يستخدم العلماء سلم مسافات كونية لقياس مقدار توسع الكون، هذا السلم هو عبارة عن سلسلة من النجوم والأجرام السماوية الأخرى الموجودة ضمن مجرات لها أبعاد معلومة، وبالجمع بين قياسات هذه الأبعاد والسرعة التي تتحرك بها هذه الأجرام مبتعدةً عنا؛ يتمكن العلماء من معرفة المعدل الذي يتوسع الكون خلاله.
مميزٌ هذا العام، فهو الذكرى السنوية التسعون للاكتشاف المذهل بأن الكون يتوسع. وكان إدوين هابل هو رأس الحربة الذي قاد هذا الاكتشاف، وتيمنًا به، أُطلق اسمه على تلسكوب هابل الفضائي السيار. لقد تمكن هابل الفلكي آنذاك في مرصد ماونت ويلسكون في لوس أنجلوس، من استخدام أكثر المعدات حداثةً، وخاصةً تلسكوب هوكر (بقطر 2.5 متر). كان هذا التلسكوب أكبر التلسكوبات على وجه الكرة الأرضية حتى عام 1949.
ووفقًا لمعهد كارنيجي للعلوم، منذ عام 1919 دأب هابل على اكتشاف مجرات جديدة باستخدام هذا المرصد. وفي عام 1923، طور طريقةً لقياس المسافة بين مجرة بعيدة عن مرمى النظر ومجرة درب التبانة، وقد تضمنت حساب السطوع الحقيقي للنجوم في مجرة أخرى ومقارنة هذه القيمة بالقيمة الظاهرية لهذا السطوع كما تبدو من سطح الأرض.
هذا العمل كان مقدمةً لاكتشاف آخر، فقد كان هابل على علمٍ بعمل فلكي سابقٍ هو فيستو ميلفن سليفر Vesto Melvin Slipher، والذي استنتج أن بإمكانه قياس السرعة التي تتحرك بها مجرة إمّا مقتربة أو مبتعدة عن درب التبانة بدراسة تغيرات الأطوال الموجية للضوء القادم من تلك المجرة. وسُمي هذا القياس بانزياح دوبلر، ومبدؤه يشبه تغير النغمات المصاحب لاقتراب صفارات سيارة الإسعاف، والتي تتصاعد ثم تتراجع، لكن بدلًا من الصوت، ندرس الضوء هنا. وفي حالة الضوء، تبدو الأطوال الموجية المنبعثة عن جسم يتحرك نحو راصد ثابت أكثر تكرارًا، وبالتالي أكثر زرقةً. أما الأطوال الموجية التي يصدرها جسم متقهقر فتبدو أقل ترددًا، وبالتالي أكثر حمرةً.
وباعتماده على معلومات حول بعد مجرات أخرى وانزياح دوبلر الخاص بها، نشر هابل وزملاؤه أطروحة عام 1929 غيرت علم الفلك إلى الأبد، حملت هذه الورقة عنوان A Relation between Distance and Radial Velocity among Extra-Galactic Nebulae، وقد بينت أن المجرات المرئية من درب التبانة، تبدو جميعها وكأنها تبتعد عنها. وفي 17 يناير 1929، أُرسلت الأطروحة إلى الأكاديمية الوطنية للعلوم.
ما رصده هابل وزملاؤه كان توسع الكون نفسه، والتشبيه الشهير لذلك هو أن المجرات تشبه حبات الزبيب الموجودة في عجينة خبز. وعندما تتخمر العجينة وترتفع، تبتعد كل حبات الزبيب عن بعضها البعض، لكنها تبقى جميعها ملتصقةً بالعجينة نفسها. ساعد هذا الاكتشاف على حساب عمر الكون، والمقدر بـ 13.7 مليار عام.
وبعد مرور 90 عامًا على نشر هابل وفريقه لهذه النتائج، ما زال العلماء يحاولون فهم آلية هذا التمدد. وفي العام الماضي، أفاد العلماء باستخدام تلسكوب هابل أن الكون يتمدد بسرعةٍ أكبر مما هو متوقع، وبدقة تبلغ هذه السرعة 73 كيلومترًا في الثانية لكل ميغابارسيك، والميغابارسيك هو 3.3 مليون سنة ضوئية، يعني هذا أنه ولكل 3.3 مليون سنة ضوئية عن الأرض، تبتعد مجرة عنا بسرعة 73 كيلومترًا في الثانية.
الفريق ذاته من العلماء أعلن العام الفائت أن النطاقات الأبعد من الكون يجري التوسع فيها بسرعةٍ أقل، 67 كيلومترًا في الثانية لكل ميغاربارسيك. وتشير هذه التناقضات إلى أن شيئًا ما -لعله المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة- يؤثر على توسع الكون بشكل غير مفهوم بعد.
خلاصة القول، وما هو ثابت هذه الأعوام التسعين، هو أن الكون يتوسع، وعوامل عديدة تؤثر على تسارع أو تباطؤ هذا التوسع.
منقول