لا تسخروا من مذنبٍ فَلَرُبَّما
قد فاق ألفَ عبادةٍ برجائه !
لو أنّ ذنبي كالفضاء ومِلأَهُ
لظننْتُ عفو الله مثل سمائه
جاءت مُعذبتي في غيهب الغسق
كأنها الكوكب الدرّي في الأفقِ
فقلت: نوّرتي، يا خير زائرةٍ
أمَا خشيت من الحرّاس في الطرقِ؟
قالت ودمع العين يسبقها
من يركب البحر لا يخشى من الغرقِ.
يافاتنًا بالحُبِّ قلبي قد مَلكْ
هل أنتَ من حوّاءٌ وآدمَ أم مَلَكْ؟
عيني إذا نظَرَتْ لحُسنِكَ سبّحتْ
سبحانَ من خلقَ الجمالَ وجمّلكْ
سامحتُهُ و سألتُ عن أخبارهِ
و بكْيتُ ساعاتٍ على كَتِفيهِ
وبِدونِ أن أدرِي تَركتُ لهُ يدي
لِتنامَ كالعُصفورِ بين يديه
ونسيتُ حقدي كلهُ في لحظةٍ
من قالَ أنّي قد حَقِدتُ عليهِ؟
كم قُلتُ إنّي غيرُ عائدةٍ لهُ
ورجعتُ، ما أحلى الرّجوع إليهِ.
أذوبُ لهُ شوقاً إذا مرَّ ذكرُهُ
ويُسكبُ لحنُ الحب ريّانَ مورِدا
صلَّى عليكَ اللهُ في عليائهِ
ما طارَ طيرٌ في السَّماءِ وغرَّدا.
كعصفورة في كف طفلٍ يهينها
تُعَانِي عَذابَ المَوتِ والطِفلُ يلعبُ
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
ولا الطيرُ مطلوقُ الجناحينِ فيذهبُ
إنَّ العيونَ التي سلّت لواحظها
لم تدرِ عن مغرمٍ أودى بهِ النظرُ
كأنّما السهمَ عيناها رمتهُ بنا
فشقَّ قلباً بهِ من فعلِها أثرُ
يبقى شريداً لعينيها يُطالعُها
وقد غشى عقلَهُ من حُسنِها السّكَرُ
يا للمهاةِ مهاةٌ في الْتفاتتها
يحارُ ذو اللبِّ حتى يذهلُ البصرُ.
أَخْضَعْتَنِي لِلْحُبِّ ثُمَّ تَرَكْتَنِي!
مَنْ ذَا الذي فَرَضَ الغِيَابَ وَأَخْضَعَكْ؟
لَازِلْتُ أَبْكِي مُذْ رَحَلْتَ كَأَنَّمَا
فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ بُكَائِي وَدَّعَكْ.
القلبُ هاجرَ من ضلوعي من زَمن
أيُّ ترابٍ ضمّك أيّ سكن؟
نبض الفؤاد أدمعًا تروي السماء
وبياضُ عيني بعض أقسامِ الكفن
"أنا صباحك .. رغم الصمتِ والبُعدِ
وأنت شمسي التي أحظى بها وحدي
ما طاب بعدك صوتٌ أستهلُّ به يومي،
فهل طاب صوتٌ عندكم بَعدي
"لما اجتمعنا ولاحت لي محاسنكم
فوق ما سمعت أذني رأى بصري ...
أنتم حياتي وإن شاهدتكم حضرت،
وإن تغيبوا تغيب الروح عن جسدي
لا غيّب الله عني وجهكم أبدا،
حتى يطيبَ بكم عيشي إلى الأبدِ
وَمَكَثْتُ حِينَ لِقَائِها مُتَسَائلًا
هَلْ يَقْدِرُ الشُّعَرَاءُ وَصْفَ كَمَالِهَا؟
سَبْحَانَ مَنْ سَوَّى الجمَالَ بِوَجْهِهَا
وَتَقَاسَمَ البَاقُونَ ثُلْث جَمَالهَا.