كيف يبدو الإمام الحسين في عدسة الآخر؟
د. نضير الخزرجي
المركز الحسيني للدراسات- لندن
يشعر المرء بالفخر حينما يتحدث الآخر من خارج إطاره العقيدي ، عن شخصية منه يتمثلها في حياته ، ويتخذها أسوة لمعاشه ومعاده ، ونكاد في كل شهر محرم من كل عام نسمع أو نقرأ عن عالم غربي ، أو مصلح شرقي يتناول الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المباركة ، بعظيم القول وجزيل المقال ، مثمنا فيه الروحية العالية التي أبداها في كربلاء ، بما جعله يقلب الموازين رأسا على عقب ، فصار السيف الذي ذُبح به الحسين (عليه السلام) وبالاً على من سلّه.
وإذا تابعنا نصوص أعلام الأمم الأخرى ، نجد أن كل علم تناول النهضة الحسينية من الزاوية التي ينطلق منها في حياته اليومية ، فكل رأى في الإمام الحسين صورته ، مما ينبئ عن عظيم النهضة الحسينية التي اجتمعت فيها كل قيم الخير ومثله ، مما خلق منها محطة تزود كل يأخذ منها زاده ووقوده ، ولا يزيدها الأخذ إلا زيادة في العبرة والإعتبار.
ومع أن النصوص تزداد كل عام بفعل زيادة قائليها، فان بعض النصوص احتفظت بحيويتها لأنها أتت من شخصيات لازالت إلى الآن مدار حديث الناس ، ومحط دراسة المؤسسات البحثية والدراساتية ، من قبيل المهاتما غاندي، أو لأنَّ النص حيوي بحد ذاته بما جعله يحتفظ بطراوته وحرارته ، أو أنَّ بعض الأمم لازالت مبتلية بساسة أو تيارات تجد في هذه النصوص شعارها ، لا سيما وأنها تستند إلى أسس النهضة الحسينية ، أو أنها تعبير عن شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) ، الذي أبان في حركته التصحيحية عن رغبة لدى الآخرين في تصحيح أوضاعهم ، بغض النظر عن الدين أو المعتقد ، باعتبار أن الإصلاح مسألة إنسانية عابرة للحدود ، كما أن الإنسان بطبعه ميال إلى التأسي بشخصيات الخير ، لأن الأصل في الإنسان الفطرة السليمة.
ومعظم النصوص جاءت من قراءات الآخر للإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته ، قراءة وجدانية كتعبير لا إرادي عن مكامن النفس الإنسانية المجردة عن التعصب الديني أو القومي ، ولذلك تأتي القراءة طاهرة وبريئة غير مؤدلجة ، يتقبلها المسلم وغير المسلم ، وفي بعض الأحيان تشعرك النصوص أن صاحبها يحاول التقرب أو التعرف على الإسلام من باب الإمام الحسين (ع) ، وإن لم تقد القراءة إلى تحول عما يعتقد القارئ إلى الإسلام ، بيد أن واقعة كربلاء فرضت عليه أن يتناغم معها وجدانيا ، وإن تقاطع عقيديا مع الإسلام، من هنا كان الإمام الحسين (عليه السلام) قتيل العَبرة والعِبرة وهما قيمتان لا تخلو أمة من نشدانهما فعلا أو قولا.
والجديد في هذا المضمار ، أننا بدأنا نسمع ونقرأ نصوصا في النهضة الحسينية ، متأتية من قراءة للنهضة الحسينية من خلال قراءة جانبٍ من جوانبها ، عبر ما يفيض به يراع البحاثة الدكتور الشيخ محمد صادق بن محمد الكرباسي في موسوعته العالية المضامين ، وهي دائرة المعارف الحسينية ، حيث يلجأ الكرباسي إلى إشراك علم من أعلام الإنسانية ، للكتابة عن جزء من أجزاء دائرة المعارف الحسينية التي نافت على الستمائة، وتتطلب هذه المقدمة تعرف العَلَم أكثر فأكثر على النهضة الحسينية ، ولذلك تأتي القراءة وجدانية وعلمية معاً ، وبالتالي يقدم الشيخ الكرباسي خدمة علمية كبرى ، بتقريب النهضة الحسينية إلى أعلام الإنسانية لقراءتها قراءة واعية ، من هنا فقد اجتمعت قراءات متعددة ومختلفة النواحي ، بادرت في كتابي الذي صدر حديثا (2010 م) بعنوان: "نزهة القلم: قراءة نقدية في الموسوعة الحسينية" إلى ضم 20 قراءة حديثة للإمام الحسين ونهضته ، وهذه القراءات ذات قيمة كبرى ، حيث أن أكثرها تعود لأكاديميين من ديانات وأجناس وأوطان مختلفة ، ومن الواضح أن الأكاديمي أقرب إلى العلمية منه إلى الوجدانيات ، وإذا تناول الحدث فيقدم عقله قبل قلبه ، وإذا والَفَ بينهما لأنه يجد في النهضة الحسينية ما يجمع بينهما ، وهذه واحدة من عوامل قوة واقعة كربلاء ، وتأثيرها على الصعد الإنسانية.
أعلام من فرنسا
البروفيسور بيير جون لويزارد (Pierre-Jean Luizard)وهو باحث ومستشرق مسيحي فرنسي متخصص بالتاريخ الإسلامي المعاصر في الشرق الأوسط ، من مواليد العاصمة باريس في العام 1954م ، له كتابات مختلفة عن العراق بعامة وكربلاء بخاصة ، يرى من خلال قراءته للواقع السياسي بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عام 61 هـ ، وهو في معرض الحديث عن كتاب "ديوان القرن الثاني الهجري" أحد أجزاء دائرة المعارف الحسينية: (إن الحزن الذي سبَّبه مصرع الإمام الحسين وأصحابه، ظل يرفد تياراً كبيراً من المتعاطفين مع أبناء علي، رغم جور السلطة الأموية خلال قرن كامل من حكمها، كما أنه لم يثن الأمة من المطالبة بالتغيير)، أنظر: نزهة القلم: 94. والبروفيسور لويزارد ، الأستاذ في المعهد الوطني الفرنسي للغات والحضارات الشرقية (-the Institute National des Langues at Civilizations Orientals -INALCO) في باريس ، إنما ينظر إلى الأمور فيما يقول ، ويسطِّر نظرة خبير ، فقد درس النهضة الحسينية وأثرها على التحولات التي جرت في التاريخ الإسلامي ، كما لا ينسى دور كربلاء في معظم الوقائع التي حصلت في العالمين العربي والإسلامي ، ولهذا كتب دراسة مفصلة عن تأثير كربلاء في التحولات التي جرت في العراق ، بعد الاستعمار البريطاني للعراق وقيام ثورة العشرين عام 1920 م ، بقيادة المرجع الديني الشيخ محمد تقي بن محب علي الشيرازي الحائري المتوفى سنة 1339 هـ ، وكان عنوان الدراسة التي نشرت عام 1996 م هو: (كربلاء: مركز الحكومة الثورية وعاصمة ثورة العشرين ونموذج الوطنية العراقية)، قدَّمها لندوة كربلاء العلمية التي عقدت في لندن في الفترة (30-31/3/1996 م) ، وكان لنا فيها دور في التحضير لها وعقدها في "صالون الكوفة" وإعداد وتحرير الكتاب الذي صدر عنها ، انظر: دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري: 429- 445.
كما لهذا المستشرق الفرنسي المعروف في الأوساط العلمية والأكاديمية في الدول العربية ، والعضو في مجموعة المجتمعات والأديان (Groupe Sociétés, Religions, Laïcités) (G.S.R.L) في باريس ، أكثر من دراسة وكتاب عن تاريخ العراق ودور المرجعية الدينية فيها، فله دراسة بعنوان: (العراق وتاريخ الإصلاح الإسلامي)، وله كتاب: (مسألة العراق)، كما له: (أخبار العراق الحديث: الدور السياسي لعلماء الشيعة في نهاية الهيمنة العثمانية وحتى إعلان الدولة العراقية).
