وسور القلعة وجامعها القديم كان من ابرز المعالم الأثرية، التي تعود الى عهود مغرقة في القدم، وقد جدد بناء هذا السور آخر مرة
في عهد السلطان سليم الثاني العثماني في القرن العاشر الهجري بعد اندحار البرتغاليين من هذه المنطقة، وهناك كانت على إحدى بواباته لوحة حجرية، كتب عليها تاريخ تجديد بنائه، كما كانت توجد وثيقة أخرى، وهي عبارة عن لوحة حجرية أخرى مماثلة عند مدخل منارة الجامع، كتب عليها تاريخ بناء المسجد الذي يعود الى القرن الثامن الهجري،
أما في الوقت الحاضر فقد أزيل السور وازيل الجامع ومنارته، ولحقت بهما القلعة أخيرا فهدمت وانطمست معالمها أصبحت خبرا بعد عين، شأنها سأن المدن القديمة التي اندرست، والتي حدثنا عنها المؤرخون، كبنكات وخرشاف والغابة والسابور والجوسي والرافقة والصادرة وظلامة والظهران والزارة.
وكانت منطقة القلعة وضواحيها ابرز اثر تاريخي في القطيف، وكانت تسمى الفرضة قديما والى عهد قريب، ويحدثنا ياقوت الحموي بأن الفرضة كان يسكنها بنو عامر بن الحارث بن عبد القيس، ولعلها هي مدينة الخط التي بناها اردشير الأول، خلال القرن الثالث الميلادي والذي اتخذ القلعة – كما يبدو من تخطيطها السابق حصن دفاع وقاعدة عسكرية، لوقوعها على الساحل مباشرة، كما هو الشأن عند البرتغاليين حين استعمروا هذه المنطقة،
وكما توحي الأسماء التي علقت بها كاسم الخان الذي يدعى به أحد أحيائها واسم الدروازة الذي يطلق على كل بوابة فيها بتلك الصلة بينها وبين مؤسسها الفارسي، ويبدو انه اتخذ القلعة بلاطا للحكم حيث كانت القصور الملكية تحتل وسطها، يليها في الجانب الغربي قصر الضيافة وهو موقع فريق الخان، كما تقع زرائب المواشي في الجانب الشمالي منه وهو موقع فريق الزريب، وتحيط بها الحدائق الغناء ودوالي العنب بدءا من الجامع المجاور لدروازة السوق (ويحتمل ان يكون معبدا قديما) وانتهاءا بمحلة الوارش.
كانت القلعة تسمى جبارو أو جبرو وقد استخدمت حينا من الزمن مخزنا للتوابل والعطور الواردة لها من جزيرة تاروت، ثم تحولت الى منطقة سكنية مكتظة بالمباني وكانت على شكل بيضوي، أو بلاحرى مستطيلا، يحيطها – كما شاهدناها – سور منيع مبني من الصخور والحجارة ومسيع بالجص المصهور، يبلغ سمكه سبعة أقدام وارتفاعه 30 قدما، وتبرز بين جوانبه وزواياه أبراج عالية مستديرة الشكل (نصف دائرة) يبلغ عددها 11 برجا،
ويربط بينها جسر على امتداد السور بعرض مترين في أعلاه، حيث ينتقل عليه الحراس بخيولهم أثناء الليل من برج الى برج للمراقبة، وكانت للقلعة اربع بوابات ضخمة مصفحة بالحديد، تفتح نهارا وتغلق ليلا في أوقات السلم، وتؤدي كل بوابة غرضا معينا، فدروازة البحر هي المنفذ الوحيد لمينائها، وتقع شرقا،
كما ان دروازة السوق وتقع في الزاوية الجنوبية الغربية هي المدخل الرئيسي للسوق، أما دروازة باب الشمال، والتي تقع في الجانب الغربي بين فريق الخان والزريب فهي المنطلق الى الريف، وتعتبر الدروازة الرابعة والتي تقع في الجانب الشمالي الشرقي، المدخل الى الكوت الذي يقع بموازاة الزاوية الشمالية الشرقية، وهو حصن صغير كان قلعة دفاع في العهد التركي ثم أهمل شأنه واتخذ في العهد السعودي محطة إرسال لا سلكية ومكتب للبريد، ويبدو انه حديث العهد بالنسبة لتاريخ بناء القلعة.
