(تحية إلى عبدالرحمن النعيمي)

1

مندلعاً في يقظةٍ مشتهاة
في الكوكب الجارف
تستودع ثقتك أدلاءَ مدججينَ بقناديلَ خامدةٍ
متكئاً على طرف تختك البارد
محدقاً بملء أحداقك المذعورة
في قلوع مرميةٍ على الرمل
ظناً أنها المرفأ والسواحل.

2

كيف تريد لنا أن نصدقَ انتظارَك
كيف لنصوصك المختومة بعاج عظامنا
أن تقرأ لنا الطالع
فيما تصقل لك تاجاً ترثه كل صباح
مثل تاريخٍ يتفاقمُ في كوابيس ليلنا التائه.

3

طاشَ بنا العقلُ المجنونُ وأنتَ في شرفة عرشك،
انتظرتكَ حشودُ أحشائنا لكي تمتحنك بوقع العجلات
وصريخ الحديد في عظام كواحلنا
ها أنت تبالغ في التحديق
كلما عبر أمامك شخصٌ مأخوذٌ
شخصٌ يستفحل الوهمُ فيه،
شخصٌ، فيما يتهاوى،
يتشبث بتلابيب شخصٍ يتلاشى
نطوف به في قفيرة القمح
رجاة أن تستيقظ المعجزةُ
نؤدي له طقساً وصلاةً
يرتجُّ لها المُـلكُ والمملكة
يصطف القتلى جمعاً جمعاً
يتدافع الفقراءُ والخزافون وطهاة العرائض
وأنتَ في الغيّ والغيبوبة،
يُحيطُ بقصرك تسعونَ خطيباً يمتدحون رحمة الموت
لكي يتريثَ ويمنحك الوقتَ لتخرج من جسرٍ منخورٍ
يعبره الجوعى بنصف رغيفٍ
وضرائب نهبٍ وتسعة قتلى.

4

ليتك تسمع نحيبَ الأحباب
وراء الباب.

5

أصلابـُك تظنُّ بنا،
فـتـَبَصَّرْ في خجل الوحش
وأتركْ لحديد المعنى يوقظ ليلَ نداماكَ.

6

بالغتَ في صقل السيف بشهوة الحجر
ضاهيتَ الصخرَ بقلبك
فاختلطَ عليكَ العدلُ بطيش المُـلك
هل أنتَ الحربُ على شعبكَ
أم أنت السِلمُ عليه.

7

ليس لديك من الوقت ما يكفي لتأنيب دواعي الندم
فرسانـُك المؤجلونَ ينتظرونكَ على مشارف الجبل
ينتظرون انحدارَكَ منجرفاً لتأخذَ مكانـَك في طليعتهم
يذهبون إليكَ
مثل الحجّ
مثل الحلم إلى النوم،
إليك
إليك
لتذهب بهم في درس اليقظة
لرعيلٍ أمعنَ في المجون
وأفرطَ في الحسرة،
ما كان لكَ أن تتأخرَ عن قلقك النفيس
المتألق في مهاميز فرسانك المنذورين لفقدك
جَسـُورونَ بكَ
ويدركونك في المحبة أكثر مما تتركهم في الضغائن،
مريدوك
يريدونك،
قرابينهم في أيديهم
رجاةَ أن تبرأ من الضَـرّ الذي يشملك
رجاة أن تنهضَ بتاجك الصحيح نحو مدارجَ خيلهم،
يستـلونك مثل سيفٍ سعيدٍ بالمبارزات
يعالجون بك جراحَهم
ويجرحونَ بكَ أوهامَ الجحيم والجنة.

8

كتائب جيشك العاطل تعبث
بلا بصيرةٍ ولا مجدٍ
فقلْ لهم،
أؤلئك الذين بالغوا في الخطأ
من شرفة القصر حتى حديقة الحصن،
يفزعون من حصاة الجرس
ينافحون في بهو الأرض
منخرطين في التدوين
حتى يستغلق عليهم المعنى
وتخونهم الدلالاتُ
ويشطـُّ التفسيرُ بهم.

قلْ لهم
بعينيك المغرورقتين بتضرع الأوج
عينين يعزّ عليهما البكاءُ
قلْ لهم
أن يكفوا عن أرشيف السُلالةِ
وهندسة الكارثة
قل لهم
أن يكبحوا كلامَهم الفاحش متذرعين بالصلاة
في منعطف الكعب الهشّ
فالعمل في إطلاق فرسَ الشهوة
وشجاعة الموج.

9

هل تنسى أنخابَـكَ معهم ساعة تنظيم حركة الكواكب
فيما كانت الشمسُ تستريحُ قبل فجرها
فيما الطفلُ في العائلة
فيما النعمة ترَفُ الوقت
فيما الدعاة يتهجون القرى
فيما المعاجمُ تجهلُ
فيما الضجيجُ يطغى
فيما الكتابُ في الوحشة
فيما الناسُ في التجربة
والحكمة في العدل.

10

الآن،
تطوي طاولتك المستديرة
وتصقل خواصرَ خيلك بأكثر المهاميز جسارةً
وتطلقُ نشيدَ الصحراءِ لبحارةٍ في السفر،
لكن مَـْن يُـصغي إليكَ وأنتَ تجهلُ أبجدية السديم
وتنسى فهارسَ الأساطير
تخرجُ مدججاً بالقوانين
لتقنع شعباً أرهقته الإقامة في سجن البحر،
لكي يقبلَ قيدَ الأرض،
شعباً أمضَّـتـه حموضة العطش
شعباً شطـّ به الوهمُ
وشطرته الأحلام

الآن،
فيما تطوي عباءتك الكالحة
مستديراً نحو عرشك الوشيك
لا تظننَّ أن سيوفَ فرسانك المصقولة لفرط المبارزات
كافية لترويض شكيمة شعبٍ خصَّه الله بالبحر.

11

ثمة فارسٌ واحدٌ
كفيلٌ برسم وردةٍ سوداءَ على كتفك،
يعيد تنظيم حركة الطبيعة
ويمنح الخيلَ أسماءَ الناس لتنساك،
فتحسَّس الندبَ النافرَ في زندك
حرِّر أطرافك من الإرث.

12

هل أنت ملكٌ أمْ سماء
لكي تنسى فرسانك في غيمة أحلامٍ عابرة
وتغفل عن فهارس الوعد في طليعة عهدك
إذ ليس لشعبك أن يتأرجح مثلك
بين صكوك المحراب
ونصوص ميثاقك
ميثاقٌ رَفـَعْـتـَه صارية في زرقة السفر.

13

أطلقْ رباطَ بغالك
تخفـَّفْ من أدوات حربك قليلا
أرخِ لنـَجـّارِيكَ كي لا يتيه بهم خشبُ السيسم في اليَـمّ،
فمقاعدك لا تـُحصى
والتختُ المنخور يضيع بنا.

14

نساؤك المذعورات من فرط الوحشة
لم يبق لهنَّ بعد الغربة غير المنفى
ليس في البيت غير انتظار فادح
وذبالة خيطٍ معقودٍ في الرسغ المرضوض.

15

ثمة نساءٌ
رَبَـيـْنَ الأحجارَ في مهودهـنَّ
لئلا يشعرَ الرجالُ بالوحشة
لئلا يصابَ الأطفالُ بالوحدة،
نساءٌ رافـَـقـنَ البحرَ في مَـدّهِ الأعلى
لكي يستمهلنه في السواحل
ويستفردنَ به في ردهة النوم
يَغسلنَ الأواني بفيضِه
ويَـدْهَـنَّ أعضاءَ رجالهنَّ بسَورَة غضبه،
بحرٌ يدخرُ الدمعَ لهـنَّ
ساعة ينجرفُ الرجالُ من جرف الجبل
ملتحقين بجيشك المتعثر بمشتهيات القرى
وسقط السبل المنهوبة.

16

نساءٌ خفيفاتِ القلب ثقيلاتِ الحُجة
كلما لمحنَ دمعتك الأخيرة تتدحرج من مقلتك الساهمة
طفـقـن في مطرِ يفيض على الرأس
فيبدأ جنون الفقد.

