بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
أيها الأحبة، كل منا يحب ولا شك أن تكون تلاوته لكتاب الله المجيد هي من نوع (حق التلاوة) إذ أننا سمعنا قول الله تبارك وتعالى وهو يمدح الذين يتلون كتابه (حق تلاوته) ولكن كيف يتحقق لنا ذلك؟ أي كيف نكون ممن يشملهم مدح الله عزوجل للتالين قرآنه العزيز بحق تلاوته؟
اً في الآية الكريمة ۱۲۱ من سورة البقرة حيث يقول الله أصدق القائلين:
"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
أيها الإخوة، التدبر في هذه الآية يعطينا إجابة إجمالية بشأن سؤالنا عن مصداق (حق تلاوة الكتاب العزيز)، فهي التلاوة النابعة عن الإيمان بإلهية هذا الكتاب وأن فيه الهدى أي التلاوة الإستهدائية بالآيات الكريمة والتي ترى فيها نعمة جليلة يجب الإستفادة منها للنجاة من الخسران.
أما كيف يتحقق ذلك؟ هذا ما تجيبنا عنه الأحاديث الشريفة، منها ما نقله العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، قال – رضوان الله عليه -:
"في إرشاد الديلمي عن الصادق عليه السلام: في قوله "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ" قال: يرتلون آياته ويتفقهون به ويعلمون بأحكامه، ويرجون وعده ويخافون وعيده، ويعتبرون بقصصه ويأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، ما هو والله حفظ آياته، ودرس حروفه وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه، قال الله تعالى "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا"".
وهذا الحديث الشريف واضح وجامع في بيان مصداق حق تلاوته للكتاب العزيز، فهن جهة يبين الإمام الصادق – عليه السلام – أن حق التلاوة يستلزم التدبر في الآيات الكريمة كمقدمة، للعمل بمقتضياتها، هذا أولاً واجتناب أشكال التحريف المعنوي له، وهذا ما يفصل الحديث عنه مولانا الإمام الحسن المجتبى – سلام الله عليه –
قال مولانا الإمام المجتبى عليه السلام:
(اعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه ورأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون، إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل.
هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، قد خلت لهم من الله السابقة ومضى فيهم من الله عزوجل حكم صادق وفي ذلك ذكرى للذاكرين فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان.
أيها الأفاضل، ومن هذه الخطبة الحسنية الغراء، يتضح أن تلاوة القرآن حق تلاوته إنما تتحقق بالإستعانة بأبواب مدينة العلم المحمدية العارفين بحقائق القرآن الكريم واجتناب آراء الذين يفسرون القرآن بغير علم محمدي نقي.