> محمد مهدي مصطفى مدير عام التفتيش
نعرض اولا النصوص التشريعية للرشوة كما وردت في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته النافذة ثم ننتقل الى تمهيد عام عن الرشوة وطبيعتها نتناول بعد ذلك الرشوة بفصلين نخصص أولهما لأركان الرشوة على ان يكون ثانيهما لعقوبتها .
نصوص تشريعية المادة 307
1. كل موظف او مكلف بخدمة عامة طلب قبل لنفسه او لغيره عطية منفعة او ميزة اووعداً من ذلك لاداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجبات الوظيفة يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على عشر سنين او بالحبس والغرامة على ان لاتقل عما طلب او اعطى او وعد به ولاتزيد بأي حال من الاحوال على خمسمائة دينار .
2. وتكون العقوبة السجن مدة لاتزيد على سبع سنوات او بالحبس اذا حصل الطلب او القبول او الاخذ بعد اداء العمل او الامتناع عنه او بعد الاخلال بواجبات الوظيفة بقصد مكافأة على ما وقع من ذلك.
المادة 703
كل موظف او مكلف بخدمة عامة طلب او قبل لنفسه او لغيره عطية او منفعة او وعداً بشيء من ذلك لاداء عمل او الامتناع عن عمل لا يدخل في اعمال وظيفته ولكنه زعم ذلك او اعتقده خطأ يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات او الحبس والغرامة على ان لا تقل عما طلب او اعطي او وعد به ولاتزيد بأي حال من الاحول على خمسمائه دينار.
المادة 309
تسري احكام المادتين السابقتين ولو كان الموظف او المكلف بخدمة عامة يقصد عدم القيام بالعمل او عدم الامتناع عنه وعدم الاخلال بواجبات وظيفته.
المادة 310
كل من اعطى او قدم او عرض او وعد بان يعطي لموظف او لمكلف بخدمة عامة شيئا مما نص عليه في المادة 308 عد راشيا.
وكل من تدخل بالوساطة لدى الراشي او المرتشي لعرض رشوة ولطلبها او لقبولها او لاخذها او الوعد بها عد وسيطاً.
ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة قانوناً للمرتشي.
المادة 311
يعفى الراشي والوسيط من العقوبة اذا بادر بابلاغ السلطات القضائية الادارية بالجريمة او الاعتراف بها قبل اتصال المحكمة بالدعوى.
ويعتبر عذراً مخففاً اذا وقع الابلاغ او الاعتراف بعد اتصال المحكمة بالدعوى وقبل انتهاء المحاكمة فيها.
المادة 312
يعاقب بالحبس :-
1. كل من طلب او اخذ عطية او منفعة او ميزة بزعم انها رشوة لموظف او مكلف بخدمة عامة وهو ينوي الاحتفاظ بها لنفسه.
2.كل شخص اخذ العطية او المنفعة او الميزة او قبل شيئا من ذلك مع علمه بسببه ولو لم يكن الموظف او المكلف بالخدمة العامة المقصود بالرشوة قد عينه او قد علم به مالم يكن وسيطاً بالرشوة.
المادة 313
يعاقب بالحبس والغرامة كل من عرض رشوة على موظف او مكلف خدمة عامة ولم تقبل منه .
المادة 314
يحكم فضلاً عن العقوبات المبينة في مواد هذا الفصل بمصادرة العطية التي قبلها الموظف او المكلف بخدمة عامة او التي عرضت عليه.
تمهيد عام عن الرشوة وطبيعتها
الرشوة في مفهومها الاصلي عبارة عن اتجار موظف في اعمال وظيفته عن طريق الاتفاق مع صاحب الحاجة او التفاهم معه على قبول ما عرضه الاخير من فائدة او عطية نظير اداء او الامتناع عن اداء عمل يدخل في نطاق وظيفته او دائرة اختصاصه وبناءا عل هذا التصور فان الرشوة في جوهرها جريمة خاصة (بالموظف العام) على اساس ان تمتعه بسلطات الوظيفة يعطيه وحده قدرة الاتجار فيها وبالتالي فان هيبة الوظيفة ومقتضيات حسن سيرها تمنعانه من طلب الرشوة او قبول الوعد باعتبارهما صورتين اصليتين للاتجار بالوظيفة العامة.
