ الوافِرِ
لِلشَّاعِرِ المِنْطِيقِ أَجْنِحَةُ العُلَى
في قَومِهِ وسِواهُ ليس بِشاعِرِ
إنّي صَبَرْتُ وفي التَّصَبُّرِ ذِلَّةٌ
مازلتُ أَطْمَعُ في ثَوابِ الصَّابِرِ
وكَرِهْتُ زَجْرَ القاعِدِينَ عَنِ العُلَى
ومَلَلْتُ موعظةً ونَهيَ الزَّاجِرِ
وكَفَرْتُ بِــ(الفِيتو) اللَّعينِ وجورهِ
إنِّي غَدَوْتُ مَعَ الكِفاحِ جَزائري