حلم الآتي و ذكرى الغابر
مسرح الشعر و دنيا الشاعر
ذكريات الأمس تغريه كما
يفتن المهجور طيف الهاجر
و الغد المأمول في أشواقه
صورة من كلّ حسن باهر
صورة كالوعد من أحلى فم
كابتسامات اللّقاء العاصر
و كعيني طفلة ترنو إلى
مقلتي طفل كسول الناظر
***
***
عالم الشاعر ذكرى و منى
و حنين كالجحيم الهادر
يقطف الأحلام و الذكرى كما
يقطف العنقود كفّ العاصر
أيّ ذكر ؟ أيّ شوق عادني
فإذا قلبي جناحا طائر
و إذا الدنيا بكفّي معزف
ساحر في كفّ شاد ماهر
تارة أشدو و أصغي تارة
لروايات الزمان الساخر
فيقصّ الدهر من دنيا أبي
ذكرا تخجل وجه الذاكر
و أنا أحمل ذكراه ... كما
يحمل المظلوم سوط الجائر
و أغنّي عزّ أجدادي الأولى
فخروا بالعجز فخر لاقادر
و من الأجداد ؟ ما شرعتهم ؟
شرعة الوحش الغبيّ الكاسر
و مخازيهم تراث خالد
ورثوه كابرا عن كابر
كيف أنسى الأمس و اليوم ابنه
و الغد الآتي وليد الحاضر !
و أنا ابن الشعر قلبي عالم
من حنين و حنان غامر
ترتمي الأدهار حولي مثلما
يرتمي موج العباب المآثر
والدنا في عزلتي هائمة
كهوى " ليلى " و طيف " العامري "
وحدتي صمت يغني ورؤى من
عصا " موسى " و عجل " السامري "
من شذوذ الطفل من زهو الفتى
من أسى الشيخ الفقير العاثر
من خيالات الشياطين و من
حكمة الرسل ودجل الساحر
من ضراعات المساكين و من
خيلاء المستبد القاهر
من هوى التاجر في الربح و من
شبح الإفلاس حول التاجر
من شكاوى عاشق يمشي على
قلبه نحو الحبيب ... نافر
وحدتي وحي و دنيا من هدى
و ضلال ويقين حائر
و حنان وانتظار خائف
ورجاء كابتسام الغادر
وهوى يضحك للطيف كما
يضحك الروض لعين الزائر
وحدتي أرجوحة من فكر
دائرات كالشروق الدائر
و بنات الفنّ حولي زمر
كرياحين الربيع الزاهر
و أنا كالراغب المحروم في
موكب الغيد المثير السافر
أشتهي تلك فتدنو أختها
من يديّ كالأبيّ الصاغر
حلوة تدنو و تخفى حلوة
كالسنى خلف الظلام العاكر
هذه تعطي و لا أسألها
و أناجي تلك نجوى الخاسر
و لعوب أجتدي نفحتها
و هي تأبى خاطري
و عدها يبعث ذكرى " حاتم "
ووفاها صورة من " مادر "
كم تناديني فتغري لوعتي
و تولّى كالحبيب ... الماكر
و الدجى مقبرة تغفو على
حلم النعش و نوح القابر
قلق الصمت كرؤيا مومس
هجعت بين ذراعي فاجر
كأماني ظالم يرنو إلى
مقلتيه شبح من ثائر
خائف يسري و في أعطافه
صلف الطاغي وتيه الكافر
و تضيع الشهب في موكبه
كخيالات المريض الساهر
ودخان الحقد في أهدابه
كالخطايا فوق عرض عاهر
يخطر الشيطان فيه و على
شفتيه قهقهات الظافر
و خفوق الصمت ينبي أنّ في
سرّه ضوضاء زحف طافر
و الرؤى تشتفّ من خلف الربى
مطلع اليوم الهتوف الزاخر
و تبثّ الغيب شكوى توبة
تتشهّى بسمة من غافر
و أنا وحدي أناغي هاتفا
من فم الوحي الشذيّ الطاهر
و هدوء الكوخ يستفسرني
هل أغنّي للفراغ السادر ؟
قلت إنّي شاعر ، في وحدتي
ألف دنيا من طيوف الشاعر