الكمأة
ثبت عن النبي (ص) أنه قال : ”الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين”. أخرجاه في الصحيحين.
وقال أيضاً: »الكمأة من المن الذي أنزل الله تعالى على بني اسرائيل وماؤها شفاء للعين« رواه مسلم.
الكمأة نبات فطري تشبه في شكلها البطاطا مع اختلاف في اللون، إذ تميل إلى اللون البني الغامق وتنمو نحو 30 سنتم تحت الأرض، تتولد في الربيع، ويؤكل نيئًا ومطبوخًا، وهي من أطعمة أهل البوادي، وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء.
قيل عنها في الطب القديم إنها: باردة رطبة في الدرجة الثالثة، رديئة للمعدة، بطيئة الهضم، وإذا أدمنت، أورثت القولنج(اضطرابات الأمعاء الغليظة) والسكتة والفالج، ووجع المعدة، وعسر البول.
والرطبة أقل ضررًا من اليابسة، ومن أراد أكلها، فليدفنها في الطين الرطب، ويسلقها بالماء والملح والصعتر، ويأكلها بالزيت والتوابل الحارة، لأن جوهرها أرضي غليظ، وغذاؤها رديء، لكن فيها جوهر مائي لطيف يدل على خفتها، والإكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين، منهم ابن سينا.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (الكمأة من المن) فيه قولان:
أحدهما: أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياء كثيرة من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوًا من غير صنعة ولا علاج ولا حرث، وجعل سبحانه قوتهم بالتيه الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وجعل أدمهم السلوى، وهو يقوم مقام اللحم، وجعل حلوأهم الطل الذي ينزل على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى، فكمل عيشهم.
وتأمل قوله (ص): ”الكمأة من المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل” فجعلها من جملته، وفرداً من أفراده، والترنجبين الذي يسقط على الأشجار نوع من المن، ثم غلب استعمال المن عليه عرفًا حادثًا.
والقول الثاني: إنه شبّه الكمأة بالمن المنزل من السماء، لأنه يجمع من غير تعب ولا كلفة ولا زرع بذر ولا سقي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وماؤها شفاء للعين” فيه قولان :
أحدها: إن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين، لا أنه يستعمل وحده، ذكره أبو عبيد.
الثاني: إنه يستعمل بحتًا بعد شيها، واستقطار مائها، لأن النار تلطفه وتنضجه، وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية، وتبقي المنافع. وقيل إن استعمل ماؤها لتبريد ما في العين، فماؤها مجردًا شفاء، وإن كان لغير ذلك، فمركب مع غيره.
وقال الغافقي ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها، ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة، ويدفع عنها نزول النوازل.
و تحتوي الكمأة على الفوسفور والبوتاسيوم الصوديوم والكالسيوم كما انها غنية بفيتامين ب1 أو الرايبوفلافين الذي يفيد في هشاشة الأظافر، وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية.
وقد قام الدكتور المعتز بالله المرزوقي بدراسة عن أثر ماء الكمأة في امراض العين والقى المحاضرة في المؤتمر الأول للطب الاسلامي المنعقد في الكويت عام 1981م، فكانت له نتائج جيدة في معالجة آثار التراخوما ومنع حدوث التليفات في ملتحمة العين وهي مضاعفات عنيدة غالبا لا تزول رغم العلاجات والعمليات الجراحية.
ومن المعلوم أن أي تليف يصيب أجزاء العين سواء الملتحمة أو القرنية أو غيرها تكون له آثار سلبية على الرؤية والنظر، وإن فائدة ماء الكمأة في منع هذه التليفات يعتبر شيئا رائعا لدوام الرؤية الصحيحة للعين.
وفي دراسته ذاتها تبين للدكتور المرزوقي عدم وجود تأثير في مرض الساد (Cataract) الذي يصيب عدسة العين.
هذا والأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة فيا حبذا لو قام أطباء العيون في بلادنا بهذه الدراسات، لكشف المزيد من فوائدها على ضوء ما جاء في هذه الأحاديث النبوية الصحيحة.