يا شذا المجد أينَ بغدادُ عنَّا
ما لها استسلمتْ لطول الفراقِ؟
ما لها سافرتْ وراء سرابٍ
ما سقاها إلا سمومَ النِّفاقِ؟
أين بغدادُناَ لماذا تلظَّى
بين أحشائها لهيبُ الشِّقاقِ؟
ولماذا أضلَّها الوَهْمُ حتّى
أسلمتْها يداه للإِخفاقِ؟
يا بقلبي تلكَ المَغاني أَراها
تتلوَّى من قَسْوةِ الإحراقِ
يا بقلبي وجهَ المروءاتِ أمسى
كالحاً من تسلُّطِ الفُسَّاقِ
يا بقلبي صوتَ الحقيقةِ لمَّا
ضاع منَّا في ضَجَّة الأبواقِ
يا شذا المجد عين بغدادَ تبكي
يا بقلبي مدامعَ الأحداقِ
آه يا دارة الرشيد رأينا
كيف تسطو قبيحةُ الأشداق
ورأينا الصِّراعَ بين طُغاةٍ
فيكِ لا يُؤمنون بالإشفاقِ
كَبُرَ الجرحُ يا حبيبةُ حتىَ
أصبح الدمعُ حائراً في المآقي
ما استطعْنا سيراً لأنَّا حُفاَة
ولأنَّ الرؤوسَ في إطراقِ
ولأنَّ الإعصارَ هَبَّ علينا
وبقاياَ الخيام دُوْنَ رِواَقِ
ولأنَّا عن نَبْعِنا قد شُغِلنا
بسراب المَجاهلِ الرَّقْراقِ
يا شذا المجدِ عينُ بغداد تبكي
وتعاني من شدَّةِ الإرهاقِ
أين راياتُ خالدٍ والمثنَّى
أينَ إشراقةُ الصَّباحِ العراقي؟
أين فَتْحُ الفتوحِ يومَ رسمنا
لخيول الإيمانِ دَرْبَ انطلاقِ؟
حين سُقْنا قوافلَ الخير سُقْنا
للبرايا مكارمَ الأخلاقِ
ومددْنا لهم جسورَ التَّآخي
وفتحنا منافذَ الآفاقِ
هكذا يا عراقُ واراكَ عنَّا
في وحولِ الرَّدَى جُنونُ الرِّفاقِ
فتحوا الباب للجراثيم حتَّى
صِرْتَ تَشكو من حَصْبَة ٍوحُمَاَقٍ
قدَّسوا الوهم وامتطوا كلَّ ظهر
غير ظهر الخشوعِ للخلاَّق
لكأني أرَى حلَبْجة تسقي
عطش الظُّلْمِ بالدَّمِ المُهْراقِ
هكذَا يا عراقُ صِرْتَ حبيب
بينَ باغٍ ومُلْحدٍ أَفَّاقِ
في خِضمِّ القصفِ العنيف رأينا
كيف تبدو حضارةُ الأَطباقِ
ورأينا حضارةَ القومِ عُنْفاً
تتلقَّى الأَرواحَ بالإِزْهاقِ
تَهْدم الدارَ تقتلُ الطفلَ ترمي
بشظايا أحقادها مَنْ تُلاقي
لمَّعَتْ وجهَها الدَّعاوىَ ولكنْ
مالها عند ربِّنا مِنْ خَلاَقِ
يا شذا المجد في عراقِ الأَماني
والمنايا والوَرْدِ والحُرَّاق
يا شذا المجد في عراق التَّجلِّي
والتَّخلّيِ والخِصْبِ والإملاقِ
طوَّقَتْ أمتي الحوادثُ حتّى
أصبحتْ تشتكي من الأطواقِ
ما يَئِسْناَ والله إناَّ لنرجو
فَرَجَ اللهِ بعدَ هذا الخِنَاقِ
ما يئسْناَ فإِنَّ طَعْم المآسي
في سبيل الرحمنِ حَلْوُ المذاقِ
سوف تفنى جَحافلُ الظُّلمِ مهما
أحكمتْ غُلَّها على الأَعناقِ
يدّعي المُدَّعونَ والحقُّ شَمْسٌ
تُلْجِمُ المُدَّعينَ بالإشْراقِ