يسود التشريعات الحديثة اتجاهان بصدد جريمة الرشوة على حسب الاتجاه الاول ثمة جريمة يسأل عنها الموظف المرتشي وثمة جريمة يسأل عنها الراشي ويطلق الفقه على جريمة المرتشي تعبير ( الرشوة السلبية ) ويصطلح على جريمة الراشي ( بالرشوة الايجابية) ومن هذا الاتجاه القانون الفرنسي والقانون الالماني والمغربي وعلى حسب الاتجاه الثاني تعتبر جريمة الرشوة واحدة وهي جريمة المرتشي اما الراشي فشريك في الرشوة يستمد اجرامه من اجرام الفاعل الاصلي ومن هذا الاتجاه القانون الايطالي والقانون المصري والقانون السوري والقانون العراقي .
ووجه الفرق بين الاتجاهين يبدر في حالة عرض الرشوة على موظف فيرفضها فعلى مقتضى الاتجاه الاول يعاقب الراشي عن جريمة رشوة ايجابية على حين معاقبته على مقتضى الاتجاه الثاني ان جريمة الرشوة لاتقع الا من موظف اما غير الموظف فلا تسأل الا بصفة شريك في رشوة الامر الذي تلافاه المشرع العراقي بنص خاص ( 313 ) عقوبات بمقتضاه يعاقب من يعرض رشوة على موظف او مكلف بخدمة عامة فلا تقبل منه وذلك بوصف الواقعة جريمة خاصة قائمة بذاتها .
جريمة الرشوة اذاً جريمة واحدة ركنها الاساسي هو الموظف العام المرتشي فهي في الاصل جريمته وهي جريمة فاعل متعدد يعتبر صاحب الحاجة او الراشي عنصراً ظرورياً لتحقيقها ولابد من الاشارة هنا الى حالة الطلب الخائب للرشوة من جانب الموظف اي الطلب الذي لم يصادف قبولاً من جانب صاحب الحاجة اذ وفقا لمذهب وحدة الرشوة يقف عقاب الموظف عند حد الشروع بينما تتحق به جريمة تامة وفقا لمذهب ثنائية الرشوة .
ذلك ما تقضي به القواعد العامة في المسألة الجنائية .
الفصل الاول اركان الرشوة
لاخلاف حول تحديد اركان جريمة الرشوة فالفقه متفق على جوهر الركن المادي لجريمة الرشوة وهو فعل مادي قوامه ان يطلب الموظف او من حكمه هديه او يقبل وعدا بها سواء لنفسه او لغيره نظير ان يقوم بعمل او ان يمتنع عن عمل يدخل في اختصاصه وبينما يشكل القبول او الطلب موضوع نشاط وتشكل الهدية او الوعد بها محل الركن المادي فان مقابل المحل هو العمل او الامتناع الذي يدخل الاختصاص الفعلي للمرتشي ومن النشاط والمحل والمقابل يتكون الركن المادي . كما لاخلاف حول الركن المعنوي وهو القصد الجنائي انما الخلاف حول صفة المرتشي اي صفة الموظف العام او من في حكمه وهل تشكل هذه الصفة ركناً مستقلاً في جريمة الرشوة يضاف الى الركنين المادي والمعنوي فتصبح اركان الرشوة ثلاثة ام ان هذه الصفة تدخل في الركن المادي نفسه كامر مفترض فيه ؟وهو خلاف نظري محض لا تاثير له طالما يتفق الرايان على ضرورة توافر صفة الموظف العام او في حكمه .
ومما تقدم نستخلص اركان جريمة الرشوة وهي ثلاثة : ركن خاص يتمثل في صفة الجاني ويصطلح بعض الفقه بالعنصر المفترض وركن مادي يتمثل في النشاط الاجرامي وركن معنوي يتمثل في القصد الجرمي وسنتناولها بثلاثة مباحث تباعاً .
المبحث الاول الركن الخاص
الموظف المختص او المكلف بخدمة عامة
لايكفي لان يتحقق الركن الخاص في هذه الجريمة ان يكون الجاني موظفاً او مكلفاً بخدمة عامة ،انما يلزم فضلا عن ذلك ان يكون العمل ضمن اختصاصه .
جريمة الرشوة تستند الى فكرة الاتجار باعمال الوظيفة وتفترض ان يكون الفاعل فيها موظفاً او مكلفا بخدمة عامة وعلى حسب المادة (19) عقوبات يعد الموظف مكلفا بخدمة عامة فهي تفي على انه (المكلف بخدمة عامة : كل موظف او مستخدم او عامل انيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها او الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء واعضاء المجالس النيابية والبلدية كما يشمل ذلك المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين والمهنيين والحراس القضائيين واعضاء مجالس ادارة ومديري مستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشات التي تساهم الحكومة او احدى دوائرها الرسمية او شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة بأجر او بغير اجر .
