امثال عراقية مضحكة وأصولها .....2
جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني
يضرب للشخص الذي يطلب العون من الناس ، فيلقى منهم مايزيد في عنائه وشقائه
أصله :
أن إمرأة خرجت ذات يوم إلى السوق لقضاء بعض الأشغال . فلما فرغت من ذلك أرادت الرجوع إلى البيت ، وكان معها صبي صغير لها تحمله على كتفها وكان يبكي طول الطريق من غير سبب معلوم ، وكلما أرادت المرأة أن تسكّته وتهّأه ذهبت جهودها أدراج الرياح . وبينما هي تسير في أحد الأزقّة وابنها مازال يبكي وقد بلغت روحها التراقي ، صادفت رجلا يقف في جانب الطريق وبيده يشماغ له يلفّه على رأسه ، فتقدّمت منه وقالت له : (( الله يرحم والديك .. ماتخّف هذا الولد .. حتى يسكت ! )) . فقال الرجل : (( سهلة .. وينه هذا ؟ )) . فأشارت إلى ولدها ، فتقدّم الرجل منه وأمسكه من كلا كتفيه ، ثم رفع الجرّاوية عن رأسه فبدت له صلعة منكرة ! .. ثم خفض رأسه وجعله أمام وجه الصبي وهزّ رأسه ذات اليمين وذات الشمال هزّا عنيفا وصاح بصوت منكر أجشّ : (( ترررررررررر )) فإخترعت المرأة ووقعت أرضا ، ثم نهضت وأخذت ولدها وهربت به وهي تقول : ((جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس فعجبوا من غباء الرجل وجهله ، وبلادة المرأة وسوء تصرّفها . وذهب ذلك القول مثلا
أكو من جلمة ... وأكو من سطرة
يضرب للشخص الذي يعامل الناس حسب قدرهم ، وعلى قدر عقولهم .
أصله:
أن أحد الحلاقين كان يحلق يوما لأحد زبائنه بموس ماضية فزلّت يده فأصاب وجه الزبون بجرح غائر ، بدأ الدم يسيل منه غزيرا فما كان من الحلاق إلاّ أن مال على أذن الزبون وقال له : (( تره أكو بعكالك وسخ )) وتلك كناية عن تعرّض سمعته لكلام الناس ! فثارت ثائرة الرجل وأحمّر وجهه غضبا وقفز من مكانه وصاح : (( اتخسه ! .. انا أخو خيته .. )) . فتوقف نزيف الدم في الحال . فاعتذر الحلاق إليه ، وأخبره بأنه قد قال ما قال حتى يثير غضبه ، ويهز أعصابه ، فينقطع نزيف الدم . فسامحه الرجل وقبل عذره .
وكان للحلاق صبي ذكي مجدّ وكان قد سمع ورأى ما دار بين أستاده الحلاق والزبون . وبينما كان يحلق لأحد الزبائن ذات يوم أصاب الزبون بجرح في وجهه سال منه الدم غزيرا . فمال الصبي على الزبون وهتف في أذنه : (( تره أكو بعكالك وسخ )) فلم يتحرك الزبون ، ولم ينقطع نزف الدم ، فقال الصبي : (( تره سمعة بنتك موزينة بالمحلة )) فلم تؤثر كلمته في الزبون شيئا. فقال : (( الناس دا يحجون على بنتك )) فلم يتحرك الزبون كذلك . وكان الحلاق يسمع ويرى مايجري بن الصبي والزبون ، فأسرع إلى الزبون ورفع كفه وضربه سطرة شديدة على رقبته . فارتاع الزبون لذلك وانتابه الغضب وقام من مقعده ثائرا ، وسأل الحلاق : (( هاي شنو ؟ .. ليش تضربني ؟ )) . وقبل أن يجيبه الحلاق انقطع نزف الدم وتوقف .. فاعتذر الحلاق إلى الزبون ، وأطلعه على حقيقة الأمر ، وأن السطرة ماكانت إلاّ لتوقف النزيف . ثم التفت الحلاق إلى صانعه وقال له : (( شوف ابني .. الناس مو كلهم سوه .. أكو من جلمة ... وأكو من سطرة )) . فتعجّب الصبي من كلام الحلاق ، وسعة اطلاعه ، وشدة ذكائه .. وذهب ذلك القول مثلا
َحميّينا الماي ... وطار الديج
يضرب هذا المثل للشخص الذي يعمل عملا عظيم الأثر ، ثم يعتذر عنه بعذر واه لا يصدّقه عقل ولا يقبله وجدان
أصله:
