ولد يانيس ريتسوس في مايو عام 1909 في قرية مونيمفاسيا جنوبي اليونان وتوفي في 11 نوفمبر 1990 في أثينا. تلقى تعليمه الأول في مدرسة القرية. في 1921 توفى أكبر أشقائه بسبب إصابته بالسل ولحقت به والدته بعد ثلاثة أشهر بداء السل أيضا الذي أصاب كامل القرية. أما والده فقد جن جنونه وفقد أمواله بسبب القمار بعد أن كان رجلاً ثرياً ينتمي إلى عائلة نبيلة تملك أراضي عدة.
بعد إنهائه دروسه الثانوية انتقل إلى أثينا التي عانى فيها من الفقر بسبب قلة موارده ما أجبره على أن يقطع دروسه والعمل في مهن صغيرة، ككاتب ينسخ الأوراق في نقابة المحامين، وراقص هامشي بإحدى الفرق الفنية، وممثل صامت، ثم عمل مصححاً وقارئاً لبروفات الطباعة لدى أحد الناشرين، حتى حظي بوظيفة في المصرف الوطني لكنه أصيب هو الآخر بمرض السل سنة 1926 فيعود إلى قريته. يدخل والده المأوى في نفس السنة ويدخل هو احدى المصحات ويمكث فيها ثلاث سنوات. خلال تلك الفترة لم يتوقف عن القراءة والكتابة كما تعرف على الوسط التقدمي وعند مغادرته للمصحة عاوده المرض ودخل مصحة أخرى.
في سنة 1931 عاد ريتسوس إلى أثينا وامتهن التمثيل في أحد مسارحها. وقال عن تلك المرحلة من حياته: لم يكن لدي ناشر أول الأمر، فكان علي أن أموّل مؤلفاتي بنفسي، وكنت ما أن أستعيد جزءاً من التكاليف، بعد بيع كتاب، حتى أدفع الثاني إلى المطبعة، ولم يتسن لي الحصول على شروط عمل ملائمة إلا عند بلوغي التاسعة والأربعين من عمري، أما قبل ذلك فقد عملت مجرّد مراجع في إحدى دور النشر، ولكن ذلك أفادني كثيراً، فقد قرأت وأعدت قراءة دوستويفسكي وغيره من الأعلام. وفي وقت سابق عملت في المسرح، وكانت مهنة شاقة، وفوق ذلك كان علي أن أهتم بأسرتي، كنت أحتاج إلى نوم عميق، لكنني في تلك الفترة لم أستطع ذلك حتى نشرت سوناتا في ضوء القمر ونلت الجائزة الوطنية للشعر، فتحسنت أحوالي. وفي بداية عام 1956 وقعت عقداً مع دار كيذروس التي رغم ظروف عديدة لم أتخل عنها قط، إن الإخلاص خصلة مهمة في نظري.
في سنة 1934 قام يانيس بإصدار أول ديوان له ويحمل اسم تراكتورات، وفي السنة التالية أصدر ديوانه الثاني وسماه أهرامات، وكان قد كتب معظم قصائد الديوانين خلال الفترة التي قضاها في المصحة. ألهمته الأحداث الدامية التي عرفتها بلاده لكتابة قصائده. فقصيدته الشهيرة أبيتافيوس عرفت النور إثر مقتل ثلاثين عامل تبغ وجرح ما يقارب الثلاثمائة منهم إثر تظاهرة في مايو 1934 فتحت فيها الشرطة اليونانية النار عليهم وتخلد قصيدة أبيتافيوس ذكرى تلك الأحداث الدامية لكن النظام العسكري الذي كان يحكم اليونان صادر القصيدة وأحالها إلى محرقة الكتب أمام أعمدة معبد زيوس.
في عام 1937 أصدر ريتسوس كتابه نشيد أختي وأعجب كوستيز بالاماس الذي كان أشهر الأدباء اليونانيين في تلك الفترة وقال فيه: اننا ننحني أيها الشاعر كي تمر.
واصل ريتسوس اصداراته الأدبية، ثم تدهورت حالته الصحية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية حيث عانت اليونان من جوع وفقر كبير. ونشر أحد الصحافيين عن حالته وجمع التبرعات له ولكن ريتسوس رفضها وطلب توزيعها على الكتاب والشعراء المحتاجين.
ورغم حالته لم يتوقف عن الكتابة ولكن السلطات النازية التي كانت تحتل اليونان قامت بمنع كتابه تجربة ثم غادر ريتسوس أثينا سنة 1945 واستقر في بلدة كوزاني التي أسس فيها مسرحاً شعبياً وكتب مسرحيته أثينا تحت السلاح وقصيدة طويلة بعنوان حاشية الانتصار ثم رجع إلى أثينا وتم اعتقاله من منزلـه في 1948 وسط حملات قامت بها الشرطة ونقل إلى سجن ماكرونيسوس ليعذب تعذيبا شديدا.خلال سجنه كتب زمن الحجر، التي طمرها في التراب. وتم العثور على أوراق المجموعة بعد سنوات وطباعتها.
نقل عام 1950 إلى سجن آخر، وتم تأسيس لجنة أوروبية متكونة من شعراء ومثقفين مطالبة بحريته بمبادرة من الشاعر الفرنسي لويس أراغون الذي وصفه سنة 1956 بأنه ارتجافة جديدة في الشعر الحديث وتم إخلاء سبيله سنة 1952.
تزوج فاليستا جيورجياديس التي كان قد تعرف عليها خلال الحرب، وأنجبت له في 1955 ابنته أري وكتب لها نجمة الصبح ثم زار الاتحاد السوفييتي سنة 1956 وكتب قصيدته الطويلة سوناتا في ضوء القمر وتنال القصيدة الجائزة الوطنية الكبرى سنة 1956. ثم توالت كتبه وقائع، صفاء شتوي، مرمدة المستوحى من موت فتاة صغيرة، وفيه القصيدة المعروفة شكل الغياب.
في عام 1967 عرف اليونان انقلابا وعاد العسكريون إلى سدة الحكم ويلقى القبض على يانيس ويسجن في جزيرة ياروس ويمنع من الكتابة ثم ينقل إلى مخيم في جزيرة ليروس، وسمح له فيه بالكتابة والرسم. أطلق لويس أراغون حملة جديدة ضمّت أشهر الأدباء الأوروبيين كللت بإطلاق مشروط ليانيس ووضع تحت الإقامة الجبرية. ساءت حالته النفسية والجسدية بعد شهر من إطلاق سراحه ولم يتمكن من السفر إلى أثينا إلا سنة 1970 وذلك لإجراء بعض الفحوصات الطبية.
في سنة 1974 يسقط النظام العسكري وتمنحه جامعة تسالونيك شهادة الدكتوراه الفخرية: لكونه يشمخ منذ أربعين سنة كركيزة للأمة اليونانية وكصوت لها. ويحصل على الجائزة الدولية الكبرى للشعر ويتم ترشيحه إلى جائزة نوبل في الأدب لكنه لم يحصل عليها.
عاش ريتسوس مؤمنًا بقدرة الشعر على تغيير العالم، وكان عاشقا للحرية والحياة، فهو القائل: اكتب ليشرق النهار.