من اعلام بلادي –الاديبة العراقية ديزي الامير
بقلم احمد طاهر
رحلت عن هذا العالم الإنسانة والأديبة. امرأة حملت في شخصيتها الجمال والرقة ومحبة الناس. رحلت وهي تعيش الغربة عن بلدها الذي كان وبقي عشقها الاول والاخير. “لست على مايرام مادام العراق مريضا.” هكذا قالت قبل عشر سنوات في واحدة من المقابلات. هي اميرة القصة العراقية القصيرة الكاتبة ديزي الامير التي توفيت يوم الخميس المصادف 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2018 في هيوستن، الولايات المتحدة الامريكية عن عمر يناهز 83 عاما – اعلن عن الوفاة على وسائل الاعلام بعد ايام من الحدث المؤسف.ولدت ديزي الأمير في الاسكندرية بمصر على 1935. والدها الطبيب العراقي الموصلي الاصل ميرزا الأمير ، ووالدتها السيدة وداد تبشراني، لبنانية من ضهور الشوير. اكملت ديزي الامير دراستها الإبتدائية في مدرسة البتاوين في بغداد ثم اكملت المرحلة الاعدادية في المدرسة المركزية للبنات والتحقت بعدها الى دار المعلمين لتحمل في نهاية تلك المرحلة شهادة البكالوريوس. وفي العام 1955 سافرت إلى بريطانيا والتحقت بجامعة كامبردج وحصلت على دبلوم اللغة الانكليزية ثم بدأت بالتقديم والتحضير لدراسة الدكتوراه وكانت اطروحتها عن الادب العربي لكنها لم تكمل اطروحتها وعادت الى العراق.
نشأت ديزي الامير في ظروف عائلية صعبة فيها اب يبث الخوف في قلوب اولاده، وفاة والدتها المبكر وزواج ابيها غير المتوقع في توقيته من امرأة ثانية التي كانت من القساوة على ديزي واخوها واختها الى طردهم من البيت. بعد ان عادت من بريطانيا عملت ديزي الامير في مجال التعليم لمدة عشر سنوات. درست في المدارس الثانوية في بغداد، وبعد سفر شقيقها الى الولايات المتحدة وزواج شقيقتها واستقرارها في مدينة البصرة انتقلت للعيش معها وعملت في مدارس الطالبات الثانوية في البصرة كمدرسة ومعاونة المديرة. وهكذا كان الخلاص من سطوة زوجة الاب وسوء معاملتها. كانت فترة العيش في البصرة من احلى ايام حياة ديزي الامير من خلالها التقت وعاشرت اناس محبين ودخلت في مجتمع بصري وفر لها الطمأنينة والراحة النفسية.
سافرت بعدها الى بيروت وعملت سكرتيرة في السفارة العراقية بين عامي 1964 والعام 1969 الى ان تم تعيينها مساعد الملحق الصحفي في السفارة. كانت تزور اهل والدتها في ضهور الشوير كل صيف. هناك تعرفت على الشاعر خليل حاوي الذي خطبها لفترة لم تدم طويلا وسافرت بعدها الى بريطانيا من جديد للدراسة. كانت اطروحتها حول “أدب المرأة العربية في الحرب العالمية الثانية”. عادت الى لبنان لجمع المصادر المطلوبة لاطروحة الدكتوراه لكنها لم تستطع السفر بسبب الحرب الاهلية اللبنانية وقررت على هذا الاساس ولفرض واقع الحالان تستقر في لبنان. فرضت ديزي الامير وجودها واحترامها في اثناء اقامتها بلبنان، وسط اجواء تنيرها شخصيات ادبية وثقافية لها ثقلها مثال ذلك غسان كنفاني ونزار قباني وغيرهم. ولم تفكربالارتباط برجل او الاولاد لانشغالها بين عملها وكتابة القصة.
تزوجت ديزي الامير من الاديب حبيب صادق، رئيس المجلس الثقافي اللبناني وذو الميول الشيوعية لكن الزواج لم يستمر وتم الانفصال بعد سنتين.
وفي عام 1975 تم تعيينها مديرا للمركز الثقافي العراقي واستمرت الى العام 1982 عندما قررت العودة للعراق ثم عادت الى لبنان لتستقر لاعوام طويلة قبل ان تهاجر الى الولايات المتحدة، المحطة الاخيرة لها.
