شرح
منهج الصالحين
فتاوى
آية الله العظمى السيد الشهيد محمد الصدر
الجزء الأول
كتاب الاجتهاد والتقليد
سؤال وجواب
ميثم العقيلي


































































مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمـد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين, واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين. اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد, كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم, إنك حميد مجيد فعال لما تريد, وأنت على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآله في الأولين, وصل على محمد وآله في الآخرين, وصل على محمد وآله في المرسلين, وصل على محمد وآله في الملأ الأعلى. اللهم إني آمنت بمحمد ولم أره فلا تحرمني يوم الجنان رؤيته, واسقني من حوضه رياً هنيئاً سائغاً لا ضمأ بعده أبداً.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن المهدي, صلواتك عليه وعلى آبائه الطاهرين, في هذه الساعة وفي كل ساعة, ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً, حتى تسكنه في أرضك طوعاً, وتمتعه فيها طويلاً, برحمتك يا أرحم الراحمين.
لابد من الإشارة إلى أمور متعلقة بهذه الشروح بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى, فهنا أمور خمسة:
• الأمـر الأول: إن هذه الشروح عبارة عن محاولة يسيرة في سلسلة المحاولات الداعمة لـرفد عجلة العلوم عموماً وعلوم أهل البيت عليهم السلام على وجه خاص, ولما كان دأب طلبة العلوم الدينية في الحوزة العلمية الشريفة قائماً على التدرج في الكتب الدراسية وفقاً لمراحل ثلاث:
المرحلة الأولى: المقدمـات.
المرحلة الثانية: السطوح.
المرحلة الثالثة: بحث الخـارج.
ارتأينا أن نبدأ بشرح الكتب الدراسية المقررة والمعهودة في هذه المراحل كلاً بحسب مرحلته, حيث كانت نقطة الانطلاق في مرحلة المقدمات قبل حوالي عشر سنين تقريباً أو تحقيقاً عندما كتبنا سلسلة موسومة بـ(منهج المقدمات الحوزوي) لكن حالت الأحوال دون نشرها بالشكل المطلوب لما كنا نمر ولازلنا بظروف مريرة ليس هنا محل ذكرها وتحليلها. لذا فهذه السلسلة إتماماً لما بدأنا به وأسميناها بـ(منهج السطوح الحوزوي), وتليها بعونه سبحانه؛ (منهج البحث الخارج الحوزوي), ومجموع هذه السلاسل الثلاث:
1. منهج المقدمات الحوزوي.
2. منهج السطوح الحوزوي.
3. منهج البحث الخارج الحوزوي.
واقع في؛ (واسعة المنهج الحوزوي) التي تشمل جميع ما يحتاجه طالب العلم – أيده الله تعالى – في سيره العلمي التكاملي. وفيما يلي مهمات الكتب المختارة التي قمنا بشرحها باعتبار ترتيبها المتقدم:
السلسلة الأولى: منهج المقدمات الحوزوي: وفيها العلوم الآتية:
الأول: علم الفقه: ويندرج فيه:
1. كتاب: (الواضح في أحكام العبادات والمعاملات) مختص بشرح الرسالة العملية (الصراط القويم) طبقاً لفتاوى السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره.
2. كتاب (منهج الصالحين) طبقاً لفتاوى السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره.
الثاني: علم العقائد: وفيه كتاب: (أصول العقائد) مختص بشرح الأصول العقائدية. وكتاب (عقائد الامامية) للشيخ المظفر قدس سره.
الثالث: علم النحو: ويندرج فيه:
1. كتاب (أصول النحو) مختص بشرح الأصول النحوية.
2. كتاب (التحفة السنية).
3. كتاب (قطر الندى وبل الصدى).
4. كتاب المقدمات في شرح المنطق واللغة نحواً وصرفاً وبلاغةً.
الرابع: علم البلاغة: وفيه كتاب (جواهر البلاغة).
الخامس: علم المنطق: ويندرج فيه:
1. كتاب: (أصول المنطق) مختص بشرح الأصول المنطقية.
2. كتاب المنطق للشيخ المظفر قدس سره.
السادس: علم الفلسفة: وفيه كتاب: (أصول الفلسفة) مختص بشرح الأصول الفلسفية العامة والإسلامية.
السلسة الثانية: منهج السطوح الحوزوي: وفيها العلوم الآتية:
الأول: علم الفقه: ويندرج فيه:
1. اللمعة الدمشقية: وفيه شرح لكتاب؛ " اللمعة الدمشقية " للشهيد الأول قدس سره مختص في العبادات: " الطهارة, الصلاة, الزكاة, الخمس, الصوم, الاعتكاف, الحج " نضير كتاب مدارك الأحكام للعاملي قدس سره.
2. المكاسب: وفيه شرح لكتاب؛ " المكاسب " للشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره.
الثاني: علم أصول الفقه: ويندرج فيه:
1. الحلقات الثلاث: وفيه شرح لكتاب؛ " دروس في علم الأصول " للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره.
2. أصول المظفر: وفيه شرح لكتاب؛ " أصول الفقه " للشيخ محمد رضا المظفر.
3. كفاية الأصول: وفيه شرح لكتاب؛ " كفاية الأصول " للشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني قدس سره.
الثالث: علم النحو: وفيه كتاب (الألفية) لابن الناظم.
الرابع: علم البلاغة: وفيه كتاب المختصر للتفتازاني.
السلسة الثالثة: منهج البحث الخارج الحوزوي: وفيها علوم خمسة:
1. علم الفقه: وفيه دورة فقهية كاملة بحسب ترتيب كتب مختارة من بعض المتون المعتبرة حيث ابتدأنا بكتاب المكاسب المحرمة للشيخ الأنصاري ().
2. علم أصول الفقه: وفيه دورة أصولية كاملة بحسب ترتيب كتاب كفاية الأصول.
3. علم الكلام: وفيه دورة كلامية وعقائدية تتكفل البحث حول أمهات الأصول الاعتقادية.
4. علم التفسير: وفيه دورة تفسيرية تتكفل البحث عن آيات الأحكام الشرعية.
5. علم الرجال: وفيه دورة رجالية تتكفل البحث عن أحوال وتراجم الرجال الرواة بحسب ترتيب الروايات التي أوردناها في بحثنا الفقهي.
• الأمـر الثاني: أن هذه الشروح عبارة عن دروس قمنا بفضل الله سبحانه بتدريسها ثم صياغتها على شكل سؤال وجواب لما في هذه الطريقة من مميزات مع الالتفات إلى أن باقي الطرق – كما سيأتي – قد أدت دورها في هذا المضمار العلمي شكر الله ساعيها وأجزل مثوبتهم. ومميزات طريقة السؤال والجواب لا تخلو من ثلاث:
1. التوضيح: أي أنها الأكثر توضيحاً بالنسبة لطالب العلم الذي يواجه كماً من الشروح والحواشي المعقدة خصوصاً تلك التي سمتها البارزة الطابع الاستدلالي والخروج عن بيان المراد من عبائر المصنفين.
2. الاستيعاب: أي أنها الأكثر استيعاباً بالنسبة لطالب العلم الذي يواجه الشروح ذات الطابع التعليقي سواء كان المزجي منها أم الحواشي, فإنها على الرغم من قلتها العددية فهي قاصرة عن بيان نظم عبائر المصنفين.
3. الابتلاء: أي أنها الأكثر ابتلاءً بالنسبة لطالب العلم في زماننا المعاصر لكثرة ما يعانيه نتيجة خضوعه لاختبارات وامتحانات في حوزتنا العلمية الشريفة الغرض منها بطبيعة الحال شحذ همته وديمومة اشتغاله في طلب العلم.
• الأمـر الثالث: أن هذه الشروح عبارة عن هيئة مؤلفة من مستويين: أحدهما: راجع إلى شكل الشرح للكتاب المطلوب شرحه, والآخر: مضمون الشرح, فإذا عقدنا ما بين هذين المستويين أنتج لدينا عدة خطوات كفيلة في فهم ما هو مطروح في هذه الشروح, ومحصل هذه الخطوات ثلاثة:
الأولى: الأسلوب اللغوي: أي أن الأسلوب اللغوي في هذه الشروح واضح ووافي بالمعنى بالمقدار المناسب لما يتضمنه نفس العلم من جهة ما يحتويه من ألفاظ وأفكار, إذ من الضروري المحافظة على ألفاظ ومصطلحات وأفكار العلوم الحوزوية ليتسنى للطالب عدم الانقطاع بمراجع وشروح هذه العلوم, فتتكامل حينئذ المحاولات, ويحصل المطلوب.
الثانية: الصياغة: أن كيفية صياغة الأسئلة الواردة في هذه الشروح تعتمد على مراعاة التسلسل العلمي لمطالب الكتاب في النظم, بحيث جعلنا متن الكتاب ينظم على شكل سؤال ثم الإجابة عليه, وذلك من خلال حصره بين أقواس.
