الكاتب والعالم العراقي الدكتورعلي الوردي
بقلم احمد طاهر
أن الشخص العراقي يعشق مثل روميو ويتزوج مثل الملا عليوي! هكذا يلخص علي الوردي مفهوم الازدواجية في طبيعة الفرد العراقي.
نسترجع اليوم في ذكرى رحيله سيرة شخصية من اهم ماكتبت باسلوب لم يسبقه احد في الطرح والجرأة وكثيرين من بعده ممن حاولوا اما تقليده او تبني نهجه في دراسة علم الاجتماع، حتى ان الكاتب والمفكر الكبير حسن العلوي قال فيه “لم يولد في العراق مثله ولن يتكرر”.
عدد المقالات والبحوث والشهادات باقلام مختلف الادباء والمثقفين والاعلاميين والباحثين عن علي الوردي كبير جدا – منهم من سآتي الى الذكر ولكن اختيارهم ليس بقصد التخصيص او المفاضلة. اضافة الى ذلك، نشهد اليوم ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وفي وسط التغيرات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية، وحتى الاخلاقية السريعة التي حلت بالعراق وخاصة بعد 2003 فانه لايمر اسبوع الا ونقرأ لاحدهم على صفحته الشخصية او على المنتديات مقولة او اقتباس من اعمال العلامة علي الوردي!
البعض يكاد ان يجزم ان علي الوردي قرأ مستقبل العراق!
هل لان كتاباته ترجمت الوضع العراقي الحالي بصورة خاصة والعربي عامة بدقة متناهية تشخيصا وطرحا واسلوبا؟ بالرغم من عقود مضت على صدور تلك الكتب وفي زمن يختلف جذريا عن اليوم، ام ان الوردي كشف ظواهر وحدد رواسب اجتماعية لم تتغير منذ ذلك الزمن والى الان؟
لايقتصر الباحثين في سيرة الوردي وطروحاته على العراقيين فقط، بل امتدت لتشمل جميع الدول العربية. من مصر تم عمل سلسلة من الفديوهات التوضيحية التي تجمع بين الترفيه وبين ايصال المعلومة المفيدة كالفديو الخاص بكتاب (خوارق اللاشعور) والفديو الخاص بكتابه (مهزلة العقل البشري). ومن السعودية الاعلامي احمد العرفج الذي قال ان المفكرين في علم الاجتماع قلائل بالوطن العربي، بل هم اثنان فقط: جمال حمدان المصري، وعلي الوردي العراقي. التصريح الاخطر لاحمد العرفج قوله في احدى المقابلات “لو ان كتب علي الوردي يُسمح باقرارها في مدارسنا، فثلاثة ارباع التطرف سوف يقل في بلدنا”.
على الجانب الاخر لم يسلم علي الوردي عبر السنين من الاتهامات ومحاربة البعض له بسبب افكاره واطروحاته وحتى بعد مماته والى يومنا هذا. البعض اتهموه بالالحاد واخرين الصق به الشيوعية. كما اتهموه بالماسونية – محتمل لانه خصص الوردي ملحق كامل من كتاباته عن هذا الموضوع. وحتى ان احدهم اتهمه يوما بأنه جاسوس للحكومة العراقية انذاك فرد عليه الوردي: “الخطأ ليس منك لكن من الحكومة التي تفضح جواسيسها أمام شخص مثلك”. وبعد 24 عام على وفاته نقرأ اليوم عن من يعتبر كتابات علي الوردي خطيرة فيطلقون عليه لقب العلماني الرافضي او المحرض على تشويه افكار الشباب والاجيال الصاعدة!
علي الوردي والدين
لم يكن علي الوردي منحازا الى دين او فئة او طائفة دينية معينة. ينظر علي الوردي الى الدين عموما انه وسيلة من اجل تحقيق العدالة والمساواة للفرد في المجتمع ولكنه يصنف الاديان الى نوعين: “الكهنية” وهي التي تنشأ تلقائيا نظرا لحاجة الافراد في المجتمع والنوع الثاني اديان “نبوية” وهي التي يأتي بها نبي من اجل الاصلاح والمساواة.