البروفيسور بيير لوري (Pierre Lory)
ونتوقف مع نص فرنسي آخر ، يتناول النهضة الحسينية من منظار الشهادة الواقعية ، وهو يعقد مقارنة مع صلب السيد المسيح (عليه السلام) كما في العقيدة النصرانية ، وهو نص يتشوف في محبي أهل البيت (عليه السلام) تطلعهم إلى استقبال الإمام المنقذ ، يقول البروفيسور بيير لوري (Pierre Lory) ، أستاذ العلوم الدينية والتصوف في جامعة السوربون الفرنسية ، والمولود في باريس سنة 1952 م في أسرة كاثوليكية ، وهو يعلق على كتاب "ديوان القرن الثالث" من دائرة المعارف الحسينية: (يبدو لنا بشكل عام أننا نخطئ خطأً كبيراً حين نقارن بين إحياء الشيعة لمعاناة الحسين ، وبين آلام المسيح عند النصارى ، لأن هناك حتما نقاط اختلاف ، فالشهادة في الوعي الإسلامي تحمل قيماً عالية ، وهي تمحو ذنوب الشهيد وتمنحه ثواباً أبدياً.. ومعاناة الحسين وقتله ، جعلت منه شهيداً في عليين وشفيعاً لأتباعه المخلصين ، ومن يحبه ومن يتبعه بشكل خاص ، هنا لا تصح المقارنة ، لأن آلام المسيح قد اكتسبت صفاتها المذكورة عند المسيحية باعتباره ابن الربّ ، وهذا المفهوم غريب على الوعي الإسلامي الذي يرفض حتى موت المسيح- القرآن: سورة النساء: 157-158)، انظر: نزهة القلم: 123.
وعن الشهادة ومعناها في ضمير المسلمين ، يؤكد البروفيسور بيير لوري صاحب كتاب "تدبير الإكسير الأعظم عند جابر بن حيان" وهو في معرض التفريق بين التشهد بالشهادتين ، والشهادة بالتضحية: (أما الشهادة بمعناها الآخر فتختلف تماما وهي أن يكون الإنسان مستعداً لتقديم حياته من أجل عقيدته، فرسالة الله ليس لها معنى في أفواه الناس إلا عند هؤلاء الذين يجعلون من الحسين أسوة لهم، يجاهدون في سبيل الله من أجل العقيدة، ويكشفون القناع عن الكفر في الوقت نفسه)، نزهة القلم: 124، ويقرر في ختام قراءته الأدبية للقصائد التي نظمها شعراء القرن الثالث الهجري في الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المباركة: (إن الإطار الخلفي لهذه المقاطع الشعرية ليس فقط الحزن والإحباط، فإن كل العذابات المنتجة لهذا النوع من الأدب تقف وراء أفق أخروي، ألا وهو قدوم الإمام الشرعي، حامل الحق الذي يأتي ليُظهر المعنى الحقيقي للبلاء الذي يعيشه المؤمنون. ومعركة كربلاء تشكّل رواية المأساة، وليس فاجعة، لأنها ما فتئت تكثف الإنتظار للوعد السرمدي)، نزهة القلم: 125.
ومرة أخرى نقف أمام نصٍّ فرنسي للدكتورة صابرينا بنت ليون ميرفن (Dr. Sabrina Leon Mervin)، المولودة في أسرة مسيحية في باريس سنة 1958 م ، وهو نص نابع من باحثة ومحققة نالت الدكتوراه في الدراسات العربية ، من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس (the Institute National des Langues at Civilizations Orientals) عام 1998 م ، فعند تناولها الجزء الأول من كتاب "الحسين والتشريع الإسلامي" أحد أجزاء دائرة المعارف الحسينية ، تجزم من خلال دراستها لواقع الإسلام والتشيع بحكم عملها كمديرة أبحاث في مركز الدراسات التخصصية والدينية في باريس (Le Centre d'Etudes Interdisciplinaires des Faits Religieux): (إن الحسين بن علي لعب دوراً له صداه في تاريخ أصول التشيع، فلم يحتل مكانه في سلسلة أئمة أهل البيت فقط، بل أنه منح باستشهاده كل المعاني للحركة الدينية التي أنشأتها أسرته، كما أن الإمام الحسين قد أصبح رمزاً مقدساً، بخاصة عند الشيعة، وهذا واضح من خلال الشعائر الحسينية والمجالس والمواكب والزيارات)، نزهة القلم: 393.
وتعتبر الدكتورة صابرينا ميرفن صاحبة كتاب "تاريخ الإسلام: الأصول والمذاهب" ، وكتاب "الإصلاح الشيعي: علماء ورسائل جبل عامل منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية ولغاية استقلال لبنان" ، إن حدث واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته وأصحابه بالصورة المفجعة: (يعتبر هذا الحدث في نظر التاريخ زمناً متجدداً في التشيع ، بل أكثر من ذلك ، فإن عملية استشهاد الحسين تشكل قصة أساسية. ألم يقال بان الحسين قد أحيا دين جده بمأساة كربلاء؟ فهي في كل سنّة تُمثَّل وتُعاش وتُصاغ خلال إحياء (عاشوراء) ، وقد شكلت في ذاكرة المجتمع الشيعي الذي أعطته السلوك المثالي نموذجا للحياة السياسية ، ومجموعة من القيم الأخلاقية التي يجب إتباعها ، وكل هذا من خلال شخص الإمام الحسين)، نزهة القلم: 395.