الثالثة: الإجابة: أن كيفية الإجابة على الأسئلة في هذه الشروح تعتمد على البدء بتقسيم الجواب إلى محاور أو أمور أو أحكام – كما في شرح أصول المظفر أو شرح اللمعة الدمشقية – أو تقسيم الجواب إلى مطالب – كما في شرح الحلقات الثلاث – أو تفسيم الجواب إلى جهات – كما في شرح المكاسب والكفاية – بحيث يحصل من العلم بها العلم بكلي الإجابة إجمالاً, ثم نذكر تفصيلاً لتلك المحاور أو الأمور أو الأحكام أو المطالب أو الجهات, فنذكر عادة عبارة: " وتفصيل الكلام يأتي تباعاً " أو غيرها مع الإشارة إلى ارتباط الأجوبة السابقة باللاحقة بحسب ما يقتضيه المقام فنذكر عادةً في مطلع كل جواب عبارة: " هذا شروع من المصنف أو الماتن ". ثم تلخيص ما تقدم أما على شكل " نتائج البحث " كما في أصول المظفر ج2 – أو بذكر بعض الألفاظ الدالة – كما في الحلقات الثلاث أو أصول المظفر ج1 أو اللمعة – على نهاية المطالب من قبيل: تحصل, وعموماً, أنتج لدينا.
• الأمر الرابع: لقد ألحقنا السلاسل المتقدمة في منهج الدراسة الحوزوية بجملة من الكتب التي من شأنها أن تساعد في رفع الثقافة العامة لطالب العلم, وأوسمناها بـ(ما وراء الخارج في كشف المخارج), ويندرج فيها:
1. الخطابة.
2. العرفان.
3. الاجتماع.
4. الاقتصاد.
5. السياسة.
6. التاريخ.
7. الأدعية والزيارات.
8. الأنساب.
• الأمر الخامس: أن المصادر المعتمدة في هذه السلسة التأليفية - على قلتها – من أمهات الكتب بالمقدار المتيسر والمتوفر بحيث يوجب الرجوع إليها الاطمئنان بالفهم والدقة بالنقل إلا ما يحصل بسبب النقصان والسهو وهو مما لابد منه, كيف ونحن من أهل الدنيا وأصحاب الغفلة نسأله تعالى الورع والاجتهاد والعفة والسداد.
ميثم العقيلي





































كتاب الإجتهاد والتقليد
[ مسألة 1] يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلداً، إلا أن يحصل له علم بالحكم لضرورة وغيرها. كما في بعض الواجبات، وكثير من المستحبات والمباحات.
سؤال: ما حكم العمل بالاجتهاد والتقليد ؟.
جواب : إن المكلف وهو الشخص العامي الذي ليس له علم أو قدرة على استخراج أو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية – الكتاب, السنة, العقل, الإجماع – يجب عليه أن يسلك طريق التقليد, وذلك بأن يرجع في أعماله في عباداته ومعاملاته وعادياته وسائر أفعاله وتروكه إلى الشخص العالم وهو المجتهد الذي له تلك القدرة على الاستخراج. وموضوع هذه الأعمال هو الأحكام الشرعية الصادرة من الشارع المقدس, سواء كانت تلك الأحكام تتوقف صحتها على نية التقرب إلى الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما, فتسمى بـ(العبادات), أم كانت تلك الأحكام معاملات لا تتوقف صحتها على نية التقرب إلى الله تعالى كالتجارة والأجارة وغيرهما, فتسمى بـ(المعاملات) .
نعم يستثنى من حكم وجوب التقليد على المكلف العامي أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية كما لو كانت تلك الأحكام الشرعية ضرورية الثبوت أو غير ضرورية كاليقينيات والمسلمات بحسب المستفاد من الأدلة الشرعية التي يكفي فيها الحجية اليقينية وليست التقليدية, ومثاله:
• الواجبات: كما في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد, وغيرهما.
• المستحبات: كما في استحباب صلاة النوافل اليومية, وغسل يوم الجمعة, وغيرهما.
• المباحات: كما في إباحة القيام, والجلوس, وغيرهما.
[مسألة 2] عمل العامي بلا تقليد باطل، لا يجوز له الاجتزاء به، إلا أن يعلم بمطابقته للواقع، أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل، مع حصول نية القربة منه في ما كان العمل عبادياً.
سؤال: ما حكم عمل العامي بلا تقليد ؟.
جواب : قد تبين من المسألة السابقة أن الشخص العامي يجب عليه التقليد ليحقق بذلك إحراز امتثال الأحكام الشرعية, ويترتب عليه في هذه المسألة أنه مَن ترك طريق التقليد فإننا نحكم على عمله بالبطلان, وذلك لمخالفة المكلف للحكم الشرعي وهو وجوب التقليد. إلا أنه يستثنى من هذا البطلان - أي يكون عمله صحيحاً وإن لم يكن مقلداً – موارد, ومنها موردان:
المورد الأول: أن يعلم بمطابقة عمل المكلف للواقع الذي عليه حكم ذلك العمل عند الله سبحانه وتعالى, سواء كان ذلك العمل الصادر من المكلف عبادياً أم غير عبادي.
المورد الثاني: أن يعلم بمطابقة عمل المكلف لفتوى المجتهد الذي كان حجة على المكلف تقليده حال عمل المكلف مع حصول نية القربة من المكلف فيما إذا كان العمل عبادياً كالطهارة والصلاة والصوم وغيرها.
[مسألة 3] الاحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل، والاختصاص بطريقي الاجتهاد والتقليد. لكن الاحتياط في بعض المسائل جائز، سواء اقتضى التكرار أم لا، لكن يلزم المكلف معرفة ما هو الاحوط شرعاً.
سؤال: ما طرق أداء التكليف ؟.
جواب : إن طرق أداء التكليف أو إحراز امتثال الأحكام الشرعية ثلاثة :
الأول: الاجتهاد.
الثاني: التقليد.
الثالث: الاحتياط.
ومعنى الطريق الثالث في اللغة من حوط حاطه يحوطه حوطاً, واحتاط الرجل أي أخذ بأوثق الوجوه, ومنه في الاصطلاح الشرعي فالاحتياط يعني إيجاد العمل أو التطبيق الذي ينتج اليقين بفراغ الذمة والخروج عن عهدة التكليف. إلا أن المصنف قدس قد استشكل في جعل الاحتياط كطريق لإحراز امتثال الأحكام الشرعية كبديل عن طريقي الاجتهاد والتقليد, والمقصود منه ذلك الاحتياط الكلي الذي يصدر من المكلف في جميع الأحكام الشرعية بمعنى انه كلما عرض تكليف للمكلف أخذ بأحوط الاحتمالات فيه, وهذا كما ترى يبدو مستحيلاً أو متعذراً وفيه عسر وحرج على المكلف. إلا أن هناك احتياطاً يجوز سلوكه من قبل المكلف فيما إذا كان جزئياً مرتبطاً ببعض المسائل الشرعية, سواء كان ذلك الاحتياط موجباً للتكرار أم لا, فهنا نحوان من الاحتياط:
الأول: الاحتياط الموجب للتكرار: وهو ما كان فراغ الذمة متوقفاً على تعدد العمل, ومثاله:
• الجمع بين القصر والتمام.
• الصلاة إلى الجهات الربعة فيما لو جهل القبلة.
الثاني: الاحتياط غير الموجب للتكرار: وهو ما كان فراغ الذمة لا يتوقف على تعدد العمل, ومثاله:
• لو احتمل المكلف وجوب شيء فأتى به.
• لو احتمل المكلف حرمة شيء فتركه.
[مسألة 4] التقليد هو العمل اعتماداً على فتوى المجتهد، سواء التزم المقلد بذلك في نفسه أم لم يلتزم.
سؤال: ما معنى التقليد ؟.
جواب : التقليد وهو الطريق الثاني مضافاً لطريقي الاجتهاد والاحتياط لإحراز امتثال الأحكام الشرعية, حيث أن التقليد في اللغة يأتي بمعنيين :
الأول: المشابهة في الصوت أو الفعل.
والثاني: المسؤولية في العمل.
والمعنى الأول نظري يكفي فيه مجرد النية أو العزم على الرجوع إلى المجتهد من دون عمل بينما المعنى الثاني عملي يشترط فيه مضافاً لهذه النية والعزم تطبيق فتوى المجتهد, وقد اختار المصنف قدس المعنى الثاني على عكس الاجتهاد الذي رجح فيه المعنى النظري على المعنى العملي بتفصيل آت. ثم إن معنى الاعتماد في التقليد أو التقليد العملي أو الاعتمادي هو معنى عرفي وهو الاستناد, أي أن يكون عمل المكلف مستنداً على رأي المجتهد, وهذا يعتمد على أن يحرز المكلف رأي المجتهد وأنه صادر منه ثم يستند في مقام العمل على ذلك الرأي.
[مسألة 5] الاجتهاد، هو ملكة الاستنباط. أو القدرة الراسخة على معرفة جميع الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، سواء مارس ذلك أم لا. والأعلمية، هي صفة من كان أقوى في الملكة، وأدق في النظر والاستدلال، ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك.
سؤال: ما المقصود بالاجتهاد ؟.
جواب : الاجتهاد وهو الطريق الأول مضافاً لطريقي التقليد والاحتياط لإحراز امتثال الحكام الشرعية, حيث أن الاجتهاد في اللغة له عدة معان منها معنيان :
الأول: الطاقة والوسع.
والثاني: الغاية.
والمعنى الأول عملي متوقف على العمل على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية كتاباً أو سنةً أو إجماعاً أو عقلاً بينما المعنى الثاني نظري متوقف على الملكة العقلية غير القابلة للزوال بحيث تكون سبباً لإعمال النظر في الأدلة التفصيلية لتحصيل الفتاوى في الأحكام الشرعية, وقد اختار المصنف قدس وفاقاً لمشهور الفقهاء المعنى الثاني سواء مارس المجتهد اجتهاده في المسائل أم لم يمارس.
