مُوسيقى تغسلُني في الّليل..
كائناً كونياً..
كلّ يَوْم عنده
.. عالمٌ بأكمَلِه،
أولُدُ في أوّلِـه
وأموتُ عند ساعة الصّفر.
أرمي برباطِ
عربَتي إلى النُجوم،
لو أكتَفي بهذِه الأرضِ
واترك ذلك الكوْن
مخذولاً
في صَدْري.
2
رأسُ هذا العالم حَرْب
وقدَميّه حَرْب
و بينهم الصابئين
مدمني البّارود.
رأيتُ مُدُناً تفرّ خِلْسة
في ظلمة الليل،
تستَحِمّ في ماءِ القُرى.
رأيتُني،
تراشقني الأسهُمُ
و أنا أذودُ بدِرْعي
عَن صديق .. أعرفه،
قُمْتُ و رَشَقْتُ صديقي
بسَهْم..
نِمْت،
لم أُرْشَق من حينها.
3
أبديٌّ مابين نَجْمَتين
كَـوْن ينَام.
ظلامُ الفَضاء و ليْله الأبَيد!
Credo quia absurdum[1]
من يوقظ الفلك مِن إهليجه
النّعسان!
“لاشيءَ يُمكِنُ عَملَه..
ولاشيء يستحقّ العَمَل” [2]
أكَمةُ الأرض يحاصرها خوارُ بَقَرة
يشبهُ غرغرة حنجرةٌ في نزعها الأخير
.. تتضاءلُ غرقاً
في لُجّة المُحيط.
عند دَفتيّ الفَتْرة
نطفحُ سُأماً..
ثم ماذا بعدَ الخَيْر و الشّر!
قتلتنا لعنةُ الفترة.
4
صباحٌ خَوان عليهم..
أرفعُ سِتارَ نافذتي
تربّصتني سَماءٌ سَوْداء
لم تَصحو فيها نجمَةٌ واحِدَة!
ماتَت الشّمس..
ولم أمُت أنا!
يَنْفجرُ الفَرَاغ..
فَحْوىً من غَيْر ضَوْضاء،
أنحَلّ من ذاتيّ
قشورَ لاذاتي
أعَوّض تذمّري..
أمُـوتُ بِكُل طريقةٍ أعرفُها..
هكذا.. أفتَتِحُ قوانينَ البَدْء
لعِلْم الفُجاءة،
أزهدُ بجهلي ذُخْري المَديد،
لاشيءْ في نفسي الضّعيفة
ولا شيءَ في العالمِ الكَبير..،
غير مُرابطة الصّمت
و حَذَرٌ أبديٌّ كريه..
تفاقم الوقتُ وضلّ الطريق،
إنـّها روعةُ الخراب
وتهشّم الرّوح في تنّور الّروح..
هكَذا،
حتّمت عليّ الفَوْضى..
أن أحترفَ عُزْلة القُوطي.
5
عُدْتُ من السّفر الطّويل..
على الرّغم من أنني
لم أبرحَ المَكان:
يأتي صباحٌ
يستيقظ فيه شَيْءٌ
فلا تَغْرب الشّمس مِن بَعْده.
يأتي زَمَان،
لا يستعبدُ الوَصْف من بعدِه
بالكَلِمات..
ويسودُ الصّمت الرّهيب
العَظيمُ حينَها مَنْ يواري بَابَه
ويعتزل النّاس للأبَد..
ما أجمل العُزلة في السّجن.
يَأتي قَضَاءٌ،
يَقتلُ السّأمُ فيه عبادَ الله
و تموتُ المَعْرفة..
نُوارى أطلالَ عِلْم
قَدْ فَسَد.
يأتي صِراطٌ،
لتِسْع وتِسْعين امرأة
كل واحدةٍ عقدَت ضفيرتَها
بعُنُقِ الأُخْرى،
على نَحْر التّل يتسلقن..
ثم يتساقطن بسَكَينة.،
حزناً على مَوْت الصّبي الوَحيد
في القَبيلة.
6
حُلمي يَقَظةٌ و حَدْسي زُور،
و تهلكةٌ مرهونة تساومُ بجَسَدي
.. ملاذاً للنّكبة.
موجَتي،
لم تجد شاطئاً لَها
فارتَطَمت بإسفلتِ المُدُن
نَجْمَتي،
لم تجد سَماءً تضيءُ فيها
..فتخبّأت.
وذات وضُوءٍ،
مسَحْتُ عن قَدَمٍ
ونسيتُ الأخرى
“أفكلّما نحُل الغريب، وخفّ سريره
تمزقت الغرفة” [3]
7
كلّما حملقتَ في عقاربِ السّاعة،
يقفزُ عقربٌ.. ويلدغ جفْنيك..
عندَما تَرْهنك ساعةُ معْصمك
وتستنفدُك معنىً وحيداً لها:
لابد أنك تأخّرت..
أو بكّرت في كل شَيْءٍ تفعله!
لسْت سوى مَسْألة وقْتٍ
و اتفاقٌ بُرجوازي لا يتطلّبُ حضورَك!
أي ابْتذالٍ تواطأت عليه عقولُنا
لنُلدَغَ.. مابين عَقْربين.
“السعداء.. لا تدقّ ساعاتهم”
8
المدينَة، أفضلُ حالاتِ
الهَوَس البشريّ..