ولايحول دون تطبيق احكام هذا القانون بحق المكلف بخدمة عامة انتهاء وظيفته او خدمته او عمله متى وقع الفعل الجرمي اثناء توافر صفة من الصفات المبينة في هذه الفقرة.
والجريمة بهذا المعنى تدخل في طائفة (جرائم ذوي الصفة) التي تخضع لاحكام خاصة لعل اهمها انه لايتصور ان يعد فاعلا رئيسيا لها والا من يحمل الصفة التي يشترطها القانون اما من لا يحمل هذه الصفة فيجوز ان يكون مساهماً فيها او فاعلاً ضرورياً مع من يحمل تلك الصفة .
الاختصاص في العمل
يلزم بالاضافة الى صفة الموظف او المكلف لخدمة عامة بالفاعل ان يكون العمل المطلوب القيام به او الامتناع عنه داخلاً في اختصاص الموظف او المكلف بخدمة عامة ويقصد بألاعمال الوظيفية جميع الاعمال الداخلة في نطاق الاختصاص القانوني للوظيفة التي يكون الموظف مكلفاً بها . فلا تقع الجريمة مالم يزعم الموظف اختصاصه بهذا العمل كذلك لا يشترط لاعتبار الموظف مرتشياً ان يكون العمل الذي يطلب منه القيام به داخل في نطاق وظيفته بصورة مباشرة بل يكفي ان يكون على علاقة بها . يقدم له فهذا الطاهي يعد مرتشياً ولو لم يكن عضوا في لجنة المشتريات لانه بحكم عمله هو اول من يستبين فساد اللحم من عدمه وبناءا على ذلك وعلى فرض ان اللحوم في المثال السابق التي قدمت بشأنها الرشوة ليست فاسدة فذلك لا تأثير له في قيام جريمة الرشوة.
الموظف الفعلي
تثور نظرية الموظف الفعلي عند البحث حول مدى امكانية توافر جريمة الرشوة من موظف لم يصدر قرار بتعيينه او صدر هذا القرار باطلا او توقفت علاقته بالدولة لفترة مؤقته انقطعت بصورة نهائية.
ذهب رأي الى انه يلزم بداهة لاكتساب صفة الموظف العام ان يكون قرار التعيين في الوظيفة صحيحاً لصدوره ممن يملكه طبقاً للاوضاع التي يحددها القانون وبالتالي فان بطلان القرار الصادر بتعيين الموظف يحول دون تطبيق احكم الرشوة عليه.
وينتقد البعض بحق هذا الراي اذ يرى فيه تقيدا بالفكرة الادارية للموظف العام دون اهتمام بالفكرة الجنائية له فتحديداً المقصود بالموظف العام انما يتوقف على العلة التي تقف وراء تجريم الرشوة وهي حماية الوظيفة ومقتضيات الثقة فيها.
الموظف الحكمي
لم يقصر المشرع جريمة الرشوة على الموظف العام بل اضافة فريقاً من الافراد معتبرهم في حكم الموظفين العموميين تحقيقاً للغاية من تجريم الرشوة على اوسع نطاق لذلك لابد من التقيد باحكام المادة (19) من قانون العقوبات النافذ لهذا الغرض دون التقيد باحكام الوظيفة العامة وتعريفها كما وردت في القانون الاداري.
والملاحظ ان الحكم المتقدم لم يقتصر على القانون العراقي بل ورد النص عليه في قوانين العقوبات للدولة الاخرى كما جاء (351) من قانون العقوبات.
الزعم بالاختصاص او الاعتقاد به خطأً
تنص المادة (308) عقوبات على ان( كل موظف او مكلف بخدمة عامة طلب او قبل لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او دعا بشيء من ذلك لاداء عمل او الامتناع عن العمل لايدخل في اعمل وظيفته ولكن زعم طلب او اعتقد خطأ يعاقب مدة لاتزيد عن سبع سنوات او الحبس او الغرامة على ان لاتقل عما طلب او اعطي او وعد به ويزيد بأي حال من الاحوال على خمسمائة دينار).
من هذا النص يبدو ان الشرع لا يشترط في جريمة الرشوة ام يكون العمل مطلوب اداؤه او الامتناع عنه داخلاً في اختصاص الوظيفة التي يتقلدها الموظف بل يكفي ان يزعم الموظف او ان يعتقد خطأ بان العمل من اختصاصه فهو في هذه الحالة يجمع في سلوكه بين الغش والرشوة ونلفت النظر الى ان الزعم هنا لايراد به الاحتيال اذ لايشترط ان يقترن بطريقة احتيالية فالمطلوب في جريمة الرشوة زعم مجرد او غير مدعم بوائع تؤيده بصرف النظر عن اعتقاد صاحب الحاجة فيما زعم الموظف ويتوافر الزعم ولو لم يفصح به الموظف صراحه بل يكفي ان يبدي الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لايدخل اختصاص وظيفته باعتبار ان سلوك الموظف يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.