ثم إن من شرائط الاجتهاد الأعلمية وهي أن يكون المجتهد متصفاً بعمق وقوة الملكة العقلية ودقة في النظر وسداد في الرأي من دون أن يكون لكثرة وسعة الإطلاع على المصادر البحثية في المناهج الدراسية الحوزوية دور في تشخيص الأعلم من المجتهدين على تفصيل آت في شرائط مرجع التقليد وكيفية ثبوت الاجتهاد والأعلمية .
[مسألة 6] يشترط فيمن تقلده ما يلي : أولاً : الإسلام. ثانياً : الإيمان. ثالثاً : العدالة. رابعاً : الذكورة. خامساً : طهارة المولد. سادساً : التكليف بمعنى أن يكون بالغاً عاقلاً. سابعاً : الحياة للتقليد ابتداءاً. ثامناً : الاجتهاد. تاسعاً : الاعلمية على الاحوط. عاشراً : عدم السفه وإضرابه من العيوب الذهنية والنفسية. ومع التساوي يتخير, والاحوط أن يعمل باحوط القولين.
سؤال: ما شرائط مرجع التقليد ؟.
شرح : هناك جملة من الضوابط والشرائط المعتبرة في مرجع التقليد, بمعنى أن المجتهد الذي يجب على العامي تقليده يجب أن يكون متصفاً بعدة صفات مأخوذة على نحو المجموع, فيجب اجتماع هذه الشرائط في الشخص المجتهد, فلو انتفى شرط من هذه الشرائط فلا يجوز تقليد ذلك الشخص. وهذه الشرائط عشرة :
الأول: الإسلام: أي أن يكون مرجع التقليد مسلماً يتشهد الشهادتين: شهادة التوحيد وهي أن لا إله إلا الله, وشهادة النبوة وهي أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلا يجوز تقليد من اعتقد بغير الدين الإسلامي من باقي الأديان سماويةً كانت أو أرضية فضلاً عن الكافر الذي أنكر هذه الأديان.
الثاني: الإيمان: أي أن يكون مرجع التقليد مؤمناً يعتقد بالشهادة الثالثة, وهي الولاية لأمير المؤمنين وأولاده المعصومين – الحسن بن علي المجتبى, الحسين بن علي الشهيد, علي بن الحسين السجاد, محمد بن علي الباقر, جعفر بن محمد الصادق, موسى بن جعفر الكاظم, علي بن موسى الرضا, محمد بن علي الجواد, علي بن محمد الهادي, الحسن بن علي العسكري, محمد بن الحسن المهدي - سلام الله عليهم أجمعين. فلا يجوز تقليد من اعتقد بغير المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري من باقي المذاهب الإسلامية.
الثالث: العدالة: أي أن يكون مرجع التقليد عادلاً ملتزماً بحسن السيرة والسلوك والاستقامة في تطبيق الأحكام الشرعية والفضائل الأخلاقية, فلا يجوز تقليد الفاسق الخارج عن حد الالتزام الشرعي والأخلاقي.
الرابع: الذكورة: أي أن يكون مرجع التقليد ذكراً, فلا يجوز تقليد الأنثى.
الخامس: طهارة المولد: أي أن يكون مرجع التقليد متولداً من علاقة شرعية بين الأبوين, فلا يجوز تقليد ابن الزنا المتولد من علاقة غير شرعية بين الأبوين.
السادس: التكليف: أي أن يكون مرجع التقليد بالغاً حد التكليف الشرعي وعاقلاً مدركاً للأمور, فلا يجوز تقليد غير البالغ والمجنون.
السابع: الحياة للتقليد ابتداءا: أي أن يكون مرجع التقليد حياً بالنسبة للشخص العامي الذي بلغ حد التكليف الشرعي وأراد أن يقلد, فلا يجوز تقليد الميت ابتداءا بالنسبة لذلك الشخص, وهذا ما يسمى بـ(التقليد الابتدائي) الذي يقابل ما يسمى بـ(التقليد البقائي), وهو أن المكلف يقلد المجتهد في حياته ويبقى على تقليده بعد وفاته على تفصيل آت.
الثامن: الاجتهاد: أي أن يكون مرجع التقليد مجتهداً متصفاً بالملكة العقلية والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية, فلا يجوز تقليد غير المجتهد.
التاسع: الاعلمية: أي أن يكون مرجع التقليد أعلم متصفاً بعمق وقوة الملكة العقلية ودقة في النظر وسداد في الرأي, فلا يجوز تقليد غير الأعلم وإن كان مجتهداً.
العاشر : عدم السفه وإضرابه من العيوب الذهنية والنفسية: أي أن يكون مرجع التقليد منضبطاً في تصرفاته وسلوكياته, فلا يجوز تقليد السفيه الذي يضع الشيء في غير موضعه الصحيح, كما لا يجوز تقليد المريض بأمراض ذهنية ونفسيه تخرجه عن حد الضبط المتعارف.
ثم إنه لو تساوى أكثر من شخص في هذه الشرائط بأن كان مسلماً مؤمناً عادلاً وغيرها, فإن وظيفة المكلف العامي في حالة التساوي هذه أحد احتمالين:
الأول: أن يتخير في تقليد أي شخص من الأشخاص الذين تحققت فيهم شرائط مرجع التقليد.
الثاني: أن يعمل بأوثق القولين فيختار قول المجتهد الموافق للاحتياط.
والاحتمال الثاني مبني على الاحتياط الاستحبابي الذي يجوز مخالفته.
[مسألة 7] إذا قلد مجتهدا فمات، جاز له البقاء على تقليده، فيما عمل به من المسائل. ويتعين عليه الرجوع في سائر الأحكام إلى الحي الجامع للشرائط، الذي قلده في جواز البقاء على تقليد الميت. ولكن البقاء المشار إليه هو الاحوط استحباباً، إذا كان الميت اعلم من الحي، أو كانت فتاواه اقرب إلى الاحتياط، أما إذا كان الحي اعلم أو كانت فتاواه احوط، فالاحوط وجوبا العدول إليه.
سؤال: ما حكم تقليد المجتهد الميت ؟.
جواب : إذا قلد المكلف مجتهداً فمات ذلك المجتهد, فإن حكم جواز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت فيه تفصيل بين حالتين :
الحالة الأولى : جواز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت فيما عمل به المكلف من المسائل في حياة ذلك المجتهد الميت. ويتعين على المكلف الرجوع في سائر الأحكام إلى المجتهد الحي الجامع للشرائط، الذي قلده في جواز البقاء على تقليد الميت. هذا فيما إذا تحقق شرطان :
الأول : أن يكون المجتهد الميت أعلم من المجتهد الحي.
الثاني : أن تكون فتاوى المجتهد الميت أقرب إلى الاحتياط من فتاوى المجتهد الحي.
الحالة الثانية : وجوب العدول عن تقليد المجتهد الميت إلى المجتهد الحي, هذا فيما إذا تحقق شرطان :
الأول : أن يكون المجتهد الحي أعلم من المجتهد الميت.
الثاني : أن تكون فتاوى المجتهد الحي أقرب إلى الاحتياط من فتاوى المجتهد الميت.
[مسألة 8] يصح التقليد من الصبي المميز. فإذا مات المجتهد الذي قلده الصبي قبل بلوغه، جاز له البقاء على تقليده.
سؤال: ما حكم تقليد الصبي المميز ؟.
جواب : يصح التقليد من الصبي المميز فيما إذا قلد مجتهداً, ومعنى الصبي المميز هو ذلك الفرد غير البالغ الحد الشرعي للتكليف والذي له القدرة على تمييز وإدراك الأمور. ويترتب على صحة تقليد الصبي المميز أنه إذا مات المجتهد الذي قلده الصبي قبل بلوغه فإنه يجوز للصبي المميز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت, ولا يجب على الصبي المميز العدول من تقليد المجتهد الميت إلى تقليد المجتهد الحي.
[مسألة 9] إذا اختلف المجتهدون بالفتوى، وجب الرجوع إلى الأعلم، ومع التساوي بالعلم يتخير. والاحوط أن يعمل باحوط القولين، ولا عبرة بكون أحدهما أعدل.
سؤال: ما حكم اختلاف المجتهدين في الفتوى ؟.
جواب : إذا اختلف المجتهدون بالفتوى بأن تعددت فتاواهم أو تعارضت في مسألة واحدة, وهو أمر صحي بحسب اختلاف مباني المجتهدين أصولية كانت أو فقهية, فإن حكم المكلف هو وجوب الرجوع إلى المجتهد الأعلم والأقدر على استنباط الأحكام الشرعية, بأن يبذل جهده وسعيه بالفحص على الأعلم وتشخيصه من بين المجتهدين المختلفين. ومع تساوي المجتهدين بالعلم, أو لم يتمكن المكلف من إحراز وجود الأعلم بين المجتهدين المختلفين, مع بقاء حالة الاختلاف بينهم بالفتوى, فإن حكم المكلف هو التخيير في تقليد أي واحد من المجتهدين والرجوع إليه في تلك المسألة التي وقع الاختلاف فيها بين المجتهدين. ولكن المصنف قدس احتاط بأن يجب على المكلف العمل باحوط القولين من بين أقوال المجتهدين المختلفين, من دون أن يكون لصفة الأعدلية - أي أن يكون المجتهد أكثر استقامة من غيره من المجتهدين - دخل في تعيين رجوع المكلف إليه في حالة اختلافهم بالفتوى.
