على امتداد صفحات التاريخ، نجد الكثير من الثورات التي تحققت، بعضها حملت سرّ نجاحها ومع تقادم الزمن عليها فقدت بريقها، وبعضها تعثرت أثناء انطلاقها فكان عمرها محدوداً، وبعضها ولدت ميتة وبقيت في أذهان المؤرخين، وبعضها عاشت لفترة من الزمن ثمّ أتى عليها النسيان فطواها في أحشائه.
وعلى صفحات الماضي نستذكر الكثير من الأبطال والمجاهدين الذين سجلوا انتصارات باهرة حصدتها شعوبهم من خلال بطولاتهم، لكننا عندما نستعرض التاريخ من أبوابه الواسعة، لم نجد ثورة حملت سرّ بقائها وديمومتها مثل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم يحدثنا التاريخ عن قائد أو بطل، تصدّى للظلم، وضحّى بنفسه وعائلته وأصحابه مثل الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم نقف على ثورة منحت دروساً في القيم والتضحية والفداء، ولا تزال ترفد الإنسانية بهذه الدروس كما هي الحال في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
الإمام الحسين (عليه السلام)، حملَ وهجَ الثورة، وعند الانتهاء من المعركة، ظلّ هذا الوهج الرباني يتألق ويتقد يوماً بعد يوم، ويتصاعد جيلاً بعد جيل.
لقد توهجت الشعلة في عمق التاريخ منذ أربعة عشر قرناً، لم تخفت يوما، ولم تنطفئ، بل تصاعد شعاعها وسناها كلمّا مرّ عليها الزمن.
هذا الخلود الذي رافق ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) سببه هو أنّ الثورة حملت جوهر الدين، وتعاليم السماء، وسيرة ومبادئ الرسول الأعظم وآله الطيبين الطاهرين، ولأنها خلاصة انتصار الفكر الإنساني على قوى الظلام والتخلف والجبروت، ولأنها عكست حركة طموحات الأمة وتفاعلها مع حركة التاريخ، ولأنها رسمت منهجاً لانتصار الدم الطاهر الزكي على فرقعة السيوف الفارغة.
إننا ونحن بصدد الحديث عن سر البقاء، وتواصل العطاء لهذه الثورة العظيمة، لا من الإشارة إلى بعض النقاط:
1- إنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي امتداد لسيرة الرسل وحركة الأنبياء، في جميع مضامينها الدينية والإنسانية، وثورة تنطلق من هذه الحاضنة، وتسير بهذا المسار، لابدّ وأن تبقى خالدة على مرّ العصور والأزمان.
2- لقد كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تأكيداً على ضرورة التصدي لكل أشكال الانحراف والظلم والطغيان، مهما كانت الصعوبات والمعوقات التي تعترض حياة المسلمين.
3- وفي معادلة الربح والخسارة، ووفق المعايير الحقيقية للربح والخسارة، نجد أنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قد حققت جميع أهدافها العظيمة والكبيرة، من خلال إحداث تلك الهزّة العنيفة التي أيقظت الشعور الإسلامي، إذ خلقت ثورة أخرى في الوعي العام، وخلقت معه بوصلة الاتجاه الصحيح نحو المنهج الإلهي الذي رسمه ربّ العزّة والجلالة لعباده، وتحرير إرادة الأمة من قيود الإذعان للحاكم المنحرف، ودفعها نحو طريق الخير والحق، وتحطيم الأسوار المزيفة التي كان الأمويون قد تستروا خلفها.
4- منحت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) الشرعية في محاربة الحاكم الجائر والظالم، بعد أن أسسّ بنو أمية منهجاً ساهموا من خلاله على ترسيخ الانحراف، وإصدار الفتاوى التي تحرم الثورة على الحاكم الفاسق والظالم، والتي تقول: (تجب طاعة الإمام ولو كان جائرا) و(لا يعزل الإمام بالفسق والجور) إلى غيرها من الفتاوى التي وضعها من كان يعيش على موائد الحكام الظالمين.
هذه الأسباب، وأسباب كثيرة غيرها، جعلت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) خالدة ومتجددة وملهمة للأجيال القادمة كلّ دروس التضحية والفداء والشهادة من أجل انتصار الحق على الباطل، والخير على الشر، والعدل على الظلم، وحتى تكون كلمة الله هي العليا، ليعم بعدها الأمن والأمان والسلام ربوع هذا الكون... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منقول عن مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام