مرحى لتوني بلير , والف تحية....
عزيز الحاج
"حملة صيد": هكذا وصف أمير طاهري، بعد أسبوعين من سقوط صدام، وبعد كشف عدد من المقابر الجماعية، المناورات والمساعي التي كانت تجري في مجلس العموم البريطاني، وفي الصحافة الغربية، للتشكيك بالموقفين الأميركي والبريطاني في شن حرب تحرير العراق. نفس اللوبي الذي أجهد نفسه قبل الحرب، ليل نهار، لإنقاذ نظام صدام، ولكنه باء بالفشل، دون أن يكف عن محاولات مساعي "الانتقام" لسقوط صدام.
نفس حجج أمس التي كانت رائجة في الساحات السياسية الغربية وفي وسائل الإعلام الغربية والعربية وغيرها: "قرار انفرادي"؛ " أين أسلحة الدمار الشامل"؟!
قلنا مرارا إن حرب العراق وحدها، لا غير"، هي التي "أبلست" بوش دوليا وإسلاميا وعربيا، فوصفوه بالوحش وعاشق القوة والبغيض، ألخ. فقبل حرب العراق، جرت حرب أفغانستان، وأيضا، بدون قرار من مجلس الأمن، وكانت محل إجماع أميركي وأطلسي. وقبل أفغانستان، وزمن بيل كلينتون، نشبت حروب البوسنة وكوسوفو، لا بقرار من مجلس الأمن، بل بمبادرة الأطلسي، وقد أنقذت الحربان المسلمين من الطغيان الدموي "الصليبي"!!، دون أن تعترض قوى اليسار الغربي أو العرب والمسلمون، إلا بعض الأصوات.
لقد مرت مآسي كثيرة من قبل كانت تهدد شعوبا بالفناء، كمأساة روندا، دون أن يحرك مجلس الأمن همته لإنقاذها، ولا يمكن انتظار موافقة كل الدول الكبرى لإنقاذ شعب يتعرض للمجازر الجماعية تحت نظام شمولي دموي. فمن القوى الكبرى من ترضخ فقط لمصالحها التجارية الضيقة، وتقف بلامبالاة تجاه مصالح الأمن الدولي أو عمليات الإبادة، كما فعلت الصين، ولا تزال تفعل، في النووي الإيراني. ولا يمكن أن يظل أمن العالم مهددا بالقنبلة الإيرانية لأن الصين تستطيع استعمال الفيتو في مجلس الأمن.
لقد تحدي نظام صدام حوالي 18 قرارا من مجلس الأمن حول الأسلحة المحظورة، وطرد المفتشين أكثر من مرة، فضلا عن الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، وتهديد أمن المنطقة. وتلاعب صدام ببرنامج النفط مقابل الغذاء لملأ رصيد العائلة في البنوك الخارجية ولرشوة دول وساسة ووسائل إعلام بالكوبونات إياها. وراح يبني القصور الفخمة في كل مكان من العراق، فيما هو يحفر المقابر الجماعية. وقد استعمل صدام أسلحة كيميائية في حلبجة، وكان النظام ينتج الأسلحة الجرثومية، التي كان النظام ينكر وجودها، ولكن حسين كامل فضحها من عمان، فاضطرت الحكومة العراقية، في منتصف التسعينيات، إلى اخذ المفتشين الدوليين لمزرعة خارج بغداد، ودلتهم على كمية كبيرة من ذلك السلاح، مدعية أن حسين كامل هو الآمر بإنتاجها من وراء ظهر القيادة الحاكمة!! وفي 1997 صرح رئيس لجنة إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية لصحيفة الشرق الأوسط، [ عدد 26 يناير 1997 ]، بما يلي:
" إننا نتعامل معهم، [ أي حكومة صدام]، منذ خمس سنوات. لكن سياسة العراق، وعن إدراك، هي بعدم التخلص من الأسلحة الممنوعة. والعراق قال عام 1994 إن كل شيء، [ يقصد المعلومات المطلوبة ]، قد قدم، ثم اكتشفنا أن برنامجا بيولوجيا كاملا لم يكشف عنه، وهذا يثبت أن العراق كان يضلل اللجنة عن قصد.."
