(تحية لعازف المطعم الأسباني)

لا تحاول أن تصغي إليه
وهو يعزف
وهو ينهال بأصابعِه المعروقةِ
نجومه المرتعشة
وهو يهطل في غيم السهرة
ببسالةِ غزلانٍ مذعورةٍ
وهو ينحني بجذعه المعصوف بالوجع
على غيثارٍ صاهلٍ
وهو يلامس أطرافَ المقاعد
وحوافّ التختِ بأثيره الرشيق
وهو يَصقلُ الأطباقَ بِبَهارٍ حاذق ٍ
يشحذها بمسٍّ من جنة الحواسِّ
وشهية الرقص
يؤلفُ النفي رَ وينفُرُ منه .

لا تصغي إليه،
لن تسمعَ وجيبَه الصاعد
أنظرْ إليه
كأنه في الأعالي
هناكَ
في الشاهق من الإيقاع،
لا تقلْ له
لن يسمعكَ،
يجتاحُ المكانَ بصليلِ أعضائِه
بعناصرِه المتلاشيةِ في هشيمِ الكحول،
لستَ له
لا يسمعك
ولا يراكَ،
عيناه طائرانِ
وأصابعه فَــَراشٌ يَفُرُّ من أوتارِه
شَرارٌ مَسْقِيٌ بحنينٍ الجمر.

ليس لكَ
لن تَصِلَ إليه،
هناك
في الأوج
موجودٌ في التاج والصولجان
ليس في الفيزياء
ليس من الكيمياء
كائنٌ مخطوفٌ مسكونٌ
موصولٌ بما يقطع المكان
يصهرُ طُرقاً يذهب إليها
بلا وجلٍ
غيثارُه، قنديله الدليلُ
ضائعٌ في عينينِ تنظران إليك
ولا تبصرانك،
هل غرفةُ كلامٍ غائبٍ
أم انبثاقُ لحظةٍ
في غبطةِ الوتر ودهشة الرقص
ثمة ما ينبثقُ الآن
مثل زبدِ الكأس الطائش
بين أديم الأصابع الطريّ
وعضلة المعدن الصقيل

لا تصغي
لا يسمعك ولا يراك.

قصف الجوقة الراجلة في المطعم الأسبانيّ
أصغر من غرفة "لوركا" ليلة العرس
سماءٌ صغيرةٌ تَسَعُ النجومَ كلها
والمجرةَ كاملةً،
كواكبُ أليفةٌ مثل وحش ٍ في شجر الغيم
هودجٌ سكرانٌ ابتكَرَهُ مهاجرٌ أسبانيٌ
لاستراحةِ أرواحٍ تائهةٍ
وأجسادٍ مكسورةٍ
تتجاورُ في الخشب الباقي من سفينة نوح
تتقاطر إليه كائناتٌ غريبة تَـشِعُّ شَغَفاً بالمكان
تجلس في عرباتٍ بأحصنةٍ تَجْنَحُ،
الكتفُ الشريدةُ لِصْقَ كتفٍ غريبةٍ
والغيثار بلا شكيمة.

ليستْ الأجوبة بابُ السهرة
أطرافٌ مرتعشةٌ تتعلق بالغيثار
العزفُ والعازفون
المنداحون بخشبهم القديم
في سفينةٍ لا تغرقُ ولا تَصِلْ
والخشبُ الثملُ ينالُ أوسمةَ الماءِ
وأنتَ في غرفة المدارِ
في مجرّةِ باريس
تسردُ أحلامكَ وتُـأوِّلُها
في ليلها الوحيد
الممتد بين "السان ميشيل" و "السان جورج"

روحٌ شريدةُ
في جغرافيا المكان
تتصل بك
تريد أن تشردَ بك
وتشرد معك
في ضياع ٍ فاتنٍ
تقصر عن وصف ما لا يوصف
فتخسر الملكَ والوصيفات
يستفردُ بكَ إيقاعٌ في الجسد
تصعد بك الموسيقى ويخطفك الولعُ

حواسك ليستْ لك
حواسك في مستحيل البرد والتلاشي.