ارتفع جبل من القمامة والنفايات في قلب المدينة التركية اسطنبول ببلدة "عمرانية"، ما شكّل خطرا كبيرا على صحة السكان بأكثر المدن التركية ازدحاما.
وفجأة، انفجر هذا الجبل عام 1993 بسبب تكوّن غاز الميثان الناتج عن تراكم المخلفات، ما أدى إلى مقتل العشرات.
وعقب هذه الحادثة بعام واحد، أصبح السياسي الإسلامي رجب طيب أردوغان محافظا للمدينة. وهنا تغير كل شيء.
يوجد الآن، حيث موقع النفايات القديم، مجمع رياضي للمقاطعة، ويتذكر مدير المجمع هذا المكان قبل أردوغان "بوجود رائحة نتنة"، ثم يضيف: "كنت أتمنى لو قضيت طفولتي بهذه المقاطعة اليوم، إنها مكان أكثر إشراقا الآن".
وتوجد الآن بعمرانية العديد من البنوك والشركات الكبرى، ممثلة الموجة التجارية التي ساهمت في تحول اسطنبول وباقي المدن التركية جذريا.
وترجع هذه النقلة إلى تولّي الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان السلطة عام 2002، إذ ساهمت خطته الاقتصادية في تحسّن حالة البلاد بصورة كبيرة.
ويصف موقع بلومبيرغ ما فعله أردوغان بـ"الإنجاز الفريد من نوعه، إذ إنه السياسي الوحيد الذي قام بقيادة حزب ذي جذور إسلامية للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وإبقائه كذلك لمدة تزيد عن 10 سنوات، في انتصار يعد مخالفا لتجربة بقية الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط".
ويوضح استطلاع حديث ارتفاع نسبة التأييد لأردوغان بعد محاولة الانقلاب بمنتصف تموز/ يوليو الماضي، إذ ارتفعت من 46.9 إلى 67.6 في المئة.
ويرى البعض أن نجاح أردوغان كزعيم للبلاد يعود إلى نجاحه عندما كان عمدة لمدينة اسطنبول، إذ أعطته الفرصة لإثبات نفسه.
وقد تكون هذه النظرية صحيحة، فعندما واجه حكم أردوغان خطرا محدقا أثناء محاولة الانقلاب، نزل عشرات الآلاف من مؤيديه إلى منطقة "عمرانية" وغيرها من المدن الأخرى في تركيا.
وقبل تولي أردوغان الحكم، كانت السلطة الحقيقية تقع بيد الجيش التركي، والذي لعب دورا أساسيا بالسياسة التركية "لحمايته النظام العلماني" الذي قام مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى أتاتورك بتأسيسه.
إلا أن الرئيس التركي الحالي رفع بعض المحظورات التي فرضها النظام العلماني التركي، والمتعلقة بالتقاليد الإسلامية والخطاب الديني.
فعلى سبيل المثال، سمح أردوغان للحجاب الإسلامي بالانتشار مجددا، وقام بتضمين مناهج الدين الإسلامي في المدارس، وعملت إدارته على فرض غرامة على القنوات التلفزيونية التي تُتهم بـ"الخلاعة".
واستمد حزب أردوغان قوته من العناصر الأكثر تدينا، والتي واجهت تمييزا قبل حكمه، ما أدى إلى فوزه بتسع انتخابات على التوالي.
وصرح الأكاديمي بمعهد بروكينغز شادي أحمد أن أردوغان قام "بتمكين تلك الفئة سياسيا واقتصاديا، بعد أن كان يُنظر إليهم كدخلاء".
وفي تصريح لموقع بلومبيرغ، ترى إحدى السيدات التركيات المحافظات أن هناك تغييرا كبيرا قد حدث بتركيا، فهي تتحرك اليوم "بحرية كاملة في زيها الإسلامي بعد أن كانت تواجه نظرات استنكار وسخرية من آخرين قبل حكم أردوغان".
وحاز زعيم حزب العدالة والتنمية على تأييد الأطياف الأقل تدينا، فعلى الرغم من عدم اتفاقهم معه، إلا أنهم يرون أن سياساته أنعشت تركيا اقتصاديا.
وساهم هذا التقدم الذي شهدته الجمهورية التركية إلى التحدث عن إمكانية تطبيق "النموذج التركي" بالشرق الأوسط، إلا أن سياسات أردوغان الحديثة ساهمت في تراجع شعبية هذه الفكرة.
اتُهمت الحكومة التركية مؤخرا بانتهاكات تتعلق بحرية الصