قال جرير حين وصله خبر موت الفرزدق: لقد نُعيَت اليَّ نفسي.
ثم رثاه فقال:
لَعمرِي لَقدْ أشْجَى تَمِيماً وَهدَّها
علَى نَكبَاتِ الدَّهْرِ مَوْتُ الفرَزْدَقِ
عشِيةَ رَاحُـوا لِلفرَاقِ بِـنَـعْـشِـهِ
إلَى جدَثٍ فـِي هُوَّةِ الأَرْضِ مُعْمَقِ
لَقَدْ غَادَرُوا فِي اللَّحْدِ مَنْ كَانَ يَنْتَمِي
إلَى كُلِّ نَـجْـمٍ فِـي الـسَّماءِ محـَلَّقِ
فلحقه جرير في نفس العام 114 هجرية، وتحيدا بعد اشهر قليلة.
وحين مات حافظ ابراهيم رثاه احمد شوقي بقصيدة جميلة، مطلعها من اجمل واحب مطالع الرثاء يقول فيها:
قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائـي
يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
لَكِن سَبَقتَ وَكُـلُّ طولِ سَلامَةٍ
قَــدَرٌ وَكُــلُّ مَـنِـيَّـةٍ بِـقَــضـاءِ
الحَقُّ نادى فَاِستَجَبتَ وَلَم تَزَل
بـِالحَقِّ تَحفِـلُ عِنـدَ كُـلِّ نِداءِ
ثم مات شوقي بعده باربعة اشهر فقط في عام 1932 ميلادية.
فأدرك الرصافي وجه التشابه بين احمد وحافظ وبين الفرزدق وجرير؛ التشابه في الشاعرية والمنافسة والموت ايضاً فوجد في ذلك فرصة في رثاء الشاعرين "احمد وحافظ" في قصيدة واحدة فقال:
الشـِـعــرُ بــعـدَ مُـصابِـه بـكـبـيـرِهِ
في مِصرَ جلّ مُـصـابُــه بأمـيرهِ
بـيـناه يـبـْكي حـافـظاً بـشـهيـقـهِ
إذْ قامَ يـبـكي أحـمـداً بـزفـيــرهِ
لـمْ يـقـضِ بـعضَ حدادهِ لنصيرهِ
حتّى أجَـدّ أسـىً لـفـقـدِ مُجيرهِ
أخذتْ فرزدقَه المنون وضاعفتْ
جُلّى مـصـيـبـتِه بـأخــذِ جريرهِ
ثم لحقهما الرصافي عام 1945 فرثاه الجواهري بقصيدة في بيت، وبيت بقصيدة فقال:
لــغزُ الحيـاةِ وحـيـرةُ الالـبـابِ
أن يستحيلَ الفكرُ محضَ ترابِ
ثم عاش الجواهري بعد الرصافي اثنين وخمسين عاماً ومات عام 1997 فرثاه عبد الرزاق عبد الواحد:.
يُقالُ أرهبُ مــا في الموتِ وَحشَـتُهُ
نفسي فداك هل استوحَشْتَ حين دَبى؟
وهل شعرتَ اغتراباً في مَعيَّتِه؟ِ
قضيتَ عمركَ يا مولايَ مُغتَربا!
وهل صَمَتَّ اضطراراً، أو مجانَفَةً؟
أم كنتَ أبلغَ أهلِ الأرضِ مُنشَعِبا؟!
وهل تُوفيِّتَ فعلاً، أم ولِدتَ بهِ؟!
إنّي رأيتُكَ مِلْءَ الموتِ مُنتَصبا