[مسألة 10] إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر. فإن لم يعلم الاختلاف بالفتوى بينهما تخير. وإن علم الاختلاف، وجب الفحص عن الأعلم. ويحتاط وجوباً في مدة الفحص، وله أن يعمل خلالها بمَن كان مقلداً له قبل وفاته، ولو مع ثبوت كونه مفضولاً، فإن عجز عن معرفة الأعلم، فالاحوط وجوباً الأخذ باحوط القولين مع الإمكان، ومع عدمه يختار أحدهما، إلا إذا كان احتمال الاعلمية في إحداهما أكبر.
سؤال: ما حكم لو تعدد المجتهدين ؟.
جواب : هنا عدة حالات وشقوق, الأصل فيها أنه إذا تعدد المجتهدين, وكان من بينهم اثنان ينحصر فيهما الأعلمية, وكون أحدهما الأعلم المعين, فيدور أمر المكلف في الرجوع إلى أحد المجتهدَين الأعلم المعين, فهنا توجد حالتان للمكلف باعتبار علمه وعجزه عن معرفة المجتهد الأعلم:
الحالة الأولى: أن يكون المكلف عالماً وعارفاً بالمجتهد الأعلم من بين المجتهدين, فهنا شقان باعتبار علم المكلف وجهله بالاختلاف بالفتوى بين المجتهدَين:
الأول: إذا لم يعلم المكلف الاختلاف بالفتوى بين المجتهدَين, فإن حكم المكلف هنا هو التخيير في تقليد أيهما شاء.
الثاني: إذا علم المكلف الاختلاف بالفتوى بين المجتهدَين, فإن حكم المكلف هنا وجوب الفحص عن المجتهد الأعلم. وفي مدة الفحص هذه يتخير المكلف بين تكليفين:
أولهما: أن يعمل المكلف خلال مدة الفحص – بنحو الاحتياط الوجوبي - بالاحتياط.
وثانيهما: أن يعمل المكلف خلال مدة الفحص بفتاوى المجتهد الميت الذي كان قد قلده ذلك المكلف في حياة ذلك المجتهد الميت وقبل وفاته, حتى وإن كان ذلك المجتهد الميت متأخراً بالأفضلية عن المجتهد الحي الأعلم.
الحالة الثانية: أن يكون المكلف عاجزاً عن معرفة الأعلم من بين المجتهدَين، فهنا شقان بل ثلاثة باعتبار تمكن المكلف وقدرته على الأخذ بأقرب القولين إلى الاحتياط والخروج عن عهدة التكليف:
الأول: تمكن المكلف من الأخذ باحوط القولين, فهنا يتعين على المكلف – بنحو الاحتياط الوجوبي - الأخذ بأحوط القولين.
الثاني: عدم تمكن المكلف من الأخذ باحوط القولين, فهنا يختار المكلف في تقليد أحد المجتهدَين.
الثالث: عدم تمكن المكلف من الأخذ باحوط القولين ولكنه يحتمل أن يكون أحد المجتهدَين أعلم من الآخر, فهنا يتعين على المكلف تقليد محتمل الاعلمية.
[مسألة 11] إذا قلد من ليس أهلاً للفتوى، وجب العدول إلى من هو أهل لها. وكذا إذا قلد غير الأعلم, وجب العدول إلى الأعلم. وكذا لو قلد الأعلم ثم صار غيره اعلم.
سؤال: ما حكم تقليد من ليس أهلاً للمرجعية ؟.
جواب : توجد جملة من الصور يتعين فيها العدول في التقليد, بمعنى بطلان التقليد السابق وتعين الرجوع عنه إلى تقليد صحيح لاحق, ومن هذه الصور ثلاثة:
الصورة الأولى: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً ولكنه ليس أهلاً للفتوى، أي مَن ليس جائز التقليد, وذلك لفقد أحد شرائط مرجع التقليد المتقدمة والمتقومة فيها صحة التقليد, فهنا يجب على المكلف العدول في التقليد إلى المجتهد الذي له الأهلية للفتوى, أي ممَن يجوز للمكلف تقليده, وهو الشخص المستجمع لشرائط صحة التقليد.
الصورة الثانية: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً ولكنه غير الأعلم, فهنا يجب على المكلف العدول في التقليد إلى المجتهد الأعلم, وذلك لأن من شرائط مرجع التقليد هو الأعلمية, فيتعين الرجوع إلى المجتهد الأعلم.
الصورة الثالثة: إذا كان المكلف قد قلد المجتهد الأعلم ولكنه بعد ذلك صار غير ذلك المجتهد مجتهداً آخر أعلم من ذلك المجتهد الذي كان قد قلده المكلف, فهنا يجب على المكلف العدول في التقليد إلى المجتهد الآخر الأعلم.
قوله : [مسألة 12] إذا قلد مجتهداً ثم شك أنه جامع للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص. فان تبين له أنه جامع للشرائط بقي على تقليده. وان تبين انه فاقد لها عدل إلى غيره. وكذا إذا لم يتبين له، ما عدا شرط الأعلمية, فانه يقلد من كان الاحتمال فيه أرجح. وأما أعماله السابقة، فإن عرف كيفيتها رجع بالاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشرائط. وان لم يعرف كيفيتها بنى على الصحة.
سؤال: ما حكم تقليد المجتهد فيما لو شك في كونه جامعاً للشرائط ؟.
جواب : إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً وكان متيقناً من أنه جامع لشرائط صحة التقليد ولكنه بعد ذلك شك في كون ذلك المجتهد جامع للشرائط أم لا، فهنا يجب على المكلف أن يبذل جهده في التثبت والفحص عن مدى جامعية ذلك المجتهد للشرائط فيصح تقليده أو عدم كونه جامعاً للشرائط فلا يصح تقليده فيجب العدول عنه, فهنا احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول: إذا تبين للمكلف بعد مدة الفحص أن ذلك المجتهد جامع للشرائط, فهنا يجوز للمكلف البقاء على تقليد ذلك المجتهد الذي كان قد قلده قبل مدة الفحص, ولا يحتاج إلى تقليد جديد.
الاحتمال الثاني: إذا تبين للمكلف بعد مدة الفحص أن ذلك المجتهد غير جامع للشرائط, فهنا يجب على المكلف العدول في التقليد إلى مجتهد آخر غير الذي كان قد قلده قبل مدة الفحص.
الاحتمال الثالث: إذا لم يتبين للمكلف بعد مدة الفحص أن ذلك المجتهد جامع أو غير جامع للشرائط، فهنا يجب على المكلف العدول في التقليد إلى غير ذلك المجتهد. هذا في غير شرط الأعلمية من شرائط مرجع التقليد, فإن المكلف يرجع في تقليده إلى المجتهد الذي يحتمل احتمالاً راجحاً في كونه أعلم.
ثم إن أعمال المكلف السابقة بالنسبة إلى الاحتمالين الثاني والثالث التي كان قد عملها المكلف في تقليده السابق الذي حكمنا ببطلانه ففيها تفصيل باعتبار جواز الاجتزاء بها وعدمه:
أولهما: إذا كان المكلف عارفاً بكيفية أعماله السابقة, فهنا يجب على المكلف الرجوع بهذه الأعمال وعرضها على المجتهد الآخر الجامع للشرائط الذي عدل إليه المكلف في تقليده الجديد, فيدور أمر تلك الأعمال السابقة من حيث الصحة وجواز الاجتزاء بها وفقاً لمباني وفتاوى المجتهد الجامع للشرائط.
وثانيهما: إذا لم يكن المكلف عارفاً بكيفية أعماله السابقة, فهنا نحكم بصحة وجواز تلك الأعمال السابقة التي كان المكلف قد عملها في تقليده السابق من دون الرجوع فيها إلى أخذ الإذن بجواز الاجتزاء بها من قبل المجتهد الجامع للشرائط.
[مسألة 13] إذا بقي على تقليد الميت إهمالاً أو مسامحةً، من دون أن يقلد الحي في ذلك، كان كمن عمل من غير تقليد، وعليه الرجوع إلى الحي في ذلك.
سؤال: ما حكم البقاء على تقليد الميت إهمالاً أو مسامحة ؟.
جواب : البقاء على تقليد المجتهد الميت من قبل المكلف يجب أن يكون بالرجوع إلى المجتهد الحي الجامع للشرائط, ومعه فإذا بقي المكلف الذي كان قد قلد المجتهد الميت على تقليد المجتهد الميت إهمالاً أو مسامحةً منه, من دون أن يقلد المجتهد الحي في مسألة البقاء على تقليد الميت، كان حكم تقليد المكلف لذلك المجتهد الميت هو البطلان, وكان المكلف كمن عمل من غير تقليد، وعلى المكلف الرجوع إلى المجتهد الحي في جواز بقائه على تقليد المجتهد الميت أو عدم جواز بقائه على تقليد المجتهد الميت.
[مسألة 14] إذا قلد من لم يكن جامعاً للشرائط عمداً، بما فيه شرط الأعلمية ، كان كمن عمل من غير تقليد.
سؤال: ما حكم تقليد من ليس جامعاً لشرائط مرجع التقليد ؟.
جواب : إذا قلد المكلف مجتهداً ليس بجامع لشرائط صحة التقليد, وكان المكلف في تقليده هذا ملتفتاً ومتعمداً في تقليده, أي أنه يعلم بعدم جواز تقليد مجتهد ليس بجامع لشرائط صحة التقليد, بما فيه فقدان شرط الأعلمية في مرجع التقليد، فإن حكم تقليد المكلف هو البطلان, وكان المكلف كمن عمل من غير تقليد.
