تعلمتُ الكتابةَ قبلَ أن أُحصي شروطَ الموتِ
صارتْ جنتي لغتي.
وجَدّي قادني في الأبجدية مثلَ مشكاةٍ.
وزَيَّنَ لي القراءةَ كالثمالة في مساء الكأس
قال: ابدأْ كتابَكَ بالحروف المشتهاة
اكتبْ كأنَّ الحرفَ طفلك
واجعلْ الباقي من الكلمات رفقتك الصديقة.
هذه لغةٌ تضاءُ وتُصطفى وتنوبُ عنا
كلما تُهنا بها.
افتح لها في قلبك السريّ مملكةً
لتحفظَ حقها في حبك. اصقلها بماء الروح،
واطلقْ في حجارتِها الكريمةِ شِعركَ المجنون،
واكتبْ باسمِها ما يجعلُ التأويلَ حُـراً كي ينوبَ عن الملاك.
وأنتَ تهذي بالمعاجم. تفتحُ القاموسَ كي تنسى
دَع الفوضى النبيّة في دليلَك كلما أبحرتَ
غُصْ حُراً وحيداً في وريدي
يا حفيدي
عندما تأتي بعيداً في قصيدتك الوحيدة نحو غيم النص
حين ترى الكتابةَ جنةً أعلى، وتنهالُ اللغاتُ عليكَ مثل الحلم
لا تخشَ المغامرةَ. انتعلْ برقاً
فدُرُّكَ في حديدي يا حفيدي
سوف لن يكتبْ سواكَ قصيدةً تحنو على غدرِ القبيلة
لا تخفْ
واقرأ كما يدعو الملائكةُ
انتبه واكتبْ كما يُملى عليك
وما يفيضُ الوحيُ فيكَ
هذه لغةٌ تَرى لكَ ما يُضيء وتصطفيك
اذهبْ بها حراً بعيداً
سوف يأتيك الملوكُ ويقتلونك
كنْ بعيداً في حِمى الكلمات،
وارسمْ في كتابك شرفةً، فالموتُ دونك
أطلقْ حروفَك غيمةً في وحشة الصحراء
تملكها وتؤنسُ روحَها وتصيرُ جيشاً واحداً
إقرأ لهم.
اكتب كتابَك في زجاج الرمل
وأتركْ في «النمارة» ما يفيضُ عن الإشارة
هذه لغةٌ تُحبُك كلما صليتَ في محرابِها
ستصدُّ عنكَ الموتَ
إقرأ غيمها. أكتب لها
أوصيكَ
يبقى الشِعرُ رَقشاُ في قميصِكَ كالشهادة
فليكن نقشاً على قداسها