مؤلفاتها
ركزت مؤلفات ديزي الاميرعلى المرأة العربية، وتميزت عن غيرها من الكتاب برقة الاسلوب وسهولة تقديم الاحداث والشخصيات. حياتها وتفاعلها مع الظروف والاحداث في الشرق الاوسط كالحرب الاهلية اللبنانية والانظمة السياسية العربية كانتا محل تأثير. كذلك حياتها الشخصية، وفاة والدتها وزواج ابيها، اختلاطها بالمجتمعات العراقية واللبنانية المختلفة، كل ذلك من تأثيرات لعبت دور في شكل واسلوب كتابة ديزي الامير. كذلك استخدمت مرارا السخرية من المرأة التي تدفعها المظاهر والسطحية والنساء اللواتي يهتمن بجمالهن الجسدي مهملات للجانب الروحي والفكري.
كتبت اول قصة في العام1962، ونشرت أولى مجاميعها القصصية عام 1964 تحت عنوان (البلد البعيد الذي تحب) ثمتلتها عدد كبير من القصص مثل (الحكاية الاندلسية) و(قائمة الانتظار: حكايات امرأة عراقية مغتربة) حتى عام1996 عندما نشرت اخر رواية وهي (جراحة لتجميل الزمن):
– البلد البعيد الذي تحب 1964
– ثم تعود الموجة عام 1969
– البيت العربي السعيد 1975
– في دوامة الحب والكراهية عام 1979
– وعود للبيع عام 1981 (عن الحرب الأهلية اللبنانية) -على لائحة الانتظار عام 1988
– جراحة لتجميل الزمن عام 1996
مذكرات ديزي الامير
لاعوام طويلة حاولت ديزي الامير ولاكثر من مرة ان تكتب مذكراتها لكنها تراجعت، كما ذكرت في احدى المقابلات في العام 2002 عندما قالت”… كلما اعتقدت انني انجزتها وافكر في دفعها للطباعة اعود فاكتشف ان هناك اضافات وتعديلات يجب العمل عليها، وغالبا ما يحول بيني وبين دفعها للنشرترددي وخوفي وتساؤلي حول ما سيكون وقعها على القارىء…”
وتضيف ان كان نشر مذكراتها سيثير ضجة فتقول: “لااستطيع ان اكتشف نسبة القراء الان فهناك اشياء لا زلت مترددة في ذكرها وتتعلق بالمشاهير من الادباء والفنانين، وللحقيقة لا اريد ان اتعدى على الاخرين، فانا لماعد ادري ماذا يزعجهم وماذا يرضيهم، كما ان هناك بعض الوقائع السياسية التي اعرفها ولا اظن ان من حقي ان ارويها، اما فيما يتعلق بي فقد كتبت كل شيء، ولانني جزء من واقع ومجتمع تترابط احداثه تجدينني اتردد في النشر وحتى الان لم احسم الامر بعد.”
قصة خليل حاوي
ارتبطت ديزي الامير بخطوبة لفترة قصيرة مع الشاعر خليل حاوي الذي كان يكبرها بعشرة سنين. تعرفت عليه من خلال زياراتها لاهلها كل صيف حيث كان بيت اهلها مجاور لبيت اهله. كان يزور بيت خالتها هناك التي كانت تحب الشعر وتحفظه. بعد انتقالها والسكن في بيروت تكررت اللقاءات وكانت سعيدة بزياراته الدائمة وبدعواته لها لحضور محاضراته في الجامعة. نظرا لمكانته الادبية المرموقة كانت تستشيره في الادب والشؤون الثقافية وايضا كصديق وتربطهم قرابة بعيدا عن العاطفة او الحب. كما تعود على الاتصال بها باستمرار عندماكانت تسافر الى العراق وكان يراسلها دائما عندما يسافر هو الى الغرب. مع هذا فطباع الاثنين مختلفة جدا: هي تتسم بالهدوء والسكينة في تعاملها اما هو فعصبي المزاج وقلق وسلبي وهذه واحدة من الاسباب الرئيسية في عدم الاستمرار. يقال انه كان يعاني من ورم في الدماغ تؤدي الى حالات الصرع لكنها ليست الاسباب الرئيسية في فسخ الخطوبة.
بعد انفصال ديزي الامير وفشل زواج دام سنتين من الاديب اللبناني حبيب صادق التقت ديزي الامير ولاكثر من مرة مصادفة بخليل حاوي وقد حاول هو مرارا اقناعها بالرجوع والارتباط به لكنه قوبل بالرفض.