حيث قتلَتْنا الأصنام!
الشّعْرُ،
مالَم يتّفق عليه
ولايصلُح إلا طالحاً!
العُزْلة،
نجْمةٌ وحيدةٌ جداً
في علياء مَجْدها،
كبرياءُ البقاء وحيداً..
الأرْض،
لَها جَسَدي..
أما روحي
فلا سَمَاء تحبِسُها.
9
مُـدُنٌ تَخطّفتها مُدُنٌ،
والأقدارُ تحملُنا أياماً مؤجّلة
في أدنـَى الأرضِ
نَنبتُ.. قـَشَّ الرّعاع
أقْفرَ حَمْأة الشّمس..
و ظلالُنا..
ظلالُنا تحتالُ لقاءاتٍ
لعَنت وداعاتها
المتكرّرة..
ضوءٌ خَبيبٌ ضَعيفٌ..
عُزْلتي،
قُمْتُ لأكبس مفتاحَ الإنارة
..فانطفأت الغرفة.
10
عُتْمةُ المَكان
.. نهارٌ لظُلْمة الَقلْب.
أقاتلُ حياةً داخليّة
أخرى.. عنيفة
تختلفُ عن تلك القُشور
التي تتخبؤون وراءَها،
أعيشُ.. ألتصقُ بروحي
مع طمأنينةِ المَوْت،
مافوقي مِحْـنة
وما تحتي فتنةٌ
أنا مُفْشيها.
لايستحقُّ العَيْش سوى
الأطفال،
وأنا مَهْدورٌ.. لأجله
أستَجْدي أدنَى ثِقة
أبحثُ عن أضعفِ تأويل،
لكنني لا أقرأ
سوى أبجدية جحيم
ولا إشارة لأيّ هدَف..
أسقطُ
في المكَارثية العُظْمى،
انحلالٌ وجوديٌّ
يعزلني من كلّ شيْء
.. عُزْلةٌ،
لم يَعْرفها الجحيمُ يوماً
“نفسي حزينة حتى الموت..” [4]
إلى ربيعِ حَمَام
يهدّج زُرْقةَ السّماء،
ستَروني كل فَصْل
تذعُرني الأرضُ
و وجعُ الأسْنان.
11
“مولدٌ واتصالٌ ثم مَوت،
تلكَ هي كُلّ الحّقَائق
حين تُدَقُّ المَساميُر
في النّعوش” [5]
عن المَارقين..
عيونُهم الحَزينَة
تقهرهُم السّنون
وتمزّقهُم أجالٌ قَصِيرة
و الحياةُ..
على كُلّ حالٍ تَسير،
و تظلُّ كذلك
تُغرّر بكلّ جيل
وتواجُه كلّ فَرْد،
.. على كُلّ حالٍ تَسَير.
تلك القَوّةُ العِمْلاقة،
تسيرُ في صَمْت.
12
ينوسُ فيه الشّقاء
ليظفر بحُبور الأرض قاطِبةً
.. ينغمرُ العالَمُ في روحِه
أحاسيسَ فيـّاضة.
لم يَعْرف أنّه بُركان
إلاّ عندما فارَت حمَمُه!
ميّت من قام النّهار
ونام الليل كلّه،
كُتِبَ المَعْنى على الإنسَان
.. محكومٌ عليك
أن تهبَ بَدَنك عيدَ الأرْض..
أن ترتَجِل العُمْر كلّه
إرادَة خَيّرة..
تَشكُرُ رُغْمَ كلّ شيْء.
طوبَى للانهائيّ..
المَكْنون في صدرك.
13
كلما تخاذَلَ المنطقُ
وأفلسَت حِنْكته..
يمسُكُ الشّعرُ بزمام النوائبِ
ويسجّرُ تنّورَ القصيدةِ
وَهَجاً كونيّاً..
أهشّ بمِنْسأة الغواية!
تفرّج كُربتي،
آنسُ في فراديس جنتي الآن
وجحيمي بعدَ غَدٍ ،
ومابَيْن ذَلك
على حافّة الرّؤيا
أتضاعف تقديرات مُتجاوزة.
الشّعر،
أثملُ من نِسْيانٍ أثقلَه التّركيز
مزاجٌ كُلّـي لَهُ الأحياء والأموات
لهُ الكَوْن وحدة يسخّرها
فلا يشتهي شيئاً
سوى العُزلة.
مجازُ الّلحظة تستَهِلُّ ختامَها؛
على أن تَسْكبَ كلّ شَيْءٍ
فوقَ رؤوسِنا..
الصّيامُ عن الشعر،
أقذر وسائل التسلّط على الذات.
14
اليَــوْمُ
عروسُ الأرْض والسّماء.
عندَما أخرجُ هُناكَ مُهَرولاً
على العُشْب القَزحي
في بَنَفْسَجِ الغَسَقِ ،
وأشعُرُ بسَديم هذا الفَضاء
ينداحُ من بين كَتِفيّ
وتحت قميصي،
أسلّمُ روحي للمُرسَلاتِ
تَذْروني أسفارَ ابتهالات،
أتركُ لروحي أن تَتَنازلَ
عن كلِّ أحزانِها..
وتغْفِر كـلّ الآلام.
4 فبراير، 2007