[مسألة 15] لا يجوز العدول من الحي إلى الميت، سواء كان قد قلده سابقاً أم لا. كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي، ما لم تحصل بعض الاستثناءات. فمنها : ما إذا صار الآخر أعلم. ومنها: ما إذا خرج مقلده عن العدالة. ومنها : ما إذا تدنى احدهما في العلم، كما لو أصبح شديد النسيان، دون أن يتقدم الآخر علمياً. ومنها : ما إذا كانا متساويين، فتخير أحدهما فصار الآخر أعلم.
سؤال: هل يجوز العدول من الحي إلى الميت, أو من الحي إلى الحي ؟.
جواب : توجد جملة من الصور يتعين فيها البقاء على التقليد وعدم جواز عدول المكلف في تقليده لمجتهد إلى مجتهد آخر, مع وجود بعض المستثنيات, فيجوز فيها عدول المكلف في تقليده إلى تقليد جديد, فهنا شكلان من صور مسألة جواز وعدم جواز العدول في التقليد:
الشكل الأول: صور عدم جواز العدول في التقليد: أي لا يجوز للمكلف العدول من تقليد مجتهد إلى مجتهد آخر, وفيها صورتان:
الصورة الأولى: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً حياً وأراد الرجوع عن تقليده إلى مجتهد ميت آخر, فهنا لا يجوز عدول المكلف من تقليد المجتهد الحي إلى المجتهد الميت, سواء كان المكلف قد قلد ذلك المجتهد الميت, أم لم يكن المكلف قد قلد ذلك المجتهد الميت.
الصورة الثانية: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً حياً وأراد الرجوع عن تقليده إلى مجتهد حي آخر, فهنا لا يجوز عدول المكلف من تقليد المجتهد الحي إلى المجتهد الحي.
الشكل الثاني: صور جواز العدول في التقليد: أي يجوز للمكلف العدول من تقليد مجتهد إلى مجتهد آخر, وفيها أربعة صور:
الأولى: إذا صار المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه أعلم من المجتهد الذي كان قد قلده, فهنا يجوز – بل يجب - للمكلف العدول في تقليده إلى المجتهد الأعلم.
الثانية: إذا فقد المجتهد الذي كان قد قلده المكلف شرطية العدالة في مرجع التقليد, فهنا يجوز – بل يجب – على المكلف العدول في تقليده إلى المجتهد العادل.
الثالثة: إذا أصبح المجتهد الذي كان قد قلده المكلف متدنياً في الدرجة أو الرتبة العلمية لعروض بعض الأسباب, كما في سببية شديد النسيان، وكان المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه محافظاً على علميته من دون أن يتقدم علمياً, فهنا يجوز للمكلف العدول في تقليده إلى المجتهد المحافظ على علميته.
الرابعة: إذا كان المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه مساوياً في شرائط مرجع التقليد للمجتهد الذي كان قد قلده المكلف, فهنا يثبت للمكلف التخيير في تقليده, فله أن يقلد من يشاء, ولكن المجتهد الآخر أصبح أعلم من المجتهد الأول, فهنا يجوز – بل يجب – على المكلف تقليد المجتهد الآخر الأعلم.
[مسألة 16] إذا تردد المجتهد بالفتوى، أو عدل من الفتوى، إلى التردد، فالاحوط هو العمل بالاحتياط.
سؤال: ما حكم تردد المجتهد بالفتوى, أو عدوله من الفتوى إلى التردد ؟.
شرح : هناك جملة من الأمور التي يواجهها المجتهد أثناء بحثه في أدلة المسائل الشرعية تؤدي به في بعض من الأحيان إلى سلوك أحد مسلكين:
أولهما: التردد بالفتوى.
وثانيهما: العدول من الفتوى.
وهذان المسلكان مؤداهما أن المجتهد أثناء إمعان نظره في أدلة المسائل الشرعية قد لا يصل في كثير من المسائل إلى نتيجة جزمية؛ إما لعدم وجود دليل عليها أصلاً, أو لوجود دليل ولكن هذا الدليل لم يصل لدرجة التمامية والقطعية في نظره, أو كون الدليل تاماً وقاطعاً ولكن المجتهد وجد بعد ذلك عدم تمامية وقطعية الدليل في نظره. فيتحصل من ذلك تردد المجتهد في الفتوى أو عدوله من الفتوى إلى التوقف عن الفتوى. وقد يعبر الفقهاء عن هذين المسلكين في رسائلهم العملية بعدة تعابير, منها: (تأمل, إشكال, الاحتياط, الاحوط, الاحوط وجوباً, الاحوط استحباباً, الاحوط لزوماً). ومعه فلابد للمكلف من سلوك طريق الاحتياط المقتضي للخروج عن عهدة التكليف, والعمل على ما قال به مرجعه, ولا يعدل في تلك المسائل إلى غير مرجعه, ما لم يأمره مرجعه بالرجوع إلى من يفتي في تلك المسائل من دون تردد أو توقف.
[مسألة 17] إذا قلد مجتهداً يجوز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة. بل يجب الرجوع إلى الأعلم من الأحياء. وإذا قلد مجتهداً فمات، فقلد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي أو بوجوبه فعدل إليه، ثم مات فقلد من يقول: بوجوب البقاء، وجب عليه البقاء على تقليد الثاني من الثلاثة.
سؤال: ما حكم من قلد مجتهداً يجوز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد ؟.
جواب : إذا قلد المكلف مجتهداً يقول بجواز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد، فهنا لا يجوز للمكلف البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت القائل بجواز العدول في هذه المسألة. بل يجب على المكلف الرجوع إلى المجتهد الحي الأعلم. ثم إذا قلد المكلف ثلاثة من المجتهدين:
الأول: إذا قلد المكلف مجتهداً فمات ذلك المجتهد.
والثاني: إذا قلد مجتهداً حياً يقول بجواز العدول إلى الحي أو بوجوبه، ثم مات هذا المجتهد.
والثالث: إذا قلد مجتهداً حياً يقول بوجوب البقاء.
فهنا حكم المكلف وجوب البقاء على تقليد المجتهد الثاني من الثلاثة.
[مسألة 18] إذا قلد المجتهد وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد، فعدل إلى المجتهد الحي، فهل يجب عليه إعادة الأعمال الماضية مع وجود الخلاف بينهما ؟. فيه تفصيل: فان كان الميت هو الأعلم، لم يجب شيء من القضاء والإعادة. وان كان الحي اعلم، وكان المكلف قد قلد غير الأعلم غفلة، وجبت عليه الإعادة في الوقت. وأما القضاء فان كان الإخلال بالجزء جهلا موجبا للبطلان وجب, وإلا فلا.
سؤال: ما حكم من قلد المجتهد وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد، فعدل إلى المجتهد الحي ؟.
جواب : إذا قلد المكلف مجتهداً وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد، فعدل المكلف في تقليده إلى المجتهد الحي، فهل يجب على المكلف القضاء أو إعادة الأعمال السابقة مع وجود الخلاف بين المجتهدَين أو لا ؟.
وجوابه : فيه تفصيل بين نحوين:
الأول: إن كان المجتهد الميت أعلم من المجتهد الحي، فهنا لم يجب شيء من القضاء والإعادة.
والثاني: إن كان المجتهد الحي اعلم من المجتهد الميت، وكان المكلف قد قلد غير الأعلم غفلة، فهنا وجبت على المكلف الإعادة في الوقت. وأما القضاء ففيه تفصيل؛ بين كون الإخلال بالجزء جهلاً موجباً للبطلان, فهنا وجب على المكلف القضاء. وبين كون الإخلال بالجزء جهلاً غير موجب للبطلان, فهنا لا يجب على المكلف القضاء.
[مسألة 19] يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها. ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. ولا يلزم العلم تفصيلا بذلك. وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها،جاز له العمل على بعض الاحتمالات لرجاء المطلوبية، والاحوط أن يختار أرجح الاحتمالات في نظره، فان تبين له بعد ذلك صحة العمل أجتزأ به, وكذا إذا لم يتبين له شيء. وإذا تبين له البطلان أعادة.
سؤال: هل يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها ؟.
جواب : يجب على المكلف تعلم الأحكام الشرعية الخاصة بأجزاء العبادات الواجبة وشرائطها. وذلك من باب إيجاب المقدمة لوجوب ذيها, والمقدمة في المقام هي العلم بالأحكام الشرعية من أجل امتثالها, وهذا العلم يكفي فيه العلم الإجمالي وليس العلم التفصيلي, ومعنى العلم الإجمالي هو أن يعلم المكلف إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. وأما إذا عرضت للمكلف مسألة في أثناء العبادة وهو لا يعرف حكمها، فهنا جاز للمكلف العمل على بعض الاحتمالات لرجاء أن تكون مطلوبة لله تعالى. ولكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي أن يختار المكلف أرجح الاحتمالات في نظره، مع ملاحظة ما بعد العمل من نتائج, ومنها:
الأولى: أن يتبين للمكلف بعد ذلك صحة العمل.
والثانية: أن لم يتبين للمكلف بعد ذلك صحة أو بطلان العمل.
والثالثة: أن يتبين للمكلف بطلان العمل.
ففي النتيجة الأولى والثانية يجتزأ المكلف بذلك العمل, بينما في النتيجة الثالثة يجب على المكلف إعادة العمل.
[مسألة 20] يجب تعلم مسائل الشك والسهو التي هي في معرض ابتلائه الشخصي، وأما غيرها مما هو محل الابتلاء نوعاً، فلا يجب، وخاصة فيما إذا كان مظنون العدم أو نادراً.
سؤال: هل يجب تعلم مسائل الشك والسهو التي هي في معرض ابتلاء المكلف الشخصي ؟.