وللآشوريين رأيهم
وللآشوريين وهم من الأديان والأقوام القديمة على البسيطة ، رأيهم في الشهادة الحمراء في كربلاء ، يعبر عنها ثلاثة أعلام روسيّان وعراقي.
البروفيسور قسطنطين ماتفييف بيتروفيج (Kostantin Matveev Petrovic)
من العاصمة الروسية موسكو حيث مات فيها عام 2008 م ، يحدثنا البروفيسور قسطنطين ماتفييف بيتروفيج (Kostantin Matveev Petrovic) المولود في مدينة فورونيز (Voronezh) على بعد 500 كم جنوب موسكو عام 1934 م ، عن قراءته لواقعة كربلاء ، بخاصة وقد عمل بحكم وظيفته الأكاديمية لأكثر من ثلاثة عقود في استقبال الطلبة من كل أنحاء العالم ، بما فيه العالم العربي ، يعرفهم على تاريخ وروسيا ويتعرف على تاريخهم ، إذ كان يجيد العربية ، حيث عمل مدرساً للعلوم الإسلامية واللغتين العربية والإنجليزية في معهد الصحافة بموسكو منذ عام 1973 م ، فقد كتب وهو في معرض التعليق على الجزء الأول من "ديوان الأبوذية" من دائرة المعارف الحسينية ، بعد أن استعرض جانبا من وقائع المعركة في كربلاء: (وهكذا، فقد استشهد الإمام الحسين استشهاد الأبطال، وقد حدث ذلك في العاشر من محرم عام (680 م)، وكان لمقتله بهذه الطريقة البشعة والبربرية النكراء، نتائج وآثار سياسية ودينية كبيرة على مسلمي العالم أجمع .. وأصبح مقتل الإمام الحسين بشكل دموي، لا لشيء إلا لأنه أراد أن يُرسي قواعد الحق والعدالة ويُعيد سيرة جده رسول الله، رمزاً لنضال المسلمين الشيعة في سبيل مستقبل واعد وخيّر، وهم يحافظون اليوم على مبادئ واسم الإمام الحسين بكل أمانة وثقة واعتزاز)، نزهة القلم: 204.
ويرى البروفيسور قسطنطين ماتفييف ، الذي لم يكل عن طلب العلم رغم كبر سنّه ، حيث زاملته الدراسة في كلية بيركبيك (Berkbick College) في جامعة لندن (University of London) ، في الفترة (1995-1997 م) ونلنا معاً الدبلوم في الشريعة والتاريخ الإسلامي ، وكان وقتها يرأس مؤسسة الآشوريين اللاجئين في بريطانيا ، يرى: (ومن خلال الحسين ومأثرته، ظهرت عظمة شخصيته واتساع فكره الجهادي وذلك بتقديم نفسه وأهله قرابين لمصلحة الأمة الإسلامية والشيعة على وجه التحديد . ومنذ ذلك الوقت ولحد الآن ، يعتبر الشيعة الإمام الحسين المدافع الحقيقي عن الأمة ، والإنسان الذي امتلك الإرث الإلهي والخصال المحمدية ، والبعيد كل البعد عن أية طموحات سياسية ، والساعي لإحياء وإنهاض دين جده النبي محمد)، نزهة القلم: 204-205.