في هذا السياق كتب الباحث الاستاذ الدكتور علي المرهج العديد من المقالات عن الوردي، احداها تحمل عنوان “الموقف من الدين في فكر علي الوردي” وفيها نقتبس قوله ” إن الدين عند الوردي يقوم بوظيفة اجتماعية كبرى حينما يكافح من أجل العدالة وتحقيق المساواة، وهو في الوقت نفسه يحقق نوعا ً من أنواع التوازن الاجتماعي لاسيما حينما يفتح الباب أمام الصراع بين الفئات المغلوبة والفئات الغالبة، لأنه بذلك يُحرك الحياة وهذا الصراع هو الذي يمنحنا الأمل بتحقيق عالم متوازن”
اما عن نظرة العلامة الوردي عن الاسلام بشكل خاص فيقول الدكتور المرهج “ينظر الوردي الى الإسلام بوصفه دين العدل والمساواة، ودين الضعفاء والمغلوبين بل جاء من أجل نشر الفضيلة بين الأُمم، وهو ثورة كبرى على صعيد القيم الإنسانية، فهو بمثابة قلب لقيم الجزيرة العربية التي كانت تعيش على الغلبة والقتل”
عن الطائفية وتعدد الفرق الدينية فان الوردي يرجعها الى “العصبية” التي تقوم على أساس الانتماء الاجتماعي أكثر من استنادها على المفاهيم الدينية. لذلك فان الوردي يهاجمها بشراسة من خلال كتبه لانها في نظره السبب الرئيسي في سقوط الحضارة وهدم الامم. تعززت العصبية بنظر الوردي في الفترة منذ سقوط بغداد على أيدي المغول في العام 1258 حتى قيام الدولة العراقية في العام 1921. ففي تلك الفترة كان جل اهتمام النظام السياسي هو جباية الضرائب لذلك اضطر الناس إلى العودة إلى العصبية القبلية والقيم البدوية من اجل المحافظة على أرواحهم مما جعل الفرد على سبيل المثال يرفض ان يقدم شكوى الى الحكومة عند حصول اعتداء عليه، ويفضل طوعا ان يذهب الى “الشقاوة” في الحي والذين يعتبرون بنظر الحكومة خارجين على القانون بينما هم محبوبين من قبل ابناء المنطقة الواحدة وعليهم تقع حماية اهالي ذلك الحي ومصالحهم الاجتماعية وحتى التجارية.
علي الوردي والسياسة
سياسيا، لم يجامل علي الوردي السلطة ويجملها باختلاف وتتابع النظم التي توالت على حكم العراق والوطن العربي عموما – كتابه وعاظ السلاطين خير دليل.
هناك العديد من الادعاءات والادعاءات المضادة، منها ما تذكر ان السلطات العراقية لم تجد في الوردي وطروحاته الفكرية تهديد او خطر على النظام السياسي والا تم اعتقاله بسهولة، بل بالعكس هناك من المصادر ماتذكر رغبة الحاكم في اجتذاب الوردي اليهم. هناك رأي مخالف والعديد من المصادر تذكر العكس، ففي العام 1989 اقدمت جامعة بغداد على سحب لقب الاستاذ المتمرس من الدكتور علي الوردي في سابقة لم تسجل في تاريخ الجامعة على الاطلاق. تبع ذلك سحب وحضر كتبه من الاسواق من اجل الحفاظ على “السلامة الفكرية”، كما تم منعه من السفر الى خارج العراق وتضييق الخناق عليه في الندوات والمحاضرات التي يتم دعوته اليها.
يخصص الباحث العراقي محمد عيسى الخاقاني في الفصل الرابع من كتابه (مئة عام مع الوردي) حول رأي الوردي بالساسة العراقيين الذين حكموا العراق منذ تأسيس الدولة عام 1921 وحتى عام 2003؛ فالوردي يصف الملك فيصل الأول بأنه شخصية كاريزمية عركتها السياسة. أما الملك غازي فهو ضعيف الشخصية ومتردد على الدوام. فيما يصف الملك فيصل الثاني بأنه لم يمارس الحكم فعليا في العراق لأن الحاكم الفعلي كان الوصي عبد الإله. أما بالنسبة للجمهوريات التي جاءت فيما بعد، فللوردي آراء محددة بكل رئيس. فعبد الكريم قاسم كان زعيما شعبيا لا ينفع رئيسا للعراق، وعبد السلام عارف هو أول من مزق العراق طائفيا، وعبد الرحمن عارف هو أول من أتاح متسعا من الحرية في وقت ضيق. بينما وصف الوردي حقبة البكر بحكم القبيلة، وحقبة صدام حسين بحكم القرية. ويخلص الوردي إلى القول بأن حل مشكلة العراق تكمن في الديمقراطية والمواطنة وحكم القانون.
