الاستربادي.. سوق تاريخي يصارع الزمن
نبراس الذاكرة
يصف الحاج روضان المهنا الذي وصل مساء امس مع زوجته الى مدينة الكاظمية المقدسة قادما من محافظة البصرة من اجل زيارة الامامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد" عليهما السلام" " سوق الاستربادي" قائلا :انه تحفة تاريخية، مازال يحتفظ بمحاله التي تميزت ببيع العباءات الرجالية والكماليات النسائية ومحال بيع السبح وخواتم الفضة والاحجار
الكريمة.الحاج استذكر سنوات السبعينيات قائلا: كان الزحام على اشده الذي يبدأ منذ ساعات الصباح الاولى وحتى مسائه المتاخر فقد كان زبائنه من الفلاحين والفقراء.
عباس القريشي الذي يملك محلا لبيع الكماليات النسائية منذ الثمانينيات تحدث عن السوق قائلا: ما زال" الاستربادي" سوقا نابع بالحياة رغم قدمه التاريخي فالدشداشة الرجالية ومهارة خياطتها ونوع قماشها لم تزل هي مايميزها عن باقي الانواع في العراق فزبائن السوق وخاصة الزوار لم ينقطعوا عن اقتنائها لاسيما في مواسم الزيارة طوال ايام السنة كذلك انواع الاقمشة واليشماغ وطاقيات الراس" العرقجين" والعكل والعباءات النسائية والقوط.
تاريخ السوق
برهان الكاظمي 50 عاما الذي يبيع الكتب الدينية منذ التسعينيات تحدث عن تاريخ السوق قائلا: تم بناء المكان ايام الدولة العثمانية لتنشيط حركة التجارة في الكاظمية فقد بناه امهر المعماريين الاتراك، وقد اختلفت الروايات حول بنائه فهناك من يقول :إن" مستر ابادي" المستشرق الانكليزي هو من بناه واخرى تقول ان عائلة تركية وكبيرها يدعى" عبد الوهاب " هو من بناه فهو يمتد من باب" القبلة" للصحن الكاظمي الشريف ومساحة 350م وصولا الى كراج بلد.ويتابع الكاظمي مضيفا، لقد كانت السوق شاهدا على تأسيس اول فوج للجيش العراقي ومنه انطلقت اكبر تظاهرة لمساندة" مصر" ابان العدوان الثلاثي عام 1956 وكان في بدايات تأسيسه يضم فندقا مجانيا للزوار والفقراء، وقد تعرض السوق عام 1977 الى حريق استمر لمدة يومين ما ادى الى احتراق جميع الاخشاب والزخرفة.
كما يضم السوق مطعم" بور سعيد" الذي تأسس عام 1901 ومطعم الجوادين ومازالا يقدمان خدماتهما حتى الآن للزبائن.
عباءات رجالية ونسائية
بائع العباءات النسائية قاسم السعيدي تحدث عن انواعها قائلا:هناك انواع كثيرة ابرزها (الكوري والحرير الصيني والجرجيت الياباني) وهي من مناشئ عديدة، مبينا ان اسعارها تختلف حسب الانواع ولكن بشكل عام تتراوح مابين (10-60) الف حسب الجودة.
اما حسين اللامي بائع العباءات الرجالية في السوق قال: هنالك الصيفي والشتوي وابرز انواع العباءات هو الهباري وهو يفضل لدى كبار السن لخفته ومرونته وسهولة حمله، فخياطة العباءة تحتاج خيوط من نفس لون قماشها واحيانا باستعمال( الكلبدون) للحواشي، مبينا ان منها النسيجي او اليدوي التي تصنع دائما من الوبر والعباءات المصنوعة من الاصواف الطبيعية فهي تغزل وتحاك يدويا، اضافة الى العباءة الموشاة بالكلبدون فيفضلها اهالي مناطق غرب العراق، اما ابرز الوانها (الذهبي والفضي).
فيما اشار اللامي (للعقال) متحدثا، انه يصنع من المرعز" شعر المعز" وحسب المناطق فأهل الفرات الاوسط يفضلونه غليظ وصغير اما اهالي تكريت فيفضلونه غليظ ومن النوع الكبير.
"السبح" وأنواعها
عدنان هجول بائع السبح والنحاسيات والفضيات يقول: تختلف السبح باسعارها وانواعها فمثلا تلك التي صنعت من الخشب او بذور النباتات كالزيتون والحبة الخضراء ونواة التمر او من التراب( السبح الطينية) فتختلف اسعارها عن المصنوعة من الاحجار الكريمة كالعقيق والياقوت والدر والفيروز والحديد الصيني والملكايت وهي مرتفعة الاسعار، كما ان سبح مثل الكهرب والسندلوس والكهرمان والمرجان واليسر والعاج فاسعارها متوسطة، اما النحاسيات مثل الدلال والسماورات والقماقم والمزهريات والتحف الاخرى فاسعارها تعتمد على سعر المنشأ الذي صنعت فيه واحيانا يزداد سعرها بناء على قدمها ودقة عملها اليدوي.
مقهى تراثي
اما عبد الكريم العلياوي تحدث قائلا: منذ صغري كنت اكثر من المجيء لهذا السوق وخصوصا في المناسبات الدينية والوطنية، حيث كان يوجد مقهى شعبي يجتمع فيه مجموعة من الادباء والشعراء وفي كل مناسبة ويحتفلون متبارين بقصائدهم وكلماتهم الجميلة، مشيرا الى ان في شهر رمضان يجتمع اهالي منطقة الكاظمية ويتنافسون بلعبة (المحيبس) الشهيرة مع اهالي الاعظمية والشواكة
وغيرهم.
الاهتمام بالسوق
التدريسي عبد الله جعفر الذي يسكن مدينة الكاظمية منذ الستينيات تحدث عن السوق قائلا: بالرغم من اهمية السوق من الناحية التراثية فلا تزال شناشيله عالقة في الاعالي وبنيانه التي غطاها الجينكو هي ماتميزه من بين اسواق بغداد، لافتا الى ان السوق في الوقت الحاضر تعاني من المشاكل في بنائه القديم، فالرطوبة والتآكل بدأ ينخر سقوفه الخشبية والدعوة قائمة لامانة بغداد للتدخل لحمايته واعادة ترميمه للحفاظ على الشكل الهندسي القديم، كونه يمثل رائحة الامس وسوق الحياة الجديدة في زمن لم تكن فيه بغداد بهذه السعة الحضارية.