هائمٌ،
عينان رمليتان. من أين جاء إلى أين يذهب. مشردٌّ سحقتْ أعضاءه كائنات الحنين. يتقدم بعينين محتقنتين لفرط الغبار. الحجر الضاري. يتعثر بقفطانه الطريّ عابراً أقدم المدن تضرعاً وأكثرها عتمة، باحثاً عن النجمة الضائعة. الرحيل حقيقته ودفتره مشحون بالتآويل. بالوهج المجهد في عينيه. يهم بالمديح فتطيش فلذات الهجاء في وجوه الملوك بلا فهرس ولا إشارة. حكمته فضيحة الخزف وهو يشفُّ تحت وطأة الجحيم. ليس ثمة مدينة تحسن القراءة ولا كتباً تشمل النشيد. عينان رمليتان لفرط التحديق في المفازات. أين يضع قدمه في أرخبيل الضباب. كلما طرقَ باباً اندلعتْ قصيدةٌ واشتعلتِ الكلمات في القمصان والقصص. كلما وضع قدميه الداميتين بالذعر في طينٍ يابسٍ تَفَجّرَ ماءٌ وانبثقتِ البقولُ والتراتيل.
يهرب، فتسبق الفصولُ خطواته. يترك أثرَه في العائلة ويتقمَّصُ السفر نحو أمكنةٍ وأوقاتٍ ليس لها خططٌ ولا أدلاء. هذا الذي هو في حلٍّ من البيت، له في كل خطوةٍ صِفةٌ ومعنى. يفيض على الآنية ويترنح خارجَ القبيلة ويخلبُ الناسَ. يحجبونه عن الماء والفئ في ظهيرة الرمل ويمنعون الفتية المأخوذين عنه. فيأخذه التحديقُ حتى يَطفُر الدمَ من عينيه. عيناه قنديلتان منذورتان للمحو. سهمانِ يذرعانِ المسافةَ بين البؤبؤ وبهجةِ الخيل.
من أين إلى أين.
يسألُ الشمسَ ويصغي لهمسَ البحرْ.