الكاتب:د. جاسم الشمري
من جديد، عادت للواجهة جدليّة السعي لإقرار نشيد وطنيّ جديد للعراق على اعتبار أنّ النشيد الحاليّ ليس عراقيّاً، وفي ذات الوقت لا يريد الساسة العودة للنشيد السابق؛ لأنّه يمثّل جزءًا من موروث “النظام السابق”، وكأنّهم يريدون اجتثاث الإنسان والزمان والمكان والتاريخ والذكريات والآداب، وهذا انتقام أسود وليس تغييراً!
تعتمد الدولة العراقيّة منذ العام 2005 قصيدة “موطني”، للشاعر الفلسطينيّ إبراهيم طوقان، نشيداً وطنيّاً، وبديلاً مؤقتاً عن نشيد “أرض الرافدين”، للراحل شفيق الكمالي، الذي تمّ اعتماده منذ العام 1981 حتّى العام 2003!
وحول هذا الموضوع، صرّحت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النوّاب العراقيّالأربعاء الماضي لبعض الصحف البغداديّة بأنّها “ستوجّه دعوة لأكثـر من خمسين شخصيّة فنيّة وأدبيّة وأكاديميّة لمناقشة مقترح قانون النشيد الوطنيّ”.
وأكّدت اللجنة تسلّمها لأربعة مقترحات للنشيد الوطنيّ، أبرزها “مقترح اتّحاد الأدباء العراقيّين، وهي قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري “سلامٌ على هضبات العراق”، والثاني قدمه الفنان كاظم الساهر، وهو قصيدة “سلامٌ عليك على رافديك”، للشاعر أسعد الغريري، والثالث عبارة عن مقطوعة موسيقيّة لنصير شمة”.
لجنة الثقافة البرلمانيّة رفعت نشيد “سلامٌ عليك على رافديك” التي غنّاها الفنان كاظم الساهر، للقراءة الأولى قبل شهر تقريباً، وهنالك اتّفاق مبدئيّ بين الكتل البرلمانيّة على اعتماده كنشيد وطنيّ للعراق.
الساهر قدّم مقترحه عبر كتلة التيّار الصدري، الداعمة له، وفي المقابل هنالك اعتراضات من بعض الأدباء والمثقّفين الذين يفضّلون قصيدة الجواهري!
وسبق لمجلس النوّاب أن صوّت من حيث المبدأ، في 12 تمّوز/ يوليو 2012، على اعتماد قصيدة الجواهري كنشيد وطنيّ لجمهوريّة العراق.
الاعتراض على قصيدة الجواهري بحسب رئيسة لجنة الثقافة النيابيّة سميعة الغلاب أنّها “بعيدة عن أسلوب النشيد الوطنيّ، وأنّ كلماتها صعبة مقارنة بقصيدة الغريري”!
نحن متّفقون على أنّ البلاد بحاجة لنشيد وطنيّ، وهذا عرف دبلوماسيّ لا يمكن تجاوزه، ولهذا خلافنا ليس على النشيد، بل على الأولويّات المفترض ترتيبها في المشهد العراقيّ المُربك؛ وهل مشكلة العراق الكبرى هي معضلة النشيد الوطنيّ؟ وهل حُسِمَت بقيّة المشاكل الأمنيّة والاقتصاديّة والخدميّة، ولم يعد لدى الحكومة والبرلمان إلا عُقدة النشيد؟
سبق أن كتبت في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 مقالاً عن ذات الجدليّة، وممّا ذكرته حينها “في عالم السياسة هنالك أولويّات للقضايا التي تعالجها الحكومات، والأوليّة دائماً تكون للأمن والغذاء والدواء والسكن، وتؤجّل القضايا الثانويّة في المراحل الحرجة، والعراق من البلدان التي صارت قضيّة النشيد الوطنيّ فيه سبباً للعديد من الأزمات السياسيّة، ولم يفلح ساسته (كما هي حالهم في جميع القرارات) في الاتّفاق على نشيد وطنيّ جديد للبلاد”!
اليوم وبعد مرور أكثر من ست سنوات لم ينته الجدل النيابيّ حول النشيد الوطنيّ الجديد، وما زالت ذات الأزمات لم تحسم، وهذا يؤكّد المشاكسات والمناحرات السياسيّة، التي لا نهاية لها، في كلّ مسألة وقرار وموقف!
“نحن متّفقون على أنّ البلاد بحاجة لنشيد وطنيّ، وهذا عرف دبلوماسيّ لا يمكن تجاوزه، ولهذا خلافنا ليس على النشيد، بل على الأولويّات المفترض ترتيبها”
الغلاب أكّدت احتمالية تقديم قصيدتي الجواهري والغريري لمجلس النوّاب لاختيار إحداهما، وفي حال عدم التوافق النيابيّ يمكن اللّجوء إلى إقامة مسابقة كبرى لاختيار قصيدة جديدة للنشيد الوطنيّ العراقيّ!
كم كنت أتمنّى لو كنت املك موهبة شعريّة لكتبت قصيدة أقول فيها:
سلاماً عليك عراق البلاء
سلاماً عليك عراق المحن
سلاماً عليك عراق الوفاء
سلام الله على الشهداء
سلام الله على الفقراء
سلام الله على الأنقياء
سلام الله على الأوفياء
سلام الله عراق الإباء!
أيّها النوّاب:
القضيّة التي لا نختلف عليها هي حفظ حياة العراقيّين وصحّتهم وأمنهم وسلامهم، ولقمة عيشهم، وعدا ذلك كلّها مشاكل ثانوية يمكن تأجيلها!
تأمّلوا الواقع، واعملوا على توفير الحماية والكرامة والخدمات للمواطنين، ثمّ بعد ذلك ليكن النشيد الوطنيّ، أيّ نشيد، حتّى لو كان دقيقة صمت واحدة ربّما تختزل بثوانيها صرخات ضحايا العراق وذويهم الذين غدرتهم آلة الحرب الأجنبيّة، ونُحروا بسكاكين أبناء جلدتهم، وتفرّقوا في أرجاء المعمورة، وما زالوا في حالة تَيْه قاتِم!