أن رجلا كانت له إمرأة جميلة مليحة ، وكان لها خليل تعشقه وتهيم به ولا تطيق فراقه ، وكانت تؤثره بكل شيء لديها من ملبس ومأكل وغير ذلك . وكانت كلما أعدّت طعاما لزوجها تأخذ منه شيئا لخليلها . وفي ذات يوم جاء زوجها بديك سمين ، فذبحه وطلب منها أن تعدّ منه مرقا لذيذا للغداء . فقامت المرأة إلى الديك فطبخته ووضعته في طبق ، ثم أرسلت به إلى خليلها ليأكله هنيئا مريئا . ثم إن الزوج عاد إلى البيت في وقت الغداء ، فأتته الزوجة ببعض المرق وبعض رغفان الخبز ، فسألها عن الديك ، فقالت له : (( ديج ؟ .. هذا يادبج ؟ .. هذا جان جنّي ! ))
فتعجّب الرجل من قولها ولم يصدّق كلامها وسألها : (( شنو هالحجي ؟ )) فقالت : (( لما ذبحت الديج .. نظّفناه آني والخادمة وخلينا الماي بالجدر .. والديج بالماي .. والجدر على النار .. ولما حمى الماي رفرف الديج بجناحه وطار من الجدر )) . فصعب على الرجل تصديق هذا الكلام ، فسأل الخادمة عن صحته ، فقالت : (( صدك عمّي .. حمّينا الماي ... وطار الديج . فصدّق الرجل كلام زوجته ، وتناول ما أمامه من الطعام. ثم ذاع الخبر بين الناس ، فضحكوا من غفلة الرجل وغبائه ، وعجبوا من كيد المرأة وتدبيرها . وذهب ذلك القول مثلا
ردتك شاهد .. طلعت لي قصّه خون
يضرب للشخص يؤتمن على أمر ، فلا يكون أهلا لتحمّل تلك الأمانة ، أو المحافظة عليها ، خيانة منه ولؤما .
أصله:
أن رجلا من أهل بغداد كان قد سافر إلى إحدى المدن العثمانية إبّان العهد العثماني بصحبة رفيق له . وبينما هما يتنزّهان في بعض شوارع المدينة _ في عصر ذات يوم _ رأى الرجل بقرة كبيرة واقفة في شرفة أحد البيوت والشرفة : هي ماكان يسمى في بغداد القديمة (( الطارمة )) ويسمى اليوم البلكون . وكانت الشرفة صغيرة وضيقة وبابها صغير وضيق ، فتعجّب الرجل من ذلك غاية العجب ، ولفت نظر رفيقه إلى ذلك ، وراح يتسائل وإياه عن كيفية صعود البقرة الكبيرة إلى تلك الشرفة الصغيرة الضيقة وعن كيفية نزولها منها والشرفة عالية عن الأرض ، وبابها صغير ضيق ! . ثم قال الرجل لرفيقه : (( إن هذا الأمر لايكاد يصدّقه العقل .. فلو أن امرءا حدّث به بعض معارفه ، هل كان يصدّق في قوله ؟ . فبالله عليك ياصاحبي إنتبه لما ترى جيدا واحفظ ذلك في ذاكرتك .. لعلّني أحتاج إلى شهادتك في هذا الأمر ، إذا ما عدنا إلى بغداد .. لأني أخشى الاّ يصدّقني أحد إذا ما قصصت عليه قصتها )) . فوعده رفيقه خيرا .
ثم أن الرفيقين عادا إلى بغداد ، وقد نسي الرجل أمر البقرة . وفي ذات يوم دخل الرجل إلى المسجد ليصلي الظهر ، فرأى صاحبه واقفا في ناحية من المسجد ، وقد التفّ حوله لفيف من الناس ، وهو يقصّ عليهم نبأ البقرة ، وكان القوم يستمعون إليه ويهزّون رؤوسهم غير مصدّقين لما يقول ! . وما كاد ذلك الرفيق يرى الرجل داخلا ، حتى صاح به قائلا : (( لقد جئت في الوقت المناسب ياصاحبي .. أن هؤلاء القوم يكذّبونني فيما أقصّ عليهم من نبأ البقرة . فهلاّ شهدت لي على صحة ما أقول ؟ )) . فقال الرجل : (( أنا لا أتذكّر من هذا الأمر شيئا .. وما أظن كلامك إلاّ إفتراءا وبهتانا ! . )) . فقال صاحبه : (( ماذا تقول ياصحبي ؟ .. هل نسيت ذلك بهذه السرعة ؟ .. )) فقال الرجل : (( لا .. لم أنس ذلك .. ولكنك أنت الذي نسيت ما طلبته منك .. لأني (( ردتك شاهد .. طلعت لي قصه خون . )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس ، وعجبوا من قلة عقل ذلك الصديق ، وعدم إلتزامه بما وعد به رفيقه