1
يـؤثث طريقه بأشباحٍ في رهافة الريح. حوذي يغتاظ لضراوة الغبار حول مواقع خيله. ما كان له أن يغفل عن رعشة الغريب. غريبٌ سهر الليل يملأ الأفق أحلاماً ومناديل. بينه وبين الطريق بوصلةٌ ثملةٌ وأسرى مجللون بالبياض. حوذي يسأم لامبالاة الفرس بغرتها الشقراء، وتلويحة الوداع الواهن يغري أشباحه بسهرة السفر عند منعطف المجرات. يضع في قميصه القديم نقوداً مثقوبةً بنسيان الدول وذاكرة الناس. كتب الليل حتى منتهاه، قاد عربات السهوب ومحطات الثلج، وعندما شغفت به سفيرة الغابة ترك الخيل ومواهب السفر، محتقناً ببريد النوم، حيث الكتب بلا ذاكرةٍ ولا نسيان، يضع جسده تحت شرفتها، ويحصي أقداحاً تسكر الغابة وتفيض بغيبوبة المغادرين. لم يكن وحيداً، لكنه لم ير أحداً سواه. مشغوفـةٌ به قادماً في خشب العربات المجنونة أفراسٌ تهشل به بلا رأفةٍ ولا مكان. حوذيٌ أرعن مثل هذا جديرٌ بأشباحٍ في دماثة الغريب وهو يمعن في التيه، يرى الذئب الحزين فيصاب بالغبطة. لأجل هذا هجر خشبته المـقطورة بالريح، غفل عن سفيرة الذئاب، مأخوذاً بوردة الجوع.
2
أيها الحوذي الأرعن، تعرف غوايةً تتوغل في شراكها. شبحٌ تائهٌ يشخص نحو الأفق المشحون بغبار الطلع. بينك وبين الخيل أكثر من الرفقة وأقل قليلاً من السلالة. معقودٌ في أسمالك الشعر، وترفل في خطر شامل. وصفوا لك جادة الطريق لتبدو لك المجرة، وأنت لا تغادر بهوك المسور بالوحش والبراثن. آن لك الكشف : فضيحةٌ لك وفضيحةٌ عليك. آن لك أن تصغي لوقع الحوافر وهي تـدك منك الروح والجسد. لم نصادف حوذيا مغروراً مثلك، أحببناك مثل مناديل الوداع المرنـقة بدموع القاطن والمسافر. أحببناك لئلا تصدق لغيرنا حزناً ولا شجناً. تمعن في ابتكار الوقت في إنتظارٍ شاسعٍ لا يشف. لئلا تفتك بك الأوهام .
لم نكن لك المكان .
يا حوذينا الجميل، إرفق بنا ولا تذهب أكثر مما فعلت.
ليس ثمة سفيرة في انتظار خيولك غير هذه القلوب المرتعشة، تأكل منك الغربة ووحشة الطريق. فأرخ لخيولك قليلاً واصغ لزفيرنا المكتوم.
نفوز بك ليلاً واحداً، ونموت .