(إلى صبحي حديدي)

سأموت يا صبحي
فلا تدع القصيدة وحدَها
خُذها إلى باريس
واصقلْ نجمَها بالأفق
طمْـئِنّها بمنفاكَ الطويل
وقُلْ لها عن كأسِكَ المكسور
عن جهةٍ لها في قلبك المأسور
عن باقي قِـوانا وهي تفشلُ في اكتشاف السر
في المعنى القديم لنعشنا اليوميّ
في ضعف الدلالةِ
في السُلالةِ
في انقراض الحلم
في أشلائنا
في موتنا
في غفلة المنظور.


تعبتُ من الكتابة
والقصيدةُ وحدَها في الليل
وحدي بعدها

خذها معكْ
أثثْ بها مستقبلَ الباقينَ من أصحابِكَ القتلى
وقُـلْ مهلاً .. لهمْ،
قل للذي يحنو على أخباره بالحب
أنَّ الشعرَ أقصى ما تنالُ قصيدةٌ في النوم
لا تتركْ لريشِ الموتِ أن يُخفي خطيئتنا
وهيّئِنا لمفترق الكلامِ عن الكتابة.

يا صديقي
للقصيدة دهشةٌ في السَرد،
لا بيتي ولا بيتُ القصيدِ
ولا شظايا النثرِ تسعفني لكي أبقى
فمن يأتي سواك لكي يؤلفَ فسحةً
تـَسعُ المدى والموت.

لا تغفلْ عن الأسماءِ وهي تجرّدُ الأشياءَ
تنضح بالغموض المنطقيّ
لتنتهي فينا.

دع الغيمَ الشفيفَ يؤجل النص الأخير
ودعه مهتاجاً
يَخُبُّ مُأرجحاً جلبابَه البحريّ

سأترك في كتابتك الوشيكة منتهى خوفي من التفسير
خوفي من بقاياي الوحيدة
وحدها في الليل.

خطيئتنا
نموتُ ونتركُ المعنى
فَـدَعنا
كلما مِـتنا تماثلَ إرثُـنا للوهج
أو ضعنا هنا
مثل الأدلاء الحيارى في الترنح
يمرحونَ،

وكلما متنا قليلاً
بالغوا في التيه

يا صبحي
أموتُ وأتركُ المعنى لتأويلاتـِكَ السَكرى
أموتُ ..
.. ومرة أُخرى،
فخذْ ماءَ القصيدةَ
واستعدْ ما ينتهي فيها ويبقى
آهِ
طمئِـنها بقاموس البلاغة وهو يصقلُ حلمنا
واخدعْ بها مستقبلَ الموتى
لئلا يخجلون من الغياب

لقد تعبتُ
وما تبقى لي من الأسماء
لا يكفي لتفسير المعاني وهي تخرجُ عن دلالتها.

تمهلْ كلما حاولتَ أن تمحو
وخَفِّفْ وطأَ مَنْ يأتونَ بعد النص

سوف أموتُ يا صبحي
فلا تدع القصيدة وحدَها
خذها لمنفاك الأليف
وعُـدْ بها للبيت
حيثُ الياسمينُ
سيقرأ العطرَ الذي لا ينتهي بالموت

يا صبحي
صباحُكَ موشِكٌ بالشمس.

2006