الدكتور دانيال بن إسحاق أوديشو (Dr. Daniel Isaac Odishu)
أما الدكتور دانيال بن إسحاق أوديشو (Dr. Daniel Isaac Odishu) ، المولود في العراق عام 1947 م ، والمتوفى في مدينة كارديف البريطانية عام 2002 م ، وهو مسيحي آشوري نسطوري ، لا يختلف وهو يكتب عن الإمام الحسين (عليه السلام) مقدما للجزء الثاني من "ديوان الأبوذية" من دائرة المعارف الحسينية ، عن أي كاتب مسلم محب لأهل البيت عليهم السلام ، فيراعه يسطّر بما يعتقده ، وإن كان على معتقد النبي عيسى (عليه السلام) بخاصة ، وأنه عاش شبابه في العراق واحتك بالشعائر الحسينية ، وعرف الإمام الحسين (عليه السلام) عن قرب ، فكتب يقول: (للإمام الحسين (عليه السلام) مكانة ومنزلة رفيعة لا يرقى إليها سوى منزلة ومكانة أبيه وأمه وأخيه الإمام الحسن (عليه السلام) والأئمة من ولده عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، ولو بذل المؤرخون المساعي المناسبة ، والجهد المطلوب لكتابة وتدوين أوليات ما يحظى به الإمام الحسين (عليه السلام) ، من مقام رفيع ومكانة سامية ، لخرجوا بأسفار ضخمة في هذا المجال ، فالقرآن الكريم - تلك الوثيقة الإلهية العظمى- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، يشهد عن الشوط البعيد الذي قطعه الإمام الحسين (عليه السلام) من درجات السمو ، والنبل الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى ، فهو واحد من أهل البيت النبوي الذين نزل في حقهم قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) سورة الأحزاب: 33، والآية الكريمة: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) سورة الشورى: 23، فمن خلال هذه الآيات الكريمة تظهر مكانة الحسين (عليه السلام) وأهل البيت ومنزلتهم عند الله تعالى) نزهة القلم" 318-319.
وبعد صفحات من الحديث عن السيرة الحسينية ، من باحث آشوري نال الدكتوراه عام 1991 م من جامعة ويلز (University of Wales) ، عن أطروحته المعنونة: النقوش الآرامية في مدينة الحضر – العراقية - (The Aramaic of Hatra) ، يصل إلى واقعة كربلاء وما جرى فيها ، فيكتب: (لقد استحالت صفحات جسده الطاهر كتاباً من مدامِ دم ، وكتبت أقدس مواقف البطولة والشرف ، حيث قرئت تلك الحروف الجراح فكانت 67 حرفاً ، ثلاثاً وثلاثين طعنة رمح ، وأربعاً وثلاثين ضربة سيف ، ومنذ ذلك اليوم ولمدة أربعة عشر قرناً ، نظم الشعراء القوافي وراحوا يرثون الحسين ويندبونه ، وأجمل ما في هذا الأشعار، المراثي التي تُتلى في ذكرى استشهاد الحسين (عليه السلام) سنوياً في مدينة كربلاء) نزهة القلم: 329، وهذه إشارة لما ورد في تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4/344: "كان عدد جراح الحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة رمح وأربعاً وثلاثين ضربة سيف".
الباحث مارونا بن بنيامين أرسانيس (Marona Benjamin Arsanis)
ومن العراق ننتقل إلى موسكو ثانية ، حيث يكتب الأديب والرسام والمترجم والإعلامي الآشوري المولود في مدينة أرومية الإيرانية سنة 1918 م ، والمتوفى في موسكو عام 2001 م ، الباحث مارونا بن بنيامين أرسانيس (Marona Benjamin Arsanis) وهو يقدم للجزء الثالث من "ديوان الأبوذية" من دائرة المعارف الحسينية ، يكتب وهو يعلق على ما يشاهده من تقديس الأدباء والشعراء للإمام الحسين وتضحياته: (ولاشك أنه- الحسين- قدوة في سبيل ترسيخ المبادئ الحقَّة، فنهض لإنقاذ المظلوم من يد الظلم والجور) نزهة القلم: 349.
وللهندوس نظرتهم
المهاتما غاندي موهنداس بن كرمشاند (Mohandas Karamchand Gandhi)
إذا اشتهر على الألسن عن المهاتما غاندي موهنداس بن كرمشاند (Mohandas Karamchand Gandhi) (1869- 1948 م) قوله: (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر)، فإن الدكتور رام روشن جي بن لالجي كمار (1915- 2006 م) المولود في دلهي والمتوفى في لاهور ، وهو أديب هندوسي ، خبير بالتاريخ الإجتماعي والأدبي لشبه القارة الهندية ، كتب وهو يقدم للجزء الأول من كتاب "معجم المصنفات الحسينية" من دائرة المعارف الحسينية: (أنا لست بمسلم ولكنني مسلم، أنا مسلم للحسين (ع)، مسلم للإمام العظيم الذي أرانا طريق الإنسانية ، وأرشدنا الطريق الذي يوصلنا إلى منزل الحرية ، حيث قال لأعدائه :إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم) نزهة القلم: 273.