وتنقسم القلعة الى أربعة أحياء تتخللها طرق ضيقة وسوابيط مظلمة، واشهرها ساباط الظلمى الذي يقع في الزريب، فهناك فريق الخان، ويقع في الجانب الغربي الجنوبي وفيه بئر عميقة ماؤها ضارب للمرارة وهي عامة، وفريق السدرة ويقع في الجانب الشرقي الجنوبي، وفيه بئر عامة ماؤها ضارب الى الملوحة تسمى بئر الجبلة وفريق الزريب ويقع في الجانب الشمالي الغربي، وفيه بئر عامة تسمى (مغيبوه)
وهي أحلى الآبار يستقي منها جميع سكان القلعة رغم وجود الآبار في كل بيت، أما الجانب الشمالي الشرقي فيسمى فريق الوارش، وبه ينبوع ماء يسيح على وجه الأرض، ويسقي بعض النخيل الموجودة في ذلك الحي، ثم يتجه شمالا ويصب في البحر، ثم عملت له قناة لتتجه مياهه الى بركة مسجد الأمارة شرقا، ومن ثم تواصل مجراها الى البحر، ويبدو ان لاسماء الافرقة صلة وثيقة بتاريخ القلعة في بدء تأسيسها أو اتخاذ منطقة سكنية.
فالخان اسم إيراني معناه الفندق أو نزل المسافرين، والزريب تصغير زرب وهو حظيرة المواشي، والسدرة نسبة الى شجرة نبق شهيرة بجودتها وهي فصيلة هندية، وأما الوارش فيظهر انه كان في الأصل محط الدخلاء من ورش على القوم أي دخل بدون إذن ولم يدع للأكل كما توجد في داخل القلعة في الجانب الجنوبي والشرقي بمحاذاة السور عدد من البساتين وتسمى دوالي تسقى سيحا بواسطة سيحة التوبي، ويبدو ان المساحة المزروعة سابقا اكثر مما رأيناه، إذ من المحتمل أنها تمتد من دروازة السوق من مورد الكريدي حتى محلة الوارش.
وكان يوجد في القلعة أحد عشر مسجدا اشهرها مسجد الراجحية والبرودة، والخان واهمها جامع المنارة وهو اقدم جامع بها ويقع على مقربة من دروازة السوق، ويرجع بناؤه الى القرن الثامن الهجري وقد كتب تاريخ بناؤه على لوحة حجرية كانت موجودة في داخله، ويقال ان تأسيسه ابعد من هذا التاريخ بكثير ،
وقد رأيناه مهجورا متداعي البنيان زلم يبق منه بصورة سليمة الا مئذنته المستديرة العالية والتي يبلغ ارتفاعها نحو 30 مترا، والتي كانت تشرف على الحاضرة وضواحيها، وكانت سابقا تستخدم لأغراض استطلاعية حربية، فأصيبت بقذيفة مدفع فانبتر جزؤها الأعلى- كما رأيناها، ثم قامت البلدية بتكملة الجزء المتهدم في عهد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز، واستخدمت لإنارة البلدة، فكان يعلق في أعلاها مصباح من الغاز قوته 400 شمعة فتنير ما حولها، أما الآن فقد أزيلت تلك المئذنة كما أزيل الجامع القديم وجدد بناؤه واستعمل لإقامة صلاة الجمعة.
وقدر لوريمر أطول جهات القلعة بأربعمائة ياردة من الجهتين الشرقية والغربية و 300 ياردة من الجهتين الشمالية والجنوبية كما يقدر سكانها بخمسة آلاف نسمة وأسواقها بـ 300 محل تجاري وهذه الأسواق كانت تبدأ من دروازة السوق وتنتهي بالقرب من الدبابية وهي الآن في موقع شارع الملك عبد العزيز،
وهي عبارة عن سكة مسقوفة على شكل جملون بين صفين من الحوانيت تمتد من تقاطع شارع المدارس حتى شارع جعفر الخطي، ثم تنعطف الى الغرب باتجاه الشارع نفسه حتى مؤخرة مدرسة زين العابدين الابتدائية، وكانت تسمى هذه الانعطافة (سوق الحرية) تنتهي ببوابة ضخمة تفتح نهارا وتغلق ليلا.
وتقع ضواحي القلعة في الجهة الغربية والجنوبية منها وتكاد البساتين تحيط بها وضواحيها من كل جانب، باستثناء جهة البحر وقد تحولت الآن تلك البساتين التي تحيط بالقلعة وضواحيها الى أحياء سكنية، كما تحولت البساتين التي بجانب السوق كالضبيخة والدالية الى أسواق عامرة.