كانت لفاطمة (عليها السلام ) جارية اسمها (فضة) قد وهبها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لها بعد ما كثرت الفتوح والمغانم من خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرهم، وارتفع الفقر والعناء عن أهل الصفة وضعفاء المدينة، ويستفاد من بعض الكتب أنها كانت بنت ملك الهند وكانت عالمة بالعلوم الغريبة.
اختلف المؤرخون في اصلها و تسميتها فالبعض يقول ان اسمها ميمونه وان رسول الله (صلى الله عليه واله) سماها فضة خادمة الزهراء (عليها السلام)وان اصلها من الهند وإنها بنت احد الملوك كما ذكر ذلك العلامة المجلسي في بحار الانوار وانها من سبايا الحروب و الفتوح الاسلامية من خيبر و بني قريظة و بني النضير و غيرها اما العلامة النقدي والسابقي كما نقل فيقولون انها بنت ملك من ملوك الحبشة استنادا الى قول الصحابي بن عباس وما رواه الثعلبي في تفسيره وهناك من يقول انه عندما هاجر جماعة من المسلمين الى الحبشة يتقدمهم جعفر الطيار ونزلوا عند النجاشي وعندما ارادوا العودة ارسل النجاشي هدايا الى النبي (صلى الله عليه واله) ومن ضمن ما اهدي اليه هذه المرأة الفاضلة بعد ان رأى فيها من حسن السيرة والخلق والعلم ما يليق بان تكون خادمة عند رسول الله (صلى الله عليه واله) وانها كانت من الغنائم التي حصل عليها النجاشي من حروبه مع ملك الهند فبقيت في بيت النبي
(صلى الله عليه واله) الى ان تزوجت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأمير المؤمنين (عليه السلام) فأرسلها النبي (صلى الله عليه واله) لخدمتها
وعن ورقة بن عبد الله الأزدي قال: خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام، راجياً لثواب الله ربِّ العالمين. فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه، عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها وتقول: ربَّ البيت الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العِظام، وربَّ محمد (صلى الله عليه وآله) خير الأنام، البررة الكرام، أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائِهم الغرِّ المحجلين الميامين
ثم قالت: ألا فاشهدوا يا جماعة الحُجَّاج والمعتمرين، أنَّ مواليَّ خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار، الذين عَلا قدرهم على الأقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار، المرتدين بالفخار.قال ورقة: فقلتُ: يا جارية، إنِّي لأظنَّك من موالي أهل البيت (عليهم السلام) ؟فقالت: أجل.فقلت لها: ومَن أنتِ من مواليهم ؟
قالت: أنا فِضَّة، أَمَةُ فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)
فقلت لها: مرحباً بك، فلقد كنتُ مشتاقاً إلى كلامكِ ومنطقكِ، فأريدُ منكِ الساعة أن تجيبني عن مسألة أسألك.فإذا أنت فرغتِ من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك، وأنت مثابة مأجورة
فافترقنا في الطواف، فلمّا فرغتُ من الطواف وأردتُ الرجوع إلى منزلي جعلتُ طريقي على سوق الطعام، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس. فأقبلتُ عليها واعتزلتُ بها، وأهديتُ إليها هدية،ولم أعتقد أنَّها صدقة ثم قلت لها: يا فِضَّة، أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها (عليها السلام) بعد موت أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) ؟قال ورقة: فلمَّا سمعتْ كلامي تغرغرت عيناها بالدموع، ثم انتحبت باكية،قالت: يا ورقة هيَّجت عليَّ حزناً ساكناً، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة
عاشت و تربت في بيت النبوه و احضان الرسالة فنهلت من آداب اهل البيت و اخلاقهم و علومهم بحكم ملازمتها لمولاتها و سيدتها الزهراء(عليها السلام) عليها السلام مما غرس في نفسها معاني الكمال و الفضيلة فكانت على درجة من الايمان و التقوى و الزهد و الورع اضافة الى بلاغتها و حسن نطقها ينقل الاستاذ الحساني في كتابه ص29 نقلا عن الكاتبة زينب الفوازيه قولها ان فضة كانت من النساء العاقلات الصادقات وقد اشتهرت بالفضيلة وعن كتاب الدر المنثور في ذكر كونها ممن نزلت فيهم سورة (هل اتى) ساوت نفسها بسيدتها الزهراء (عليها السلام) فنالت بذلك فخرا لم تنله غيرها من نساء العرب فمن وفائها و حسن ايمانها انها كانت ذائبة في حب النبي
(صلى الله عليه واله) و اهل بيته عليهم السلام - ويذكر المؤرخون انها نذرت حياتها لخدمتهم وامتازت بالحلم والصبر وتحملها للبلايا والرزايا. وفي الإصابة: روي عن الإمام الصادق عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) أنّه قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخدم فاطمة ابنته (عليها السلام) جارية اسمها فِضَّة النوبيَّة.والنوبية نسبة الى البلاد التي كانت تسكنها حيث عرفت هذه البلاد بارتفاع درجات الحرارة وكانت تشاطر الزهراء(عليها السلام) الخدمة، فعلَّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعاء تدعو به.فقالت لها فاطمة: أتعجنين أو تخبزين ؟فقالت: بل أعجن يا سيَّدتي واحتطب
فذهبت واحتطبت وبيدها حزمة، فأرادت حملها فعجزت، فدعت بالدعاء الذي علَّمَها (صلى الله عليه وآله) .وكان الدعاء هو: (يَا واحدُ لَيس كَمِثلِهِ أَحَد، تُميتَ كُلَّ أحدٍ وأنتَ على عَرشِكَ وَاحِد لا تَأخُذهُ سِنَةٌ وَلا نَوم).فجاء أعرابي كأنّه من(أزد شنوءة)، فحمل الحزمة إلى باب فاطمة الزهراء (عليها السلام)
روي لما جاءت فضة إلى بيت الزهراء (عليها السلام ) لم تجد هناك إلا السيف والدرع والرحى، وكانت بنت ملك الهند، وكانت عندها ذخيرة من الإكسير، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سبيكة، وألقت عليها الدواء وصنعتها ذهباً. فلما جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وضعتها بين يديه. فلما رآها قال: أحسنت يا فضة لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى. فقالت: يا سيدي تعرف هذا العلم؟ قال: نعم وهذا الطفل يعرفه، وأشار إلى الحسين (عليه السلام ) فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومأ بيده فإذا عنق من ذهب وكنوز الأرض سائرة، ثم قال: ضعيها مع أخواتها، فوضعتها فسارت.