شرح : تنقسم المسائل الشرعية الفقهية من حيث الابتلاء بها من قبل المكلف شخصاً أو نوعاً إلى قسمين:
القسم الأول: المسائل الشرعية الفقهية الابتلائية الشخصية: وهي تلك المسائل التي تقع في معرض ابتلاء المكلف في جميع أبواب الفقه, بمعنى كثيراً ما يتعرض المكلف لفعلها أفعالاً كانت أو تروكاً. ومثالها:
• مسائل الشك والسهو في كتاب الصلاة.
• مسائل المطهرات والنجاسات في كتاب الطهارة.
• مسائل البيع والشراء في كتاب البيع.
وحكم هذا القسم من المسائل الشرعية هو وجوب تعلمها من قبل المكلف, وذلك لكثرة ابتلاء المكلف بها, فيتعين عليه إيجاد المقدمة للخروج من عهدتها, والمقدمة في المقام هو العلم بحقيقتها ومعرفة حيثياتها الموجبة لتحصيل الإتيان بها على الوجه المطلوب عند الله سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: المسائل الشرعية الفقهية الابتلائية النوعية: وهي تلك المسائل التي تقع في معرض ابتلاء المكلف في بعض أبواب الفقه, بمعنى قليلاً ما يتعرض المكلف لفعلها أفعالاً كانت أو تروكاً. ومثالها:
• مسائل المفطرات في كتاب الصوم.
• مسائل الإحرام والطواف في كتاب الحج.
• مسائل خمس فاضل المؤونة وأرباح المكاسب في كتاب الخمس.
وحكم هذا القسم من المسائل الشرعية الابتلائية هو عدم وجوب تعلمها من قبل المكلف, خصوصاً تلك المسائل مظنونة العدم أو نادرة الوقوع, ومثالها:
• مسائل الرق والعبيد.
• مسائل الحدود والتعزيرات.
[مسألة 21] تثبت عدالة مرجع التقليد بأمور : الأول : العلم, الحاصل بالاختبار أو بغيره. ويراد بالعلم ما يعم الاطمئنان، بل والوثوق أيضاً. الثاني : شهادة عدلين بها. الثالث : شهادة العدل الواحد أو الثقة، مع حصول الوثوق الشخصي بقوله. الرابع : حسن الظاهر. والمراد به، حسن المعاشرة والسلوك الديني، بحيث لو سال غيره عن حاله، لقال لم نر منه إلا خيراً.
سؤال: كيف تثبت عدالة مرجع التقليد ؟.
جواب : من الشرائط المعتبرة في مرجع التقليد هو شرطية العدالة, بمعنى أن يكون مرجع التقليد عادلاً, وهذا الشرط المعتبر عنوان وصفي يحتاج إلى إثبات وتحقق خارجي, ومن هذه الإثباتات المحققة لعنوان كون المجتهد عادلاً أمور أربعة:
الأول: العلم: وهو أن يحصل للمكلف علماً وجدانياً بعدالة مرجعه, ويحصل هذا العلم تارة باختبار المكلف لمرجعه, وأخرى بغير الاختبار كما لو قامت قرائن خارجية على ثبوت العدالة. كما أن المقصود من العلم في المقام معنى أعم يشمل الاطمئنان، والوثوق.
الثاني: شهادة عدلين: وهو أن يقوم المكلف بالبحث عن بينة شرعية تشهد بعدالة مرجع التقليد, وهي أن يشهد عند المكلف شاهدان عادلان يشهدان ويقران بعدالة ذلك المرجع.
الثالث: شهادة العدل الواحد أو الثقة: وهو أن يقوم المكلف بنفس ما تقدم في الأمر السابق ولكن يكفي في هذه البينة أن يشهد عند المكلف شاهد عادل واحد, أو شاهد ثقة واحد، ولكن يشرط في شهادة العدل أو الثقة هو أن يحصل عند المكلف وثوقاً شخصياً بقول ذلك الشاهد.
الرابع: حسن الظاهر: وهو أن يكون مرجع التقليد ذا سمعة اجتماعية ودينية طيبة وحسنة تدل على استقامة سلوكيات ذلك المرجع, واعتدال تصرفاته من الناحية الاجتماعية والدينية, ويكفي في تحقق هذه السمعة الحسنة أنه لو قام المكلف بسؤال غير مرجعه عن حالة المرجع, لأجاب المسؤول: (لم نر من ذلك المرجع إلا خيراً وصلاحاً).
[مسألة 22] يثبت الاجتهاد والاعلمية أيضاً، بالعلم، والاطمئنان، والوثوق، والبينة، وبخبر الثقة أو العدل، مع حصول الوثوق الشخصي بقوله.
سؤال: كيف يثبت اجتهاد وأعلمية مرجع التقليد ؟.
جواب : من الشرائط المعتبرة في مرجع التقليد هو شرطية الاجتهاد والاعلمية, بمعنى أن يكون مرجع التقليد مجتهداً وأعلم, وهذان الشرطان المعتبران عنوانان وصفيان كشرطية العدالة المتقدم يحتاجان إلى إثبات وتحقق خارجي, ومن هذه الإثباتات المحققة لعنوان كون مرجع التقليد مجتهداً أعلم أمرين:
الأمر الأول: العلم: وهو أن يحصل للمكلف علماً باجتهاد وأعلمية مرجعه, ويحصل هذا العلم تارة باختبار المكلف لمرجعه, وأخرى بغير الاختبار كما لو قامت قرائن خارجية على ثبوت الاجتهاد والأعلمية. كما أن المقصود من العلم في المقام معنى أعم يشمل الاطمئنان، والوثوق.
الأمر الثاني: البينة: وهو أن يقوم المكلف بالبحث عن بينة شرعية تشهد باجتهاد وأعلمية مرجع التقليد, وهي أن يشهد عند المكلف إما شاهدان عادلان, أو شاهد عادل واحد, أو شاهد ثقة واحد، ولكن يشرط في شهادة العدل أو الثقة هو أن يحصل عند المكلف وثوقاً شخصياً بقول ذلك الشاهد. هذا مع الالتفات إلى أن شهادة الشاهد في المقام ينبغي أن تكون مشروطة بكون الشاهد من أهل الخبرة والفضيلة في داخل الوسط العلمي الحوزوي, ممن تكون لهم الأهلية في تشخيص المجتهد الأعلم من بين المجتهدين المتصدين لمهام المرجعية في التقليد.
[مسألة 23] من ليس أهلاً للمرجعية في التقليد، يحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها. كما أن من ليس أهلاً للقضاء، يحرم عليه القضاء، ولا يجوز الترافع إليه ولا الشهادة عنده. والمال المأخوذ بحكمه حرام، وان كان الأخذ محقاً، إلا إذا انحصر استنقاذ الحق المعلوم بالترافع إليه.
سؤال: هل يجوز الفتوى أو القضاء لمن ليس أهلاً للمرجعية والقضاء ؟.
جواب : إن هناك جملة من الأحكام والصلاحيات التي تثبت للمجتهد بحسب المستفاد من الأدلة الشرعية, ومن هذه الصلاحيات ثلاثة:
الأول: الإفتاء: وهي أن يعطي المجتهد رأيه في المسائل الشرعية.
والثاني: الحكومة: وهي أن يحكم المجتهد في موارد الخصومة والترافع في القضاء.
والثالث: الولاية: وهي أن تكون هناك للمجتهد سلطة في موارد عامة أو مخصوصة.
وفي هذه المسألة يترتب على صلاحيتي الإفتاء والحكومة أثران:
الأثر الأول: الإفتاء: أي يترتب على صلاحية الإفتاء حرمة الفتوى على المجتهد إذا كان ليس أهلاً للمرجعية في التقليد, بمعنى أن يفتي الناس بقصد عمل غيره بفتواه.
الأثر الثاني: الحكومة: أي يترتب على صلاحية القضاء حرمة القضاء على المجتهد إذا كان ليس أهلاً للقضاء، بمعنى عدم جواز الترافع إليه, ولا الشهادة عنده, والمال المأخوذ بحكم هذا القاضي حرام، وان كان الآخذ محقاً في دعواه. نعم يستثنى من جواز الترافع عند هذا القاضي الذي هو ليس أهلاً للقضاء فيما إذا انحصر استنقاذ الحق المعلوم بالترافع إليه, ولكن هذا الاستثناء يرفع الحرمة من جانب المترافعين, وليس من جانب القاضي, فتبقى الحرمة متعلقة بالقاضي وليس بالمترافعين.
[مسألة 24] إذا كان مجتهداً غير عادل، أو غير اعلم، أو غير ذكر، أو غير بالغ، جاز له العمل بفتواه لنفسه، ولم يجز له تقليد الآخر، وان كان اعلم. نعم، الاحوط له العمل بالاحتياط في بعض المسائل.
سؤال: هل يجوز للمجتهد العمل بفتواه فيما لو فقد شرائط مرجع التقليد غير الاجتهاد ؟.
جواب : إذا كان مرجع التقليد متصفاً بصفة الاجتهاد ولكنه غير مستوفِ لباقي شرائط مرجع التقليد, ومنها:
أولاً: العدالة: أي أن يكون مرجع التقليد غير عادل.
وثانياً: الاعلمية: أي أن يكون مرجع التقليد غير أعلم.
وثالثاً: الذكورية: أي أن يكون مرجع التقليد إمرأة.