علم الاجتماع هو ان تذهب الى الناس
بعيدا عن الدين والسياسة، يأخذ البعض على الوردي ان اطروحاته لاتعتمد على اسس نظرية او علمية كونها تعتمد على الاقاويل والاحاديث المأخوذة من اشخاص. يرد علي الوردي في احدى مقابلاته ان علم الاجتماع هو ان يجلس الباحث او المتخصص مع الناس في المقهى الشعبي وان يستمع الى احاديثهم وقصصهم، لان عامة الناس هم من يمثلون القطاع الاكبر من المجتمع وبالرغم ان الرجل في المقهى او الشارع لايذكر الحقيقة كلها عن حدث ما ولكن هو يقدم وجهة نظره في الموضوع قيد النقاش، ووجهة النظر هذه تمثل تفكير كثير من الناس في ذلك الموضوع. الاهم، حسب العلامة الوردي، هو دراسة الناس وليس دراسة المثل العليا التي عادة ما تكون متوفرة في الكتب والبحوث، بينما دراسة الناس والمجتمع تتطلب الذهاب اليهم، الجلوس معهم والاستماع اليهم.
السيرة الذاتية
هو علي حسين محسن عبد الجليل. ولد في العام 1913 بمدينة الكاظمية في العاصمة العراقية بغداد. لقبت عائلتة بالوردي نسبة إلى أن جده الأكبر الذي كان يعمل في صناعة تقطير ماء الورد.
ترك مقاعد الدراسة في عام 1924 ليعمل عاملا عند محل لصنع العطر (عطار) ولكن صاحب العمل طرده بعد فترة لانه كان يقضي معظم وقته في قراءة الكتب والمجلات. في العام 1931 عاد الى الدراسة والتحق بالمدرسة المسائية في الصف السادس الابتدائي الى ان اتم المرحلة الثانوية بتقدير الاول على العراق وحصل على بعثة لدراسة التجارة والاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت. حصل على شهادة البكلوريوس في العام 1943 وعاد في نفس السنة ليعمل مدرسا في الإعدادية المركزية وثانوية التجارة في بغداد. سافر الوردي بعدها الى الولايات المتحدة الامريكية والحصول على الماجستير عام 1948 من جامعة تكساس الأمريكية، وبعدها بعامين حصل على الدكتوراه من جامعة أوستن الأميركية بتقدير امتياز عن أطروحته الموسومة بـ(التحليل الاجتماعي لنظرية ابن خلدون). بعد عودته في نفس العام عين مدرسا لعلم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد ودرس مادة (علم النفس الاجتماعي).
تدرج علي الوردي في وظيفته الى ان اسندت اليه رئاسة قسم الاجتماع عام 1963.
وفي العام 1970 قدم بنفسه على التقاعد، وفي نفس العام منحته جامعة بغداد لقب استاذ متمرس.
لدى علي الوردي اربعة ابناء: حسان، جعفر، سيناء وفيصل. حسان، مواليد 1944 كان يعمل طبيبا جراحا في مستشفى اليرموك قبل الهجرة الى خارج العراق؛ جعفر، مواليد 1945 مهندس في القطاع الخاص؛ سيناء، وهي من مواليد 1952 تخصص الصيدلة؛ وفيصل، من مواليد 1955، خريج كلية اللغات ويعمل مترجما قبل الهجرة الى خارج العراق.
عانى العلامة الدكتور علي حسين الوردي صراع مع مرض السرطان في التسعينات من القرن الماضي. في تلك الفترة كان الحصار المفروض على العراق ينخر في كل المجالات ونقص الدواء والمستلزمات الطبية دفعته الى السفر الى الاردن وتلقي العلاج في مدينة الحسين الطبية وبعدها عاد الى العراق وهناك خسر معركته مع المرض حيث وافاه الاجل بتاريخ 13 تموز / يوليو 1995، و قد كتب احدهم في وقتها مقالة اتهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بقتل الوردي بسبب الحصار الظالم التي فرضته على العراق مما شح معه من الغذاء والدواء.
مؤلفاته
كراسة شخصية الفرد العراقي – 1951
خوارق اللاشعور – 1952
وعاظ السلاطين – 1954
مهزلة العقل البشري – 1955
اسطورة الادب الرفيع – 1957
كراسة الاخلاق/الضائع من الموارد الخلقية – 1958
وكتاب الاحلام – 1959
انجز العلامة علي الوردي أكثر من 150 بحثا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة بغداد.
وتعتبر دار الوراق للنشر المصدر المعتمد والناشر الرئيسي والرسمي لكل اعمال وكتابات العلامة علي الوردي
رحم الله العلامة الكبير علي الوردي. اليوم وبعد عقود مازال اسمه لامعا وكتاباته خالدة لاجيال قادمة عسى ان يستفيد الفرد والمجتمع ولتعلم الدروس لمستقبل افضل.