17

نساءٌ
انتهينَ تواً من تدريب الموجَ على الغرق
والطيرَ على الأوج
نساؤك الوحيدات في الليل
مَـنْ سيدرك أحلامَـهـنِّ المغدورة
وأنتَ منخرطٌ في رغباتك المكبوتة
منشغلٌ بدماثة الخيل.

18

نساءٌ أعلى من يـدك
لن تلمسهنَّ قبل أن تضعَ الضوءَ في كلماتك
لن تطالَ الخيطَ المنسول من أذيالـهـن
وأنت في آلة الحرس الصدئة
تتعثر بزجاجكَ الثمل.

19

هل تسمع قهقهة الموتى
يضحكون وهم يتناوبون على أعنة خيلك
يؤيدون ركابك في أروقة الخرائط القديمة
يغوونك بالمسك الطازج
والعنبر النيئ
يمسّدونَ سُـروجَـك بلحاهِـم الدبغة
ويفتحون مساربَ العتمة أمامَ دوابك المأمورة
تتصاعد ضحكاتهم الشيطانية
منشدين لك المنادبَ في شكلِ صلاة الموتى،
فهل تسمع.

20

يشحذون كواحلهم بخواصرَ خيلك
ينتبهون،
ينهبون،
وينتابهم النصُ :
"مَـنْ أحسنَ الوفادةَ نـالَ الرفادة"

21

هذا وقـتـك فاغـمـدْ سيفك
امنحنا نعمة أن نسمعَ نشيدك الجديد
وننسى ما يجعلك مليكاً يتذكر أسلافاً ينسون
يحبطنا
ويؤجلنا
ويقايض أخطاءَ العمر بنا.

22

أطلقْ خيلك
عبر أزقة هذا الريف المهدور
دعنا ننساك قليلا
كي ننصح حماة عرشك
أن يتوبوا عن الإلحاد
أن يتوبوا عن السعي
بأجنحة تشهق في الليل بلا فتوى
ننساك قليلاً
كي تتذكرنا.

23

لسنا رعاياك
ونوشِكُ أن نسأمَ منك
وأنت تمدّ المدى للصدى
تبالغ في ثقتك بصبرنا عليك،
لن ندخل حروبك
لا نصغي لطغيان الفتوى
وأصوليي الحانات
مبعوثي إلهٍ لا يعرفهم.

24

لستَ إلهاً
لسنا عبيداً.

25

لأقدامنا أجنحة تكفي
وطيشُـنا بلا حدود،

26

لدينا أطفالٌ نخشى عليهم سطوة الكتب
والكتائب.

27

كل ما لم تستطع قوله
تقوله الآن
حيث العرباتُ المكنوزة
مشدودةً على المطهمات الأصيلات،
تقوله حيث ينال فرسانـُك حصة عتادِهم المهمل
وليس ثمة احتمالٌ للخطأ
بينك وبينهم الصَكُ،
بينكما ما يوقظ الحجرَ من حضن الجبل
يقطف النارَ من القلب
فقلْ ما تقوله الآن
قبل أن تختلطَ عليك شرفة القبر بوحشة القصر
حتى لا تعرف
أيهما لك وأيهما عليك
قل ما تقوله الآن.

28

قله الآن
فيما تخرج من وهدتك
قله الآن
صوتك يجعل كلماتـك حـيّـة وقادرة،
فلا تنشغل بغفلة الصلاة عن يقظة العمل.

29

يحزمون أرضكَ بالهجوم والجسر المكسور
غزاة يستنفرونك للطقس والتضاريس
فاخطفْ سلاحكَ من عدوّك
ابتكره واصقلْ به الرسائلَ
يسمع فرسانـُك الكلامَ كلما قلتَ
ويفهمونك كلما سعيتْ.

30

انهضْ من تخت الحكم
انهض من بياض سريرك
من سديمك
وافتح سريرتك،
فرسك البيضاءُ على وعدها
بيضاء مثل اليقظة في الخرمس.
انهضْ من تختك
استدر بكعبك الصلد
وانحدر نحو فرسانك المنتظرين
لا نجاة لهم بدونك
ولا نجاة لك وحدك.