ويعبر الدكتور لالجي كمار ، صاحب كتاب "تاريخ الهند" ومؤلف كتاب "تاريخ ارتقاء الأدب الأوردوي في آسيا" ، عن قناعته التامة : (إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان إنسانا صادقا صالحا وطاهر القلب ، إنسانا كاملا، ورهن كل حياته للإنسانية وفدى نفسه لأجلها، ولو لم تكن فديته في صحراء كربلاء ما كنا نعرف للإنسانية معنى ، ولذلك نستطيع أن نقول أنه محسن للإنسانية ، ومادامت هذه الدنيا باقية ، فسيبقى ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) حيّاً ولا يموت ، بل وكل إنسان في العالم البشري يؤمن بقيادته الغرّة) نزهة القلم: 273-274.
البروفيسور نويل بن كيونتون وليام كنغ (Noel Quinton William King)
وللسيخ فكرتهم
يعتبر البروفيسور نويل بن كيونتون وليام كنغ (Noel Quinton William King) ، وهو من الروحانيين والأكاديميين السيخ ، المولود في مدينة تاكسيلا بباكستان سنة 1922 م ، والمتوفى في مدينة كورالتوس (Corralitos) بكاليفورنيا عام 2009 م ، أن العالم الغربي بدأ يتعرف على الإمام الحسين (عليه السلام) وتراثه.
وعندما أخذ يقدم للجزء الأول من "معجم الشعراء الناظمين في الحسين" من دائرة المعارف الحسينية ، استوقفه التراث الحسيني فكتب : (إن الوقائع والإنجازات الفكرية التي نتجت من التراث الحسيني ، تعود إلى الأصول المبكرة والبدايات الأولى للخليقة وتمتد إلى الأبد ، ولقد تركت آثارها على كل شيء بشكل عام) نزهة القلم: 297.
وعبر البروفيسور والقديس السيخي نويل عن قناعته بأن: (الموسوعة الحسينية سوف تعزز قطاعا واسعاً من المعرفة الإنسانية بانضمامها إليها، وستدفعها قُدما إلى الخطوات اللاحقة ، التي ستبعث فينا الثقة بأن الله غرس فينا ما يمكّننا من الاستمرار لنجد طريقنا نحو الحقيقة ، وفهم حكمة الله في العالم، على الرغم من كل المصاعب) نزهة القلم: 298.
وهذه قراءة مستقبلية بدأت تأتي أكلها في عالم الغرب ، الذي راح يتعرف على مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) الحقَّة ، في الحرية والإنعتاق من ربقة الجبت والطاغوت ، بخاصة وأن البروفيسور نويل اختص باللاهوت ومقارنة الأديان ، وترك مؤلفات عدة كتبها بمفرده أو مشتركا ، منها: الأديان في أفريقيا .. الحج نحو الأديان التقليدية (Religions of Africa: a pilgrimage into traditional religions)، المسيحيون والمسلمون في أفريقيا (Christian and Muslim in Africa) ، وقصائد في رحيل النبي محمد (A poem concerning the death of the prophet Muhammad).
البروفيسور يان بن آرفيد هنينغسون (Jan Arvid Henningsson)
وللكنيسة السويدية رأي
هل يمكن أن يكون الإمام الحسين (عليه السلام) جسراً بين الإسلام والمسيحية؟ هذا السؤال يجيب عليه البروفيسور يان بن آرفيد هنينغسون (Jan Arvid Henningsson) المولود في مدينة آبسالا (Uppsala) السويدية سنة 1950 م ، فهو بحكم عمله كأمين عام للجنة الفكرية في مجلس الكنائس السويدية في مدينة آبسالا ، يؤمن أن: (الحسين ليس مظهراً للسلطة السياسية والعسكرية، حيث انه في الوقت الذي لا يطالب بالسلطة فإنه لا يتنازل عن المعارضة والمقاومة، من هنا فإن الحسين امتلك بنهضته وشهادته قدرة عظيمة للغاية، للحوار بين المسيحية والإسلام. بالفعل يمكن أن يصبح الحسين جسراً – حلقة وصل- بين المسيحيين والمسلمين) نزهة القلم: 142.
