ضوء على دور العقيد عبدالسلام عارف في يوم 14 تموز 1958
عبد السلام محمد عارف.. ضابطٌ عراقي عربي، دخل التاريخ من أوسع أبوابه في الرابع عشر من تموز (يوليو) 1958 عندما قاد اللواء العشرين من جلولاء وهو آمر فوج ويحمل رتبة عقيد ركن، وفجر ثورة في العراق، توجت نضالات وتضحيات العراقيين ضد الاستعمار والقوي الرجعية وسياسات الأحلاف والمعاهدات التي كبلت العراق وعزلته عن أمته العربية، وشكلت علامة مضيئة علي طريق التحرر والانطلاق نحو آفاق التقدم والتنمية الوطنية والوحدة العربية، لذلك ليس غريبا ان تقترن ثورة تموز (يوليو) باسم هذا الرجل الذي ضرب أروع الدلالات في الإيثار الوطني والالتزام الاخلاقي، عندما تنحى عن موقعه الفعلي كقائد للثورة ومنفذها الاول الى زميله ورفيقه الزعيم الركن (العميد) عبد الكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر، وفاء منه لكلمة شرف واتفاق اخوة وقسم على التعاضد والتعاون بما يخدم العراق والأمة العربية، علما بأن الاخير الذي وصل الى بغداد بعد نجاح الثورة بخمس ساعات واحتل مكانه في وزارة الدفاع كرئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة ووزير للدفاع، لم يقابل صنيع عبد السلام وفروسيته، الا بالجحود والتعالي، الامر الذي أدى الى انتكاسة الثورة وانحرافها عن الأهداف الوطنية والقومية التي قامت من أجلها، واعتقال مفجر الثورة ومحاكمته وسجنه وإصدار حكم باعدامه في سياق عملية كيدية للانتقام من دوره البطولي في انبثاق الثورة ونجاحها. وكما عاني عبد السلام عارف ظلما واجحافا من زميله السابق عبد الكريم قاسم، فانه واجه غبنا وتهميشا من رفاقه الجدد عقب حركة الثامن من شباط (فبراير) 1963 عندما حاول البعثيون استغفاله والتجاوز على مكانته وموقعه، وهم الذين استعانوا به كاسم وطني لامع ووجه قومي بارز، لصدارة الحركة واستثمار رصيده الثوري في مواجهة المعسكر المناوئ للوحدة والتيارالقومي، ولأن عبد السلام استوعب درس عبد الكريم قاسم جيدا، وأدرك بعد سنوات القهر الخمس التي أعقبت ثورة تموز (يوليو)، أن العلاقة التي جمعته مع البعثيين لها التزامات مشتركة عليه وعليهم، وكل طرف يتهاون أو لا يحترم ما التزم به، يتحمل نتائج أعماله، لذلك اضطر عبد السلام الى حسم الامر معهم في الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 وأنقذ العراق مرة أخري من الفوضي وتناحر البعثيين وانشقاقاتهم. والذين يستذكرون العامين والشهور الخمسة التي كان فيها عبد السلام عارف رئيسا للعراق من معاصرين له، او مؤرخين منصفين لعهده، لا بد وأن يتوقفوا إزاء سلسلة انجازات تحققت في هذه الفترة القصيرة، على صعيد الأمن والاستقرار في البلاد والسلم الاجتماعي وسيادة القانون، والقرارات الاشتراكية والتشريعات التقدمية في استثمار الموارد والثروات الوطنية واتساع الخدمات البلدية والتعليمية والصحية والاجتماعية، وكلها موثقة لا تحتاج الى اثباتات. وقد تعرض عبد السلام عارف في حياته وبعد وفاته في ذلك الحدث الجلل في الثالث عشر من نيسان (ابريل) 1966 الى ظلم كبير من قيادات حزبية وطائفية وعرقية تجنت عليه بدوافع سياسية، نتيجة استقامته وتواضعه، وثباته على منهجه الوطني والقومي، وهو من سمح للخميني، بالقدوم الى العراق من منفاه في تركيا مطلع عام 1964، والاقامة والتدريس في النجف معززا ومحميا من عملاء الشاه البهلوي الايراني، واتهمته أطراف أخرى بالدكتاتورية!