عن عبد الله بن يحيى قال دخلنا مع عليّ (ع) إلى صفين ، فلما حاذى نينوى نادى :
صبراً يا أبا عبد الله !.. فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله !.. ما لعينيك تفيضان ؟.. أغْضبَك أحدٌ ؟.. قال :
لا ، بل كان عندي جبرائيل ، فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات ، وقال : هل لك أن أشمّك من تربته ؟.. قلت : نعم ، فمدّ يده فأخذ قبضةً من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلاء .
فلما أتت عليه سنتان خرج النبي إلى سفرٍ ، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه ، فسُئل عن ذلك ، فقال :
هذا جبرائيل يخبرني عن أرضٍ بشط الفرات يقال لها كربلاء ، يُقتل فيها ولدي الحسين ، وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها ، وكأني أنظر على السبايا على أقتاب المطايا ، وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله ، فوالله ما ينظر أحدٌ إلى رأس الحسين ويفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه ، وعذّبه الله عذاباً أليماً .
ثم رجع النبي من سفره مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً ، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين ، وخطب ووعظ الناس ، فلما فرغ من خطبته ، وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين ، وقال :
اللهم !.. إنّ محمداً عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي ، وخيار أرومتي ، وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مقتولٌ بالسمّ ، والآخر شهيدٌ مضرّجٌ بالدم .
اللهم !.. فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء .
اللهم !.. ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأصلِه حرّ نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم .
فضجّ الناس بالبكاء والعويل ، فقال لهم النبي : أيها الناس !.. أتبكونه ولا تنصرونه ؟..
اللهم !.. كن أنت له وليّاً وناصراً ، ثم قال :
ياقوم !.. إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ، وأرومتي ، ومزاج مائي ، وثمرة فؤادي ، ومهجتي .. لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ألا وإني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه ، أسألكم عن المودة في القربى ، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي ، وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم .
ألا إنه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة :
الأولى : رايةٌ سوداء مظلمةٌ قد فزعت منها الملائكة ، فتقف عليّ فأقول لهم : من أنتم ؟.. فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول لهم : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمتك ، فأقول : كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربي ؟..
فيقولون : أما الكتاب فضيّعناه ، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلما أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشى مسوّدة وجوههم ..
ثم ترد عليّ رايةٌ أخرى أشدّ سواداً من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ؟.. فيقولون :
أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزّقناهم كلّ ممزق، فأقول : إليكم عني !.. فيصدرون عطاشى مسوّدة وجوههم ..
ثم ترد عليّ رايةٌ تلمع وجوههم نوراً ، فأقول لهم : من أنتم ؟.. فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحقّ ، حملنا كتاب ربنا ، وحلّلنا حلاله وحرّمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد ، ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم مَن ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا !.. فأنا نبيكم محمد ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين
بحار الأنوار - العلامة المجلسي
---------
نسألكم الدعاء