يُروى أن المتلمس خالٌ غير مؤكدٍ لطرفة
(وصادف أن وردة لا تلتفت ناحية المتلمس إلا لكي لا تراه)
قيل إن طرفة لم يكن يعرف أن المتلمس خالٌ له
(وصادفَ أن رواةً أشاروا بأنَّ المتلمس قد حمل لطرفة ضغينة مبكرة منذ أن كان صبياً، لكونه تجرأ على انتقاد تعبير له لا يصلح في المعنى ولا يصح في الصورة، مما جعل بعضُ الرواة يُعدُّونَ المتلمس في الإبل أكثر منه في الشعر)
قيل إن أولَ من تَحَدَّثَ عن حضور طرفة في بلاط عمرو بن هند هو المتلمس لا غيره وهي الرواية الأولى الوحيدة التي نقلها الأصمعي وابن السكيت عن مصدر وسيط مجهول
(وصادفَ أن شكاً سوف يخالط شخصية المتلمس من جهة أنه من مبتكرات الرواة الذين استهدفوا تأثيث الحكاية برمتها بأسباب وعناصر تريد أن تجيز قتل الشاعر من قبل الملك)
قيل إن الرواة وجدوا في شخصية المتلمس عنصراً حاسماً "شاهد ملك" تقوم عليه مجمل سيرة طرفة، فعملوا على استنطاق المتلمس عن رفقة طرفة له في بلاط الملك، وراحوا يبنون على ذلك ويجمعون القرائن، لا ليؤكدوا ذهاب طرفة إلى بلاط الحيرة فحسب، ولكن ليجدوا للملك الأسبابَ التي تبرر لجوءه لإيقاع العقاب بالشاعر، من لحظة دخوله المستهتر على الملك حتى تجرئه على هجائه القاسي له ولأخيه قابوس
(وصادف أن خيال الرواة في شتى العصور ومختلف السياقات قد تفتق عن أسباب عديدة لمقتل طرفة، نخصُّ منها خمسة، كل سبب يضرب شططاً في ناحية، فيجعل الحكاية قائمة على تهافتٍ يَشي بالنية المبيتة لقتل شاعرٍ خارجٍ عن سلطة القبيلة وتقليد المجتمع وحكم السلطان)
رواة اجتهدوا للاتفاق على تأييدٍ مضمرٍ فظّ لفعل الملك والقبيلة
قيل، فلما التقط الرواة الأوائل شخصية المتلمس، بحقيقتها الهشة، دون أن يتريثوا للتيقّن من مصداقية تاريخها في ذاتها أولا، ثم التبصر في إمكانية قبول حديثها وروايتها كحقيقة لاحقة وناتجة عن ذاتها ثانيا، إنما سارعوا إلى تكريس شخصية المتلمس من أجل أن يتسنى لهم إنشاء الرواية واستكمال القرائن التي تجعل من تلك الأسباب حكماً ناجزاً
(وصادف، أن الخيال الهامد سيقبل هذا السرد الهشّ لوقائع الأحداث روايات ابتكرتْ شخصية المتلمس من أجل الفتك بطرفة)
قيل، وضع الرواة الشاعر في قفص الإدانة بتهمة الاستهتار بالملوك وعدم احترامهم، صادرين دائما من رواية المتلمس، هذه الأكذوبة التي ستواصل سرد الأكاذيب، فيما هم يواصلون جمع القرائن، رواية بعد رواية وعصراً بعد عصر، دون العناية بشروط تماسك الروايات ومنطقيتها أدبياً وتاريخياً
(وصادفَ أن جميعَ الرواةِ كانوا، فيما يسردُون أسبابَ ضَغْنِ عمرو بن هند على طرفة وسعيه إلى تدبير قتله إنما يضمرون كراهيةً خارجةً عن حدودِ رواية الأخبار وسردِ الأحداث، ليبدو الأمر جمعاً للقرائنِ التي تُجيز الفتك بالشاعر وفي ذلك سلوكٌ قمينٌ بالقضاةِ والجلادينَ لا المؤرخين والأدباء)
قيل، هذه هي أسبابُهم التي توافقوا عليها، دافعين بها، مجتمعةً، بحيث إذا لم يُقنع سببٌ واحدٌ أقنعَ الثاني أو دعمه الثالث وبهذا يسوقون لنا تبريراً لغضبة الملك لئلا يفلت الشاعرُ من مصيره المحتوم
(وصادفَ أن أسباب غضب عمرو بن هند وقرائن الرواة الرائجة ضد طرفة كانت
الأول عدم تواضع طرفة، وتكبره واعتداده بنفسه في حضرة الملك
الثاني تغزله بأخت الملك
الثالث هجاؤه لعمرو بن هند وأخيه قابوس
الرابع وشاية عبد عمر بن بشر مستشار الملك بـالشاعر بسبب ما قاله في هجائه
الخامس مرافقة طرفة لعمرو بن أمامة، الأخ غير الشقيق للملك، إلى اليمن مناصرة له ضد أخيه)
لعمري، أن كل تلك الأسباب كفيلٌ الواحد منها بفضح جميع الملوك وهي كلها لا تسوّغ مصادرة حق شاعرٍ واحدٍ في حريته