ألسنا من رصَّ بأكتافه الأحجار
لتنشأ الجسور
ورصّع الطين و الجصّ بالأكفّ المرتعشة
ومنح السور متانة تحمي دورنا العطشى
بالعتمة ورطوبة الحبس
ألم نفتح لهم الشواطئ
يصفّون فيها سفنهم الطويلة
ألم نرسم لهم النخل
أصطبلات وثيرة
ينسلون فيها من صافناتهم الـمُصِنّات
نجائب الخيل
نبني لصيفهم المترف أسرّة السعف وصبر الحقول
ينامون في أحلامهم ليصل إلينا شخيرهم الفجّ
شخير يذعر أطفالنا ويفزّزهم من اليقظة
ألسنا من ظنَّ أنهم الضيوف الطارئون
يعبرون مثل الطرائد
قافلة في رحيل متواصل
نظنّ أنهم مأخوذون بالأرض لفرط الصحراء
نتبادل معهم رأفة القاطن بتعب السفر
فنضع لهم البيت في الوليمة
نبسط لهم النطع
ندير الطشت لهم
ونقف عليهم
نغسل أجسادهم من الملح و الغبار
ونحكّ عن أطرافهم الأصداف و الحراشف
ونقول لهم عن الطريق و الطريدة
فندرك أنهم يعرفونها أكثر منا
قلنا لهم أن يضعوا أطرافهم المغدورة
في حنان النخل
ويرشفوا أعذب الماء في المواعين المصقولة بكواحلنا
فتحنا لهم فيزياء الشرفة
قبلنا بهم يقتسمون معنا الظل وقرينه
الشباك وفهرس الأسماك
وعلمناهم، حتى الأحفاد
كيف يتهجون التاريخ وهو يتفصّد
في الكتب و منعطفات الليل
ربيناهم فهداً فهدآً
مزجنا سواد شطرنجهم بأحداقنا الساهرة
لتزهو الرقطة في فروهم الكثيف
ويأخذ كل منهم قسطه من الماء و السكينة
وافراً .. وافراً
ربيناهم فهدآً فهدآً
لكي يلتفت الضئيل منهم
نحو أكثرنا اطمئناناً
وينشب فيه المخالب و الأنياب
فهدآً فهدآً
كنا نظنَّ أن الوحش
هو الحيوان فحسب