كلُّ ما صاغَه خيالُ الظُّنونِ
يتهاوى أمَام فجرِ اليقينِ
لغةُ الفجرِ ذاتُ معنىً صحيحٍ
ولسانٍ طَــلْقٍ، ولفظٍ مبينِ
يتهاوى أمامها كلُّ ليل
سرمدي من العذاب المُهينِ
لغةٌ تمنح القلوبَ صفاءً
ونقاءً في عصرنا المفتونِ
ها هنا الفجرُ، ما يزال يُريني
كيف ينجو من الخِضَمِّ سَفيني
كيف أَلْقى بشائر الخيرِ، لمَّا
تتضاغى سِباع ذاتِ القرونِ
كيف نمضي وإنْ أُقيمتْ سدودٌ
من أكاذيب حاقــد وخؤون
ها هنا الفجرُ مشرقاً فاطمئنِّي
يا قلوباً، ويا عيونُ استبيني
ها هنا الفجر، فاقرؤوه كتاباً
سُطِّرتْ فيه ذكرياتُ الحنينِ
أيَّ فجر تعنــيه؟ كان سؤالاً
جارحاً من مواجعي وشجوني
من ربوع الإسراء للرُّعب فيها
قصصٌ سُطِّرتْ بحبر المَنُونِ
من بناتٍ محصَّــــناتٍ يتامى
لا تقولوا: مَنْ هُنَّ لا تَجرحوني
لا تقولوا: مَنْ هُنَّ، هُنَّ دموعٌ
ذرفتْها جفونُ عرضٍ مَصُونِ
كان قبلَ الغاراتِ عرضاً مصوناً
وهو اليومَ، وصْمةٌ في الجبينِ
أي فجرٍ تعنيه، كان سؤالاً
من عجوز تعيش عِيشَةَ هُونِ
من ثكالى وَلَجْن بابَ المآسي
شاحباتٍ يبكينَ فقد البنينِ
من صغارٍ في القدس ذاقوا وبالاً
ولهذا بِحُرْقةٍ سألوني:
أيَّ فجر تعنيه، والليلُ أعمى
مزَّق القَصْفُ فيه ثوبَ السُّكونِ؟
أيَّ فجرٍ تعنيه، هل هو فجرٌ
من ترانيم شعرك الموزونِ؟؟
من عباراتك الجميلة، إنَّا
لنراها بديعةَ التَّلحينِ؟
نحن يا شاعرَ التفاؤلِ نَحيا
مُنْذُ دهرٍ في ليلنا «الصهيوني»
كيف تشدو بالفجر والناسُ تشكو
من ظلام مُعَتَّــــقٍ بالأنينِ؟!
أي فجر رأيته؟ هل تناءَى
بك وعيٌ عن صرخة من سجينِ؟!
عن دموع الأيتام في كل أرضٍ
والثكالى ومُسْقِطاتِ الجنينِ؟!
عن قتيل في القدس من غير ذنبٍ
عمره في الشهور، قبل السنينِ؟!
عن بيوت الأفغان صارتْ ركاماً
أكْسَبَتْهُ الدماءُ حمرةَ طينِ؟!
عن ألوف المشردين الضحايا
يتمنون حَفْنَةً من طحينِ؟!
لغة الفجر عذبة غير أنَّا
لم نُمَتَّعْ بلحنها منذ حين
أيَّ فجر تعنيه، هل هو فجرٌ
لانتصارات ألْفِنا المليون؟!
أيَّ فجر تعنيه ؟ يا لسؤال
مرَّ كالسهم نحو قلبي الحزين؟!
هزَّني ذلك السؤال ، وكادتْ
حسرتي تحت وقعه تَجْتَويني
غيرَ أني نفضتُ وَهْمَ انكساري
حين لاحت أنواره تدعوني
إنه الفجر، كيف تنسون فجراً
ساطعَ النور، في الكتاب المبين؟!
في هُدَى الأنبياء من عهد نوح
وختاماً بالصادق المأمون؟
منذ أن عاش في حراء وحيداً
ثم نادى في أهله: دثروني
ثم أحيا القلوب بعدَ مواتٍ
وحماها من وسوسات اللعين
ها هنا الفجر، فاركضي يا قوافي
في ميادين لهفتي واتبعيني
وابعثي لحنك الجميل نداءً
من صميم الفؤاد، لا تَخْذُليني:
يابن أرض الهُدَى :أرى العصر يشكو
من دعاة التيئيس والتوهينِ
وأرى السَّامريَّ يصنع عجلاً
وينادي برأيه المأْفون
وأرى صَوْلةَ البُغاة علينا
روَّعتْنا في قُدسنا المحزون
وأرى فتنةً تلاحق أخرى
وجنوناً للحرب بعد جنون
وأرى القوة العظيمة صارتْ
آلةَ الموت في يد «التِّنينِ»
وأرى الوهم مُمْسِكاً بالنواصي
مُستخفّاً بكل عقل رزينِ
يا أبا متعب أرى الغربَ يرمي
بدعاوى ممهورة بالظنون
هم أراقوا دَمَ العدالة لمَّا
واجهوا أمتي بحقد دفين
أهدروا «دُرَّةَ» الصِّغار وصانوا
دَمَ سفاح قُدسنا «شارون»
رسموا العنف لوحةً لوَّنوها
بدماء الضعيف والمسكين
نسبوها زُوراً إلينا ولسنا
في يَسارٍ من أمرها أو يمين
عجباً، غيَّروا الحقائق حتى
منحوا للهزيل وصف السمين
ألبسونا الإرهاب ثوباً غريباً
ورمونا بكلِّ فعلٍ مَشينِ
أيكونُ الإرهابَ في صَدِّ باغٍ
مستبد وظالـــــم مُستهينِ؟؟
أيكونُ الإرهاب في نصر حقٍ
واحتكام إلى تعاليم دينِ؟!
إنها الحربُ أشعلوها، فماذا
يَصْنَع السيفُ في يدِ المستكين؟!
يا أبا متعب أرى الأرض عَطْشى
تطلب الماء من شحيح ضنين
تتلوَّى جوعاً على باب أفعى
ونريد الإنقاذ من حَيْزَبُونِ
لو أصَخْنا سمعاً إليها رهيفاً
لسمعنا نداءها: أنقذوني
أنقذوني من ظالم مستبد
لم تزلْ نارُ ظُلمه تُصْليني
أنقذوني من الفساد، تمادى
وسرى في النفوس كالطاعون
يا أبا متعب، هي الأرض تشكو
وتنادي يا قوم لا تتركوني
عندنا نحن أمنُها وهُداها
ولدينا وسائل التأمينِ
من حمى بيتنا الحرام انطلقنا
نُنقِذُ الناس من ظلام السجون
أنتَ أعلنتَها بياناً صريحاً
ما به حاجةٌ إلى تَبْييِن:
دينُنا الرُّوحُ لا نساومُ فيه
أو نُحابي به دُعاة الفُتون
نحن أهل القرآن منه ابتدأنا
ومضينا بنوره في يقين
وتلوناه للوجود، فأجرى
للقلوب الظماء أصفى مَعين
وسكنَّا من آيهِ في حصونٍ
شامخات الذُّرى وحرزٍ مكينِ
وفتحنا نوافذَ الكونِ حتى
صار سِفْراً لنا بديع الفنون
ورفعنا الأَذانَ حياً فتاقتْ
كلُّ نفسٍ إلى جميل اللُّحون
عندنا الكنزُ، كنزُ دين حنيفٍ
نحن أغنى بفضله المخزون
عندنا حكمة الشيوخِ، وفينا
همَّةٌ للشباب ذاتُ شؤون
إن خسرنا، والكنزُ فينا، فبُعداً
ثم بعداً لنا، ولا تعذلوني
يابنَ أرض الهُدى، عُلانا هُدانا
وهدانا هدى النبيِّ الأمينِ
أرضنا الواحة العظيمة تُدني
من يد المجتني ثمارَ الغصونِ
أرضنا للعباد صدرٌ حنونٌ
يا رعى اللهُ كلَّ صدرٍ حنونِ
نحن في هذه البلاد اتَّخذنا
منهجاً واضحاً منيعَ الحصونِ
ومددنا أواصر الحق فينا
واتصلنا منها بحبل متينِ
وسقينا بواسقَ النخل حباً
فسعدنا بطلعها الميمون
ومحالٌ أن يصبح التمر جمراً
ويكون الأصيل مثل الهجين
يا أخا الفهد، عصرنا لا يُبالي
بضعيف يحيا على التخمين
لا يبالي بأمة تتساقى
بكؤوس من الخضوع المَشين
عَصْرُنا عصرُ ذَرَّةٍ وفضاءٍ
واكتشاف المجهول والمكنون
فافتحوا الباب للشموخ فإنا
قد وَرِثنا بالدين وَعْيَ القرون
رَسَمَ الغربُ للحضارة وجهاً
دموياً مشـــوَّه التكوين
ملؤوا الأرض بالعلوم ولكن
أثخنوها بفسقهم والمجون
ورَسَمْنا وجهَ الحضارة طَلْقاً
ومدَدْنا لها ظلال الغصون
مُنْذُ فاضت بطحاء مكَّةَ بِشْرًا
وانتشى بالضياء «رِيْعُ الحُجون»
إن ضَعُفْنا في عصرنا فلأنَّا
قد ركنَّا للغرب أقسى رُكونِ
يابنَ أرضِ الهُدى سيرعى خُطانا
مَنْ رعى في محيطهِ « ذا النُّونِ»
إنما الأمرُ في يدِ اللهِ يُمضي
ما طوى علمُه بكافٍ ونونِ
دَعْوَةُ الكُفر تنتهي وستبقى
دعوةُ الحقِّ دعوةَ التمكينِ