فهنا جاز لذلك المجتهد العمل بما يقتضيه اتصافه بصفة الاجتهاد من دون سائر الصفات المتقدمة, حيث يكون مقتضى كونه مجتهداً أن يعمل ذلك المجتهد بفتواه لنفسه، ولم يجز له تقليد مجتهد آخر، وان كان ذلك المجتهد الآخر أعلم منه. نعم مقتضى الاحتياط الاستحبابي لذلك المجتهد العمل بالاحتياط في بعض المسائل.
[مسألة 25] الظاهر أن المتجزئ يجوز له العمل بفتوى نفسه. بل إذا عرف مقدارا معتدا به من الأحكام، جاز لغيره العمل بفتواه، إذا كان اعلم بتلك المسألة. وينفذ قضاء المتجزئ أيضاً فيما هو مجتهد فيه، ولو مع وجود الأعلم.
سؤال: ما المقصود بالمجتهد المتجزي مبيناً أحكامه ؟.
شرح : ينقسم الاجتهاد باعتبار إطلاقه وتجزئه إلى قسمين:
القسم الأول: الاجتهاد المطلق: وهو أن يكون المجتهد قادراً على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية – الكتاب, السنة, الإجماع, العقل - في جميع أبواب الفقه, ويسمى المجتهد بـ(المجتهد المطلق).
القسم الثاني: الاجتهاد المتجزئ: وهو أن يكون المجتهد قادراً على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية – الكتاب, السنة, الإجماع, العقل - في بعض أبواب الفقه, ويسمى المجتهد بـ(المجتهد المتجزئ).
ثم إننا استعرضنا فيما سبق صلاحيات المجتهد الثلاثة: (الإفتاء, الحكومة, الولاية), وفي المقام أن صلاحيتي الإفتاء والحكومة تثبت للمجتهد مطلقاً كان أو متجزئاً, وإن كانا يختلفان سعةً وضيقاً؛ أما المجتهد المطلق فتثبت له الصلاحيتان المتقدمة بقول مطلق, وأما المجتهد المتجزئ فتثبت له صلاحية الإفتاء بمعنى الفتوى في التقليد, فيجوز له العمل بفتوى نفسه. كما يجوز للمكلف تقليد المجتهد المتجزئ فيما إذا كان المجتهد المتجزئ عارفاً بمقدار معتد به من الأحكام الشرعية, وكان المجتهد المتجزئ أعلم بتلك المسألة. وأما صلاحية الحكومة فهي بمعنى القضاء في الدعاوى والمخاصمات, أي نفوذ قضاء المجتهد المتجزئ فيما هو مجتهد فيه من الأحكام التي يتم الترافع فيها بين المترافعين، ولو مع وجود مجتهد آخر أعلم.
[مسألة 26] إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، جاز البقاء على تقليده, إلى أن يتبين الحال.
سؤال: ما حكم من شك في عروض ما يوجب عدم جواز تقليد مرجع التقليد ؟.
جواب : إذا حصل للمكلف شك في جواز البقاء على تقليده للمجتهد الذي يقلده فعلاً, فهناك مجموعة من الحالات التي يجوز فيها بقاء المكلف على تقليده لذلك المجتهد ما لم يحصل خلاف هذه الأحوال, فيجب على المكلف العدول في تقليده الفعلي إلى تقليد جديد, ومن هذه الحالات :
الأولى: إذا شك المكلف بموت المجتهد.
الثانية: إذا شك المكلف في تبدل رأي المجتهد.
الثالثة: إذا شك المكلف في عروض ما يوجب عدم جواز تقليد المجتهد.
[مسألة 27] الوكيل في عمل، يعمل بمقتضى تقليد موكله، لا تقليد نفسه. وكذلك الحكم في الوصي.
سؤال: ما حكم عمل الموكل أو الوصي ؟.
جواب : إن الوكيل في عمل عن الغير، وكذلك الوصي في عمل عن الموصي لابد لكل منهما أن يعملان بمقتضى تقليد كل من الموكل في الوكالة بالنسبة للوكيل, والموصي في الوصاية بالنسبة للوصي, لأن العمل لابد أن يكون صحيحاً فيما إذا كان بنظر نفس الموكل والموصي, وليس بنظر نفس الوكيل والوصي, فيكون المقتضي للإتيان بالعمل الموكل إليه, أو العمل الموصى به هو إتيانه وفقاً لتقليد الموكول وليس تقليد الوكيل, وكذلك وفقاً لتقليد الموصي وليس تقليد الوصي.
[مسألة 28] المأذون والوكيل عن المجتهد ينعزل بموت المجتهد، سواء كان وكيلاً عاماً أم خاصاً، كالتوكيل في بعض الأوقاف، أو في أموال القاصرين.
سؤال: ما حكم عمل المأذون والوكيل عن المجتهد في حال موت المجتهد ؟.
جواب : إذا مات المجتهد وكان لديه جماعة من المأذونين والوكلاء ممن أعطاهم صلاحيات وأحقية في التصرف, فإن المأذون والوكيل عن المجتهد ينعزلان بمجرد موت المجتهد، سواء كان الوكيل وكيلاً عاماً عن المجتهد, أم كان وكيلاً خاصاً عن المجتهد. وأمثلة ذلك:
• التوكيل في بعض الأوقاف.
• التوكيل في أموال القاصرين.
فإن كلاً من التوكيلين مضافاً لعموميتهما أو خصوصيتهما بالنسبة للوكيل فإن التصرف في الأوقاف أو أموال القاصرين من باب صلاحية الولاية والسلطة التي يتمتع بها الحاكم الشرعي, والتي سبق وأن تعرضنا إليها. ومع انعزال المأذون والوكيل بموت المجتهد فلابد لهما من مراجعة المجتهد الحي في ممارسة الحق في التصرفات اللاحقة بعد موت المجتهد الذي أجاز لهما التصرف.
قوله: [مسألة 29] حكم الحاكم الجامع للشرائط، لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر، حتى مع العلم بمخالفته للواقع، إذا كان بنحو الولاية، أو الحكم القضائي. أما الفتوى فمنوطة بعدم العلم بمخالفة الواقع.
سؤال: هل يجوز نقض حكم الحاكم الجامع للشرائط ؟.
جواب : قلنا فيما سبق أن للمجتهد الجامع لشرائط مرجع التقليد تثبت له صلاحيات بحسب المستفاد من الأدلة الشرعية, ومن هذه الصلاحيات؛ الحكومة, والفتوى. فإذا حكم الحاكم الشرعي أو أفتى فهل يجوز نقض هذا الحكم أو الفتوى أو لا ؟.
وجوابه: لا يجوز نقض حكم الحاكم الجامع لشرائط مرجع التقليد إذا كان الحكم بنحو الولاية في موارد النكاح والطلاق وأموال القاصرين، أو كان الحكم بنحو القضاء في موارد حل النزاعات ورفع الخصومات, فإن حكمه نافذ على جميع الفقهاء, فلا يجوز نقضه حتى وإن كان الناقض مجتهداً آخر، حتى وإن كان مع العلم بمخالفة حكم الحاكم الشرعي للواقع. أما فتوى الحاكم الجامع لشرائط مرجع التقليد فنقضها مشروط بعدم العلم مخالفتها الواقع.
[مسألة 30] إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد، وجب عليه على الاحوط إعلام من سمع عنه ذلك، مع الإمكان. ولكن إذا تبدل رأي المجتهد, لم يجب عليه إعلام مقلديه فيما إذا كانت فتواه مطابقة لموازين الاجتهاد.
سؤال: ما حكم نقل الناقل للفتوى في حال الخلاف ؟.
جواب : هنا تساؤلان مختصان بالإعلام؛ أحدهما من طرف ناقل الفتوى, والآخر من طرف المفتي المجتهد:
الأول: إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد، فهل يجب على الناقل إعلام من سمع عنه ذلك النقل المخالف لفتوى المجتهد أو لا يجب عليه الإعلام.
وجوابه: يجب على ناقل فتوى المجتهد فيما لو نقل خلافها أن يُعلم من نقل إليهم الفتوى ممن سمعوا منه الخلاف, هذا مع إمكان المكلف في نقل الخلاف, وإن لم يتمكن المكلف من نقل الخلاف, فلا يجب على الناقل الإعلام.
الثاني: إذا تبدل رأي المجتهد, فهل يجب عليه إعلام مقلديه أو لا يجب عليه الإعلام ؟.
وجوابه: لا يجب على المفتي المجتهد إعلام مقلدية فيما لو تبدل رأيه في مسألة من المسائل الشرعية, هذا إذا كانت فتواه التي تبدل رأيه فيها مطابقة للقواعد والموازين الاجتهادية والاستباطية, وإن لم تكن تلك الفتوى مطابقة للموازين الاجتهادية, فيجب على المجتهد إعلام مقلديه بتبدل فتواه.
[مسألة 31] إذا تعارض النقلان بالفتوى، مع اختلاف التاريخ، واحتمال عدول المجتهد عن رأيه الأول, يعمل بمتأخر التاريخ. وفي غير ذلك يرجع إلى الأوثق منهما، ومع تساويهما يعمل باحوط القولين حتى يتبين الحكم.
سؤال: ما حكم تعارض النقل بالفتوى ؟.
جواب : إذا نقل ناقل فتوى مجتهد, ونقل ناقل آخر ما يخالف نفس الفتوى على نحو أدى إلى حصول تعارض النقلين بالفتوى، فهنا تفصيل:
أولاً: إذا كان تاريخ نقل فتوى المجتهد مختلفاً، وكنا نحتمل عدول المجتهد عن رأيه الأول وتبنيه رأي جديد, فهنا يكون العمل بمتأخر التاريخ من رأي المجتهد من الفتويين المنقولتين لكونها تمثل الرأي الصحيح الذي يتبناه المجتهد.
