هو الحبُّ يربَحُ من يَبْذُلُ
ويخسر في الحبِّ مَنْ يبخَلُ
ويسعد مَنْ بَابُه مشرَعٌ
لأحبابه، كلَّما أقبلوا
ويشقى به كلُّ مَنْ بابُه
أَمام أحبَّتِه مُقْفَلُ
هو الحبُّ يمنحنا راحةً
إلينا نسائمها تُقْبِلُ
يمدُّ إلينا الحبالَ التي
بها كلُّ منقطعٍ يُوصَلُ
ويرقى بأرواحنا طُهْرُه
فتسمو وتعلو ولا تنزِلُ
هو الحبُّ -يا مصرُ- إيقاعُه
جميلٌ وأنفاسُه أجمَلُ
بعيدُ المدى، مالَه آخرٌ
إذا سكن القلبَ أو أَوَّلُ
هو الصَّقْرُ في جوِّ أشواقنا
وفي روض أحلامنا البُلْبُلُ
هو الليلُ في بُعْدِ أحبابنا
وفي قُرْب أحبابنا المشعَلُ
أتيتكِ يا مصر في مهجتي
حنينٌ، وفي مقلتي جَدْوَلُ
وبين حناياي من حسرتي
على حال امتنا مرجل
أتيت، ترافقني قريتي
عَرَاءُ، بأزهارها تَرْفُلُ
ترفرف فوقي عصافيرها
ويُطربني شَدْوُها المُذْهِلُ
أمامي الحجازُ وأنوارُها
وتاريخها المشرقُ الأَمْثَلُ
وصحراء نجدٍ وواحاتها
وغيث الشموخ الذي يهطلُ
تزفُّ الرياض معي نخلَها
دليلاً على الحبِّ لا يُجْهَلُ
أتيتُكِ قافلتي أحرفي
وشعري حصاني الذي يَصْهَلُ
وليس مجيئي رحيلاً، وهل
إلى بيته ساكنٌ يَرْحَلُ
أيا مصرُ، تاريخنا حافلٌ
ونحن بتاريخنا نَحْفَلُ
ففسُطَاطُ عمروٍ له صورةٌ
حقيقتها فوقَ ما ننقلُ
وللأزهر الصَّرح إشراقةٌ
من الشمس أضواؤها تُصْقَلُ
وفي عين جالوتَ أعجوبةٌ
من النَّصر تُرْوَى ولا تُغْفَلُ
وفي خطِّ بَرْليْفَ ما دونه
جميعُ الأباطيل تُسْتَرْذَلُ
وربِّكِ -يا مصرُ- لولا أَسَىً
على أمتي نارُه تُشْعَلُ
ولولا جبال الهموم التي
على خافقي لم تَزَلْ تُثْقَلُ
ولولا الحروب وتجَّارُها
وليل جراحاتها الأَلْيَلُ
ولولا سياسات عصرٍ لها
رجالٌ تقول ولا تَفْعَلُ
لا سيقت نيلكِ من فرحتي
رحيقاً، به ماؤُه يُذْهَلُ
أيا مِصْرُ، مازال إيمانُنا
هو النَّبْعَ مِنْ فَيْضِه نَنْهَلُ
أخوَّتُنا لم تَزَلْ جدولاً
به كلُّ أوهامنا تُغْسَلُ
إذا كان للعصرِ ظَلْمَاؤُه
فأقمارُنا فيه لا تَأْفُلُ
وانْ كان للعصرِ بيداؤُه
فَزَمْزَمُنا فيه مسترسِلُ
أخي، في الكنانةِ، في خافقي
مكانُك مهما نَأَى المنزِلُ
أتيت وفي القلب من كعبتي
ربيعٌ ومن زمزمي مَنْهَلُ
وفي طيبةِ المصطفى روضةٌ
بها القلب عن غيرها يُشْغَلُ
ويبقى الفراغ الكبير الذي
بمسجدِ مَقْدِسِنا يكْمَلُ
تَواصُلُنا يا أخي شامخٌ
برغم الفواصلِ لا يُفْصَلُ
يؤلِّفنا منهجٌ واحدٌ
أتانا به المصطفى المُرْسَلُ