البحث الثاني الركن المادي
يتحقق الركن المادي في جريمة الرشوة حيث يتوافر عنصران العنصر الاول النشاط الاجرامي العنصر الثاني وهو الموضوع الذي ينصب عليه هذا النشاط .
العنصر الاول - السلوك الاجرامي
الطلب ،القبول ، الاخذ هذه هي الصور التي يتخذها النشاط الاجرامي في جريمة الرشوة وقد اوردها المشرع على سبيل الحصر وهي على اية حال من السعة بحيث تشمل جميع صور الاتجار بالوظيفة .
الطلب :
هو صيغة في التعبير عن اتجاه ارادة الموظف الى المتاجرة باعماله الوظيفية الامر الذي قصد المشرع الى محاربته بتجريم الرشوة ولايخفى خطورة الطلب. وعلى راي في الفقه ان الطلب اخطر صور الركن المادي في جريمة الرشوة فهو بواجبات الوظيفة.
القبول:
لا يتطلب القانون في العرض والقبول شكلا معينا فكما يحصلان بالقول قد يحصلان بالكتابة او بأية وسيلة من وسائل التعبير عن المعنى كالايماء اذا كانت تفهم منه دلالة عرض الرشوة او قبولها وكما يكون القبول صراحة قد يحصل بصورة ضمنية.
الاخذ:
يتحقق الركن المادي بفعل الاخذ وفي هذه الحالة تكون الرشوة معجلة وهذه هي الصورة الغالبة لجريمة الرشوة لمقتضاها يتقاضى الموظف المرتشي ثمناً معجلاً نظير قيامه بعمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بالواجبات الوظيفية .
تفترض جريمة الرشوة الاتجار بالاعمال الوظيفية هذا امر لايتحقق الا حيث يكون الطلب او القبول او الاخذ مقصودا به ان يكون مقابل القيام بعمل من اعمال الوظيفة او الامتناع عنه او مقابل الاخلال بواجبات الوظيفة .
وبعد ذلك تقع جريمة الرشوة ولو كان القبول معلقا على شرط اذ ان تعبير الرشوة قد تمت بمجرد القبول بصرف النظر عن الشرط كما تقع جريمة تامة ولو رفض الموظف بعد قبوله الوعد قضاء حاجة صاحب الحاجة لنكول الاخير عن وعده أو لرجوع الموظف عن قبوله لعدم كفاية الوعد او لاي سبب من الاسباب .
العنصر الثاني -صور المقابل الذي يحصل عليه الموظف
على مقتضى مواد الرشوة ينصب السلوك الاجرامي في صورة الطلب او القبول او الاخذ على عطية او منفعة او ميزة او على وعد بها وقد تكون المنفعة مستترة في تعاقد بحيث يعد من قبيل العطية او الوعد بالفائدة التي تؤد على الموظف من شراء مال منقول او عقار يعود له بثمن يزيد على قيمته او بيعه مالاً بثمن يقل عن ثمنه وقد يتمثل المقابل في اتفاق على ان يقوم الراشي بسدادة دين على الموظف المرتشي .
جريمة خاصة:
نصت المادة (312 /2 )من قانون العقوبات النافذ على ما يلي :
“كل شخص اخذ العطية او منفعة او الميزة او قبل شيئا من ذلك مع علمه بسببه ولو لم يكن الموظف او المكلف بالخدمة العامة المقصود بالرشوة قد عينه او قد علم به ما لم يكن وسيطا في الرشوة “ هذا النص يتناول بالعقاب صورة خاصة لاتدخل في الرشوة الا انها على صله وثيقة بها ويلزم لتطبيق النص شرطان :
الشرط الاول :
ان ترتكب جريمة الرشوة لايهم ان يكون وقعها سابقا على استلام المقابل او لاحقاً عليه وسواء كان الموظف المقصود قد عينه او لم يعينه علم به ووافق على القيام بالعمل او الامتناع عنه او لم يعلم.
الشرط الثاني:
ان يكون من اخذ العطية او المنفعة او الميزة او قبل الوعد بشيء من ذلك عالماً في ذلك بوقوع الرشوة او التحضير لها.


منقول للفائدة