ويضيف البروفيسور هنينغسون السويدي المسيحي المعتقد ، والمستشار السابق لوزارة الخارجية السويدية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وأستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة آبسالا ، وهو في معرض التقديم للجزء الأول من "ديوان القرن الرابع" من دائرة المعارف الحسينية، إن: (بعض التقاليد والرموز الإسلامية تكون قريبة لقلب المسيحيين ، فعلى سبيل المثال ، فإن من تلك الرموز ، شخصية سبط الرسول محمد ، الحسين بن فاطمة تلك المتألقة ، وابن ذلك المكافح الحكيم الخليفة علي . هذه مشاعرنا نحن المسيحيين تجاه الحسين أولا ، والمأساة التي أدت إلى استشهاده وظروفها ثانيا) نزهة القلم: 141.
البروفيسور كودمار بن كرستينا أنير (Gudmar Kristina Aneer)ومن السويد أيضا يعتقد البروفيسور كودمار بن كرستينا أنير (Gudmar Kristina Aneer) ، المولود في مدينة تيروباتور (Tirupattur) شرق الهند عام 1942 م ، وأستاذ علم الأديان في جامعة هوغسكولان دالارنا (Högskolan Dalarna University) في مدينة دالارنا وسط السويد ، أنه: (ستبرز الموسوعة أهمية معاناة الإمام الحسين ، وأهمية التكفير عن الخطايا التي ارتكبها الكثير من المسلمين ، في فهمهم للإمام ومعاناته) نزهة القلم: 163، وهذه قراءة واعية للبروفيسور أنير عن مستقبل النهضة الحسينية وهو يقدم للجزء الثاني من "ديوان القرن الرابع" لاسيما وإن شهادة الدكتوراه التي حصل عليها من جامعة آبسالا (Uppsala University) عام 1973 م ، كانت في موضوعة: (الإلهيات: الإختلاف بين الأديان: الإسلام والهندوسية والمسيحية والزرادشتية).
البروفيسور آيان بن كيث أندرسون هوارد (Ian Keith Anderson Howard)
إدراك منقوص!
وينتقد البروفيسور آيان بن كيث أندرسون هوارد (Ian Keith Anderson Howard) المولود عام 1939 م ، في مدينة لانيلّي (Llanelli) جنوب مقاطعة ويلز (South Wales) في المملكة المتحدة ، وهو يقدم لـ "ديوان القرن الخامس" من دائرة المعارف الحسينية، النظرة السلبية لبعض علماء الغرب تجاه واقعة كربلاء ، ويرى أنهم: (ينظرون إلى واقعة كربلاء كثورة غير مجدية، ويضعِّفون صلتها بالتاريخ الإسلامي، وعلى كل حال ، فإن هذا التصور يعبر عن سوء فهم عجول للعقيدة الإسلامية ، ولشخصية الإمام الحسين) نزهة القلم: 181.
ويؤكد البروفيسور آيان هوارد المحاضر في اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة بريستول (Bristol University) ، حتى تقاعده عام 2005 م ، ويسكن حاليا في نيو بورت (New Port) بمقاطعة ويلز (Wales) ، وهو من الرومان الكاثوليك ، إن: ( ثورة كربلاء ، ثورة فيها عمق سياسي كبير ، أثبتت إمكانية قيام ثورة إسلامية في أي عصر ومصر ، وذلك تبعاً لرغبة المجتمع في التخلص من الظلم والعودة إلى حظيرة العقيدة .. وشعار: يا لثارات الحسين ، حي إلى يومنا هذا ، ويترجم في كل مكان وحين ، فبمجرد أن يشار إلى حاكم ظالم أنه يزيد عصره ، فالشعار يمكن أن يكون إشارة نفاذ أيام حكمه.. وان ذكرى عاشوراء تساهم في إحياء العقيدة في النفوس) نزهة القلم: 182.
إن مجموعة الآراء لأعلام من جنسيات وأديان ومذاهب ، من أقطار الأرض تحكي عن حقيقة النهضة الحسينية وديمومتها ، وتأثيرها المستمر على المجتمعات البشرية في أصقاع الأرض ، وكلما استطاع المحبون أن يعرضوا واقعة كربلاء برسالتها الإصلاحية ، أمكن تجسير العلاقات بين الإسلام وجميع الأديان السماوية والأرضية ، وتقريب رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) المتصلة برسالة جده محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الأذهان، لأن الفطرة التوّاقة إلى الخير والإصلاح ، وسعادة البشرية ، هي فطرة نقية تشترك فيها البشرية جمعاء ، بقطع النظر عن كل الفوارق الدينية والمذهبية والجنسية والعرقية. جريدة صدى الروضتين، العدد: 154، كربلاء المقدسة- العراق.
---------------------------------