من مذكرات أبي الطيب المتنبي المنسية
محرم 1423 هـ
لقدْ جاءَ يركضُ مثلَ السّرابِ على مَهْيَعِ الشّمسْ،
يرْتشفُ الموتَ مِنْ مُقلةِ الأدْعياءْ ،
فينْتَفضُ الحُزْنُ في راحةِ القَهْرْ،
ويلمعُ منهُ الضّياءْ .
وفي دَورةِ الأرضِ يُورقُ وجهُ المساءْ،
فيُمسكُ عن قولهِ : الخيلُ والليلْ ....
لأنّ الذي كانَ يعرفهُ – في غدٍ - أنكرَه .
فيحفرُ في يقظةِ الصّبرِ جُرحاً،
يُواريهِ كاليأسِ في كفّ كافور،
ويمضي إلى ساحةِ الذُّلّ كالسيلْ.
سيُوقظُهُ الفجرُ عن صرخةِ المَجد
لقد كانَ في أرضِ مصرَ غريباً:
ولكنْ أرى الوَجْهَ وجهيَ
والقول قوليَ
والكفَّ كفيَ
ولكنْ أرى القومَ لا يفهمون ........
لقد أَنْبَأتُهُ الليالي بعَجْزِ الرّجال .
فما عادَ يحملُ إلا رغيفاً من الخُبْزِ،
وقطعةَ جُبْن.
شخصُهُ قدْ تراءى على مِنْبرِ القُدْسِ...
يحملُ في جَوْفِه الموت...
مُنْبَثقاً في الشُرُفات على بسمةِ الحُبّ .
لقدْ كانَ في ما مضى يرْقُبُ الضوءَ في الوَجَنَاتِ،
تُمزّقُهُ ساعةُ الإنتظارِ أمامَ الوفودْ،
وفي عَيْنِه تتجلّى خيوطُ الزّمنْ.
فأينَ المَواثيقُ، أينَ الوعُودْ؟،
وأينَ دعاواكمُ صحةُ العَقلْ ؟،
لقدْ صارَ كلُّ الذي تأْلمون،
وما صارَ بعضُ الذي تأمَلون.
ألستمْ ترونَ طريقَ الشّجاعةْ
وطرْق النّدى ؟.
لقدْ كانَ مِن بينكمْ مَنْ يرددُ :
لا يُفلحُ القومُ مولاهمُ العُجْم .
وقد كانَ فيما مَضى ...
يُضَاجعُهُ الفخرُ حينَ ينامُ على مَفْرشِ الطّين،
وقدْ كانَ يحلمُ في كلُّ يومٍ عسى أنْ يكونَ
عزيزاً شريفا .
وقد كلّلتُهُ الدماءُ بريحِ الخُلودْ،
وما كانَ أقتَلهُ موعداً !
إنّهُ الذُّعرُ يفْتكُ بالقَلْبِ قَبْلَ اللّقاء،
ولكنّهُ كانَ أصبرَ منكمْ،
وأقتلَ منكمْ،
وأشجعَ منكم،
ومنْ كُلّ مَنْ صافحَ الغَدْرَ،
ومن كلّ مَنْ كانَ تَحْتَ الغِطاء.