انتحر خليل حاوي في العام 1982 باطلاق النار على رأسه وهو على شرفة منزله الواقع في شارع الحمرا في بيروت. وفي العام 1987 تم نشرسيرته الذاتية “خليل حاوي: رسائل الحب والحياة” والتي نشرت فيها ديزي الامير الرسائل التي كان يرسلها اليها خليل حاوي. اثير جدل كبير وواسع في الصحف حينها حول الطريقة التي نشرت فيها كونها لم تحمل اسم ديزي الامير و انها قامت هي بنفسها بحذف اي اشارة اليها عن قصد قبل النشر. كان رد ديزي الامير ان الغرض الاساسي لنشر تلك الرسائل هو “خدمة الباحثين الذين هم بحاجة الى مراجع عند دراستهم لحياة الشاعر، لذلك لم يكن مهماً من هي التي كتب لها، بل المهم ما كتبه هو”.
ملهمة بدر شاكرالسياب
كانت ديزي الامير احدى ملهمات الشاعر الكبير بدر شاكرالسياب. تتذكره فتقول انه كان ابرز شاعر في الجامعة عندما كانوا طلاب في دارالمعلمين العالية. كتب لها الشعر كما كتب لكل جميلات الجامعة. كانت تلتقي به وبنازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي مع باقي الزملاء ليسمعوا من السياب اخر قصائده التي كتبها.
بعد وفاة السياب كانت هناك دور نشر تقوم بطبع ونشر اعماله بدون موافقة الورثة او الالتزام بالعقود المبرومة مع عائلته بشكل فاضح ويخرق حقوق الطبع والنشر. قامت ديزي الامير وبدعم من اتحاد الناشرين اللبناني بمتابعة الامر والدخول في معركة مع دور النشر تلك للحصول على المردود المالي ونجحت. تقول ديزي الامير عن ذلك ” هي الوفاء الذي قدمته للسياب إذ لم أستطع مساعدته في شيء وهو حي وبقيتُ ألاحق المردود المادي وأتأكد من وصوله لأسرته، شكرتني السيدة إقبال زوجة الشاعر وشكرتُ الله، إذ كنت في موقع يتيح لي القيام بهذه المساعدة”.
صديقتي… نازك الملائكة
كتبت الشاعرة العراقية نازك الملائكة في مذكراتها عن ديزيالامير انها “صديقتي” وتعلق الامير بقولها “لست صديقتها بهذا المعنى، بل صديقة أختها الأصغر، فهي أكبر مني سنّاً، وأكثر ثقافة ونضجاً. كنت في الصف الأول من دار المعلمين العالية، وكانت هي في الصف المنتهي، لكني لن أنسى جلساتها وأحاديثها ورسائلها. امرأة صريحة، ونظرتها إلى الحياة عميقة، تشعرك دائماً بأنها الرئيسة، لها سلطة خفية وساحرة علينا وعلى كل الصديقات. كنت أتطلع اليها كمثال،والتقيها كثيراً، فقد ربطتنا صداقة عائلية، نتزاور بحكم هذا التقارب، لكنها رحلت إلى القاهرة، ولم تعد”
تملك ديزي الامير في منزلها المجموعة الكاملة لشاعر نازك الملائكة المفضل، علي محمود طه، كما انها تحتفظ بكل المراسلات بينهما.
قالوا عنها
“كلمات ديزي الأمير كصوت فيروز، شيء من الغيب يُحَب.ساحرة الهنيهات السعيدات، وماهمّ أنهن أحيانا مثقلات بالكآبة. من أين تجيء بهذا البث الناعم الفني في عصر القصة المواء والقراء الذين يحبون الصدم والقضم؟.”
سعيد عقل
“إن الرائع في قصص ديزي الأمير يبرز برائحة فنية في رسم عالم الأحاسيس الداخلية للشخصية، وحساسية شديدة الرقة، تلتقط ابسط موجات الشعور المضطرب، وتلتقط الجرس الخافت لحزن لا يعلن عن نفسه إلاّ للأذن التي تألف الهمس، إننا نسمع في قصصها همس السواقي وليس هدير الشلالات، ومفارقاتها الدرامية تحدث الرعشة وليس الارتعاش العنيف”.
عفيف فراج
تقول الشاعرة والناشطة العراقية في مجال الحريات والعمل الإنساني، أمل الجبوري، إن الراحلة الأمير، كانت مثالاً رفيعاً على حيوية ثقافية واجتماعية للمرأة العراقية، بعيداً عن كل ألوان التعصب والتشدد والهويات الفرعية القاتلة فقلة قليلة تعرف إن ديزي الأمير هي مسيحية من البصرة.
امل الجبوري
رحم الله ديزي الامير واتمنى ان اكون قد وفقت في توثيق سيرة حياة هذه الامرأة الكاملة باعمالها الادبية وبانسانيتها وجمال روحها ورقتها.