الحظ في المنهج القرآني
فقد وردت كلمة "حظ" فى الآيات التالية:
- وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( آل عمران).
- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ(النساء)
- وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ( النساء).
- يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ( المائدة).
- فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( القصص).
- وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( فصلت)
/ الحظ في اللغةً العربية
الحظ : لغة واصطلاحا.. هو النصيب والجد .. ويقال فلان محظوظ وحظيظ وحَّظي.. وأحظ .. صار ذا حظ .. ويطلق على البخت .. يقال فلان محظوظ .. ذو بخت . وجاء معنى حَظَّ في المعجم الوسيط ـَ حَظًّا: حَسُن حظُّه. فهو مَحْظوظ، وحَظِيظ.( أحَظَّ ): حَظَّ. وـ استغنى. (الحَظّ ): النصيب. وـ الجَدُّ والبخت.
الحظ في القران الكريم:
الحظ في القران الكريم جاء بمعنى نصيب اوقيمة او منزلة وقد جاء في التفسير بما ان الكافر يعمل بعكس ما امره الله تعالى لذلك فانه فقدَّ نصيبهُ مما اقسمه الله للمطيعين كما في قوله تعالى : (( وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))(آل عمران)
كذلك ورد بنفس المعنى الاول ولكن من الميراث والتركة ويقال سمي حظاً هنا كون الوارث يحصل عليه بدون جهد كما في قوله تعالى : (( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن. يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(النساء)
كذلك وصف الله سبحانه وتعالى اهل الدنيا كيف يفهمون الحظ انه هو زينة الدنيا والاموال والنفوذ والتسلط والتمكن على الاخرين وهذا ذم لمن يحبون الدنيا ويسارعون في مرضاة شهواتهم ورغباتهم على حساب الاوامر الالهية ويفسر الحظ بهذا المعنى قوله تعالى(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(القصص)( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) (القصص) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82( (القصص)
هذه الاية الكريمة تخبرنا عن قارون لما خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة ، وتجمل من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه والقوم المتقربين له والمتملقين منهم من بجانبه ومنهم من بخلفه وهم فرحين لانهم مع قارون واليوم كم من قارون، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا والمباهاة ويميل إلى زخرفها وزينتها ، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي ، قالوا : ( يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) أي : ذو حظ وافر من الدنيا . فلما سمعهم اهل العلم من الصالحين والمؤمنين قالوا لهم : ( ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ) أي : جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون . )) القصص .
نشاهد من خلال الايات الكريمة كيف فرق الله بين اهل العلم وغيرهم في تفسير الحظ ((... وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * )) وكانت النتيجة ان الله فند رأي اهل الدنيا (الين جعلو قارون ذو حظ عظيم نعم حظ عظيم بتسلطه وكبرياءه وجبروته ليس بايمانه وتواضعه .وبعد ذلك نشاهد الحظ الذي امتلكه قارون ماذا فعل فكانت حكمه تعالى هي النافذه ولم ينجي قارون حظه الذي كان يحسده عليه اهل الدنيا والمتملقين والمتقربين منه والسائرين معه اين ما توجه كما في قوله جلَّ وعلا ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *)).
من خلال تدبرنا في هذه الايات الكريمة نلاحظ ان (الحظ العظيم) عند اهل الدنيا(كما في مصطلحنا فلان صاحب حظ وبخت ) يختلف اختلافاً بل هو على نقيض من (الحظ العظيم) الذي وصفه الله تعالى في التعريف القرآني للحظ وصاحبه ... هو ان يكون صاحبه احسن قولا ويعمل صالحا مومنا متواضع يحرم ما حرم الله وحلل ما حلل الله تعالى ويكون صابرا كما وصفه الله تعالى بالتلقي ولم يصف الصبر بالتحمل ... وعندما تُجمع هذه الصفات مقرونةً بالصبر يكون ذو حظ عظيم وهي اعلى مراتب الحظ أي النصيب للعباد ... كما في قوله تعالى : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) من خلال الطرح القراني المبارك نلاحظ هناك الحظ المذموم وهو ترك العمل الذي يرضي الله تعالى كما يعمل الكافرين والمنافقين فيحرمهم الله
تعالى من حظهم في الاخرة .
وهناك حظ بلا جهد ما يأتي بلا جهد ولكن باسباب قدرتها السماء كالميراث
وهناك حظ عظيم وهو ما يحتاج الى عمل وجهد وتقوى مكللا بالصبر الطويل ...
ذو الحظِ العظيم .. إنه صاحب القلب الكبير .. الذي يعفو عمن أخطأ عليه .. ويصبر على أذى إخوانه .. إنه الرجل الذي تنقلب عداوته .. إلى صداقة حميمة .. إنه الذي لا يحمل الحقد والحسد ولو تكالبت عليه الشدائد .. وتتابعت عليه النكبات .. لكن الله وصفه قبل ذلك .. بالصبر !
إن أولئك المحظوظين .. هم فعلاً من غسلوا قلوبهم من الأدران والأحقاد.. اولئك المتواضعين الصادقين مع الله تعالى والناس فقد تكفل الله تعالى لهم بوابل من البخت .. وهو الحظ العظيم ..
ولكن أين هم في زماننا ..؟!!
وأين نحن من موقف يعلمنا الكثير ؟
حقيقة وواقعا الذي دفعني لهذا البحث البسيط هو مشاهداتي لما يحل في مجتمعنا وخاصة العشائري وللأسف الشديد اليوم نجد ان البعض من الذين تسيدوا الموقف (يملكون حظ قارون الذي ذكر آنفا في الاية المباركة ) بل مجموعة من المنافقين وتجار مرتزقة على حساب الاخرين ..وهذه المسألة تمتد من بداية التسعينات .. الى بداية الحواسم . حيث تجد ان كل منا له عشرين رئيساً او اكثر وكلهم يلقبون باهل الحظ والبخت اذا كان هكذا لديهم حظ سعيد وبخت لماذا العداوة والبغضاء من اجل الدنيا وزخرفتها لماذا هذا التكبر والافتراء على الاخرين ولماذا تبخسوا الناس اشيائهم ولماذا تهدموا بمعول (حظكم)كما تدعون وحدة اواصر المجتمع لماذا تقفون بالابواب من اجل الحصول على الشهرة والمال السحت لماذا تصنعون المناسف من اجل العلاقات ومصالحكم الشخصية وابناء المجتمع والعشيرة بحاجة الى العون ، اهو هذا الحظ والبخت الذي نتداوله على السنتنا ؟اذن ما هو الا حظ كما وصفه الله تعالى (( وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))
اذن من خلال هذا البحث المتواضع نرى إن الحظ في الأساس هو التوفيق من الله سبحانه وتعالى، وكم من أناس يرون أنفسهم أكثر حظاً بمتاع الدنيا، وهم في الواقع من الخاسرين..