وثانياً: إذا لم يكن تاريخ نقل فتوى المجتهد مختلفاً, ولم نكن نحتمل عدول المجتهد عن رأيه الأول, فهنا يكون العمل بالأوثق من النقلين، ومع تساوي النقلين بالوثاقة فهنا يكون العمل باحوط القولين حتى يتبين حكم الفتويين أو الرأيين المنقولين عن المجتهد.
[مسألة 32] العدالة المعتبرة في مرجع التقليد، بل مطلقاً، عبارة عن الملكة المانعة غالباً عن الوقوع في المعاصي، بما فيها فعل المحرمات، وترك الواجبات، ولا يضر اللمم بوجودها، وهو الإلمام بالذنب أحياناً قليلة, وخاصة مع المبادرة إلى التوبة.
سؤال: ما معنى العدالة المعتبرة في مرجع التقليد ؟.
جواب : تقدم لدينا في شرائط مرجع التقليد شرطية العدالة, والمقصود منها هنا في باب الاجتهاد والتقليد, بل في جميع أبواب الفقه, أنها عبارة عن الملكة النفسانية التي تقوم بردع ومنع صاحبها غالباً عن الوقوع في المعاصي والذنوب المبعدة عن طاعة الله سبحانه وتقدس والانحراف عن المنهج الصحيح، بما فيها فعل المحرمات الشرعية كالكذب والزنا وغيرهما، وترك الواجبات الشرعية كالصلاة والصيام وغيرهما، وأما ارتكاب الذنوب أحياناً قليلة من قبل المجتهد فلا يعني انتفاء عدالته, خصوصاً إذا كان هذا الارتكاب للذنب مصحوباً بالمبادرة إلى التوبة والاستغفار والعودة إلى الاستقامة في طريق الحق .
[مسألة 33] إذا حصلت الملكة المذكورة, لكن كانت ضعيفة مغلوبة للنفس, من شهوة أو غضب، على نحو يكثر منه صدور المعاصي، وان كان يحصل الندم بعدها، فمثل هذه الملكة لا تكون عدالة، ولا تترتب عليها أحكامها.
سؤال: ما حدود العدالة المعتبرة في مرجع التقليد ؟.
جواب : إن المقصود من الملكة التي جعلها المصنف قدس قيداً في تعريف العدالة المعتبرة في مرجع التقليد هو أن يكون حصول هذه الملكة – كما هو المعروف – بنحو يصعب زوالها, فيكون اتصاف النفس فيها قوياً, بمعنى غلبة قوى العقل على قوى النفس, كالاتزان والحُلم, بمعنى أن يكثر من المجتهد صدور الطاعات والقربات. وأما لو كان حصول هذه الملكة النفسانية ضعيفاً, بمعنى غلبة قوى النفس على قوى العقل, كالشهوة والغضب, بمعنى أن يكثر من المجتهد صدور المعاصي والذنوب، حتى وإن صاحب حصول الندم بعد صدور المعصية والذنب من المجتهد. ومع ضعف هذه الملكة وليس قوتها فإن شرطية العدالة تنتفي عن المجتهد, ولا تترتب على هذه الملكة الضعيفة أحكام العدالة, وفي المقام الذي يترتب على العدالة هو صحة التقليد, فلا يجوز تقليد المجتهد لو كانت ملكته النفسانية التي تمنعه من ارتكاب الذنوب ضعيفة.
[مسألة 34] إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة، يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن، فيتعين الإتيان بها برجاء المطلوبية. وأما الاحتياطات المذكورة فيها, فان كانت مسبوقة الفتوى أو ملحوقة بها, فهي استحبابية يجوز تركها، وإلا فهي وجوبية. ويلحق بالأول ما إذا قلنا : يجوز على إشكال، أو على تأمل. ويلحق بالثاني ما اذا قلنا يجب على إشكال، أو على تأمل, أو قيل كذا, أو فيه تأمل, أو فيه إشكال, أو هو المشهور بدون فتوى بإزائه.
سؤال: ما حكم العمل بالمستحبات والاحتياطات الواردة في هذه الرسالة العملية ؟.
جواب : إن هناك الكثير من الأحكام المستحبة والاحتياطات قد ذُكرت في أبواب هذه الرسالة – كتاب منهج الصالحين – فينبغي التعرض لمبنى ومعنى المستحبات والاحتياطات, فهنا مطلبان:
المطلب الأول: المستحبات: أن حكم الإتيان بالمستحبات المذكورة في هذه الرسالة مبني على قاعدة فقهية موسومة بـ(قاعدة التسامح في أدلة السنن), حيث أن المقصود بالسنن هي الأحكام المستحبة والمكروهة, والتي تقابل الفرائض وهي الأحكام الواجبة والمحرمة. والأصل في هذه القاعدة روايات (مَن بلغ, مَن بلغه), أي أن من بلغه عمل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل به كان له ثواب ذلك العمل وإن كان رسول الله عليه وآله السلام لم يقله. وتطبيقه في المقام أن العمل في السنن المستحبة والمكرهة مبني على نحوٍ من التسامح في أدلة ورود هذه المسنونات, على عكس ما ورد في الواجبات والمحرمات فإن لابد فيه من التثبت والتشديد. ولكن لما كانت هذه القاعدة الفقهية غير ثابتة عند المصنف قدس فيتعين أن يكون الإتيان بالمستحبات بنية رجاء أن تكون مطلوبة عند لله تعالى, وكذلك الحال في المكروهات فتترك بنية رجاء المطلوبية .
المطلب الثاني: الاحتياطات: أن حكم الإتيان بالاحتياطات المذكورة في هذه الرسالة يعتمد على انقسامها إلى قسمين باعتبار جواز تركها وعدم جواز تركها:
الأول: الاحتياطات الاستحبابية: وهي الاحتياطات التي يجوز تركها, وعلامتها أن تكون مسبوقة الفتوى, أو ملحوقة بالفتوى. ويلحق بهذه الاحتياطات بعض العبائر المشيرة إليه, كما في قوله: (يجوز على إشكال، أو على تأمل).
الثاني: الاحتياطات الوجوبية: وهي الاحتياطات التي لا يجوز تركها, وعلامتها أن تكون غير مسبوقة الفتوى أو ملحوقة بالفتوى. ويلحق بهذه الاحتياطات بعض العبائر المشيرة إليه, كما في قوله: (يجب على إشكال، أو على تأمل, أو قيل كذا, أو فيه تأمل, أو فيه إشكال, أو هو المشهور بدون فتوى بإزائه).
ثم إن الفقهاء يميزون عادة بين نوعين آخرين من الاحتياط باعتبار في قضية تارة محمولاً موضوعها الفتوى, فيسمى بـ(الفتوى بالاحتياط). وأخرى موضوعاً محمولها الفتوى, فيسمى بـ(الاحتياط بالفتوى), فهنا مصطلحات ثلاثة:
الأول: الفتوى: وهي النتيجة الشرعية في قضية من القضايا الكلية الشرعية التي يصل إليها الفقيه بعد بذل الوسع والجهد المعذر في الأدلة الشرعية, فتكون هذه النتيجة حجة بين المجتهد وبين الله تعالى، وأنه معذور في إلقائها لمن قوله حجة عليهم.
الثاني: الفتوى بالاحتياط: وهي الفتوى بالمعنى المتقدم ولكن متعلقها الإحتياط بالإلتزام بفعلٍ أو تركٍ أو رعايةِ شرطٍ أو مانعٍ أو غير ذلك. ومعه فيجب على المكلف الإلتزام بمقتضى الفتوى بالإحتياط, حالها حال الفتوى بالوجوب أو الحرمة. فلا يجوز للمكلف الرجوع إلى غيره في المسائل التي أفتى فيها بالإحتياط, كما لا يجوز له الرجوع إلى غيره في المسائل التي أفتى فيها بالوجوب مثلاً، لأنه إنما يجوز الرجوع إلى مجتهدٍ آخر في فرض عدم وجود رأي وفتوى للفقيه الواجب تقليده. ومثاله:
• لو علم المكلف أن أحد الإنائين غير المعيَّن مشتملٌ على ماءٍ متنجس, والإناء الآخر غير المعيَّن مشتملٌ على ماءٍ طاهر. فهنا يفتي الفقيه بلزوم ترك الشرب لكلا المائين.
الثالث: الإحتياط بالفتوى: وهي ليست فتوى بمعناها المتقدم وإنما هي إحتياط بعدم الفتوى، وذلك نتيجة عدم وصول الفقيه إلى نتيجة قطعية وجزمية في قضية من القضايا الكلية, فيطلب من مقلديه العمل بالاحتياط كخيار أفضل, لا كفتوى أصلية, إما لعدم بحثه في الأدلة, أو أنه قد بحث ولكنه لم يصل إلى نتيجة قطعية, أو أنه لم يشأ الافتاء من أجل عدم مخالفة المشهور, أو الخوف على المقلدين من الوقوع في الضرر أو الحرج. ومعه فلا يجب على المكلف الإلتزام بمقتضى الإحتياط بالفتوى, فيجوز للمكلف الرجوع إلى غيره في المسائل التي احتاط فيها بالفتوى. ومثاله:
• لو سُئل الفقيه عن حكم لحم الأرنب، وهو لم يفحص في الأدلة، فإنه لو أجاب بالحرمة لكان جوابه تجنباً عن الوقوع في مخالفة الواقع, أي أنه لو كان لحم الأرنب حراماً واقعاً لما كان جوابه موجباً لوقوع المكلف في مخالفة هذا التكليف الواقعي.