ثمة رواية تقول إن قبيلةَ «بكر» اجتمعتْ على أن تطلبَ من طرفة أن يكون رسولها إلى بلاط «الحيرة». يسعى لدى عمرو بن هند الملك، بالدفع إلى استرضائه، للنظر بعين العدل إلى حال حيِّهم، زاعمين لطرفة أن ذلك من صُلب مهمات الشاعر في قبيلته. وليس من اللائق أن يتخَّلفَ عن ذلك، وعليه أن يرافق المتلمس الذي ظل يقصد بلاط الحيرة منفرداً. غير أن طرفة استنكر طلبَ «بني بكر» واسترابَ في مقاصدهم، وهُم الذين صنعوا به ما صنعوا. فلما أبلغ أمَّه بما يريده القوم. صرختْ برأسٍ محسورةٍ :
«يا ويلهم ويا ويلكَ معهم. إنهم يبعثون بك إلى مكيدةٍ دبروها مع الملك، فخذ حذرك من الجميع».
قيل فلم يذهب طرفة إلى الحيرة إلا لاهياً في حاناتها، أو ساعياً لتعلم الكتابة. وقيل إنه لم يزر بلاط الملك. فقد أدرك أن «بني بكر» لم تكن لتريد إنصافاً من عمرو بن هند، وهي من بين أكثر القبائل صلةٍ بالملك. ولديها من الامتيازات ما جَعلها شريكاً كاملاَ مع ملوك الحيرة، في اللطائم التي تجوبُ جزيرةَ العربِ والشامِ بالتجارةِ، الذين كانوا يحكمون ويملكون في آنْ. ولأن طرفة لم يقصد بلاط الحيرة، اعتبره عمرو بن هند شاعراً متكبراً ينزعُ إلى تمردٍ يصلُ حدَّ الاستهتار. وهذا سلوكٌ لم يعهده ملوكُ «الحيرة» ولا يقبلونه ولا يصبرون عليه. فما كان من الملك إلا أن حرّض «بني بكر» على شاعرهم، وزيّن لهم المزيدَ من الامتيازات والعطايا عندما يستكملون معه تلفيقَ ما يؤدي إلى النيلِ من الشاعر، بما يشي بأن طلب بني بكر من طرفة الذهاب الى بلاط الحيرة لم يكن سوى مشاركة واضحة في مؤامرة القصر لإخضاع الشاعر.