القصابة في بغداد.. بين الأمس واليوم
بغداد/ علي ناصر الكناني
يشير احد المصادر التي تناولت مهنة القصابة في بغداد الى ان لكل سوق عدة معدودة (الكصاصيب) الذين يبيعون لحم البقر ولكن باعة لحوم البقر يتمركزون في الشورجة في منطقة تقع بين سوق الغزل والدهانة.. وكذلك يرى عدد منهم في سوق سراج الدين والصدرية، ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذه الحرفة التقينا احد العاملين القدامى بها وهو القصاب حسن فارس من مدينة الكاظمية مواليد 1946 والذي حدثنا عن بداياته مع مهنة القصابة قائلاً:
- بدأت مع القصابة منذ الستينيات في سوق العاصمة القديم الذي يقع ضمن سوق القصابين حيث كان لدي محل للقصابة هناك، وبمرور الزمن توطدت علاقتي بالعديد من الزبائن ممن كانوا من الشخصيات التي كانت تعرفها مدينة الكاظمية، ومن هؤلاء الدكتور علي الوردي والشيخ محمد الخالصي والشيخ فاضل الشيخ على الكليدار في الحضرة الكاظمية المقدسة، كما كان من بين زبائني عدد من الاسر البغدادية المعروفة ومنهم أسرة السادة (آل عطيفة) وأسرة (الدباغ) وأسرة (الخالصي) وأسرة (السيد الصدر).
ويضيف القصاب (أبو ليث): كنت أقوم بتوزيع اللحوم على عدد من القصابين المعروفين بقدمهم في هذه المهنة ونزاهتهم أمثال الحاج رسول حميد فارس والحاج حسن شومان ودعبول القصاب وآخرين غيرهم.
وماذا عن الفارق الكبير في أسعار اللحوم بين ما كانت عليه في الأمس وما هي عليه اليوم، وكيف كان وضع الرقابة الصحية بهذا الخصوص؟
- هناك فرق كبير جدا في هذه الأسعار، حيث كان سعر الخروف أيام زمان لا يتجاوز ديناراً وربع الدينار في الستينيات، اما في الخمسينيات فكان سعره اقل من ذلك، وكنا نبيع كيلو اللحم بخمسين فلسا (درهم) فقط وكنا نعطي المعلاك (الكبد) والباجة مجانا للفقراء من الناس..! إذ كانت القدرة الشرائية ضعيفة في ذلك الوقت، اما بخصوص الرقابة الصحية فإنها تكاد تكون معدومة على الرغم من وجود المجازر الصحية التي كانت تابعة لأمانة العاصمة وكان يتم تأجيرها الى الأهالي، وكانت في بغداد ثلاث مجازر موزعة على مناطق الكاظمية والشيخ معروف في الكرخ والشيخ عمر في الرصافة، ومن ابرز المتعهدين لهذه المجازر الحاج غالب من الاعظمية والحاج إبراهيم الكاطع في الكرخ، وكان من المعروف عنه انه اشترى احد بيوت الأسرة الملكية التي كانت تحكم في العراق ويقع في شارع الأميرات في المنصور بمبلغ (250) الف دينار عراقي وكان المبلغ كبيراً جدا آنذاك، وحسب علمي فان عائلته ما تزال تسكن فيه.
* ومن هم أبرز القصابين المعروفين في فترة الستينات؟
- أشهر وابرز القصابين هم الحاج سبهان والحاج محمود سمير والحاج محمود سمير ولحاج دعبول والحاج حاتم شومان والحاج راضي هلال والحاج عزيز هلال وآخرون لا تحضرني أسماؤهم الآن.
ويروي لنا القصاب حسن فارس أبو ليث ما كان يصنعه القصابون في تلك الفترة عندما تبقى عندهم كميات من اللحم حيث يقول:
- بسبب عدم وجود البرادات والمجمدات الحافظة للحوم مثل ما موجود اليوم كنا نتخلص من اللحم الذي يبقى أحياناً بكميات كبيرة في اليوم التالي خوفاً من تعرضه للتلف فنقوم برميه في نهر دجلة، لأننا لا نقبل بيعه الى الناس خوفا عليهم من التعرض للأذى، وهنا أود ان اذكر لك ان اللحوم العراقية هي أفضل أنواع اللحوم في العالم بحكم النباتات التي تتغذى عليها الأغنام والأبقار لذلك تكون معرضة دائما للتهريب الى الدول الأخرى لرخصها ولجودتها.
وسألنا القصاب (أبو ليث) ان يحدثنا عن موقف طريف سمع عنه او تعرض له خلال عمله في هذه المهنة قال: كان احد القصابين يدعى الحاج سبهان يبلغ من العمر (98) عاما قد تعرض بالضرب بقسوة لأحد الجمال الموجودة عنده خلال النهار، وفي الليل كان من عادته في فصل الصيف وضع فراشه في فناء الدار وصادف انه لم يكن في فراشه في تلك اللحظة ففوجئ بالبعير الذي ضربه في النهار يقوم برفس فراشه برجليه بقوة وكـأنه يريد الانتقام منه جراء فعلته.
فما كان منه في اليوم التالي إلا ان يقدم للبعير الطعام ويمرر يده على جسده بلطف في محاولة لاسترضائه والاعتذار منه.
وموقف آخر مر بي عندما كلفني احد الأشخاص بنحر بعير له، وهنا حاول ان يخدعني ممازحا عندما طلب مني اخذ الجلد لي للاستفادة منه، ومن المعروف ان جلد البعير لا يصلح للدباغة وعندما أكملت نحر البعير وضعت رقبة البعير المعروفة بطولها الى جانب الجلد، فقال لي: لماذا أخذت الرقبة مع الجلد فأجبته على الفور: ان الجلد لا يباع بدون الرقبة فضحكنا معاً، وفعلاً ترك رقبة البعير لي ولم يأخذها..!