هذا كلام لم يقله، لا بوش ولا بلير، وليسا هما من أصدرا لوحدهما قرارات مجلس الأمن وفق البند السابق حول الأسلحة، وحتى آخر لحظة، وكذلك القرار حول حقوق الإنسان في العراق. كانت تلك قرارات جماعية، وكلها كانت تتهم النظام بالتضليل وبعمليات إخفاء الأسلحة، وكانت جميعا تشك في وجود مشروع نووي سري بقصد عسكري. ولكن دولا، كفرنسا وروسيا وألمانيا والصين، وبمساعدة آخر رئيس لفريق المفتشين، بليكس، والدكتور البرادعي إياه- [هو نفسه من يرشحونه لرئاسة مصر!]- ظلت تراوغ وتطالب بفترة جديدة لامتحان نوايا صدام ودون مبالاة بمأساة شعبنا وبتحدي ذلك النظام للقرارات الدولية.
تلكم هي الظروف التي قرر فيها بوش وبلير شن حرب تحرير العراق. وللتذكير، فإن بيل كلينتون كان قد أصدر "قانون تحرير العراق"، وخصص أمولا لمساعدة أحزاب وأطراف في المعارضة العراقية. وقد فشلت محاولات عراقية عدة لإسقاط ذلك النظام، إذ كان مستحيلا أن تسقطه لوحدها.
أميركا وبريطانيا قررتا الحرب دفاعا عن أمنهما ومصالحهما في المنطقة، ولكن قرارهما كان يتفق مع مصالح شعبنا، وذلك بصرف النظر عما آل إليه الوضع العراقي بعد سبع سنوات، فنحن هنا نناقش قرار الحرب وتبريره. لقد كان قرارا عادلا وضروريا، من الناحيتين الإنسانية والقانونية ـ قانونيا، كتنفيذ لقرارات دولية سابقة، [ لاسيما القرار 1441 ]، كانت تبيح استخدام الحل العسكري لحمل النظام على الانصياع للإرادة الدولية بتنفيذ قراراتها بعد فشل الجهود الدبلوماسية كلها على مدى سنوات.
أما الموقف الحقيقي لشعبنا، فقد عكسته في اليوم الأول إزاحة وتحطيم تمثال الصنم الطاغية. أما اليوم، فإن أطرافا وقوى سياسية عراقية عديدة راحت تتنكر لفضل من ساعدوا شعبنا في المحنة، وتنكر الحقيقة، وتغالط، وتزايد وطنيا، وتهاجم الحرب بحجة أنها أضرت بالعراق. وصحيفة "الحياة" لتاريخ 31 كانون الثاني 2010 تحمل تصريحات غريبة بهذا المآل لممثلين عن حزب الدعوة- تنظيم العراق، و"جبهة التوافق"، و"إتلاف القائمة العراقية"، وفي العدد السابق نشرت تصريحات تندد ببلير والحرب جُمعت من بعض أنصار مقتدى الصدر في مدينة الثورة،[ مدينة الصدر]. وهناك من ينتقدون الحكومات العراقية المتعاقبة بعد صدام لأنها لم تقم بتشكيل "هيئات قضائية لمحاكمة المتسببين في الحرب..."!! ومن المتسبب يا سادة غير ذلك النظام نفسه؟ أفصحوا قليلا! هل تراكم تبرؤونه؟! أما الأخطر، فهي حملات تشويش من أوساط في الحكومة عن "تواطؤ" أميركي مع البعثيين الصداميين، وترويج أخبار وحكايات عن وجود مؤامرة انقلاب عسكرية باتفاق مع واشنطن، وهي مناورة موجهة ضد منافسي المالكي في الانتخابات، كوزير الدفاع ووزير الداخلية والدكتور علاوي. فيا للعرفان بالجميل!!!! - [ انظر عدد "الحياة" ليوم 31 منه حول أخبار النوايا الانقلابية المفبركة]. أما بعض وسائل الإعلام العربية، فانتهزت الفرصة وراحت تندد بالحرب وببلير، ومنها من راحت تحلل حركات أصابع بلير وهل كان متوترا أم لا- إلى آخر هذه الترهات. وليس موقف هؤلاء بالغريب، فهو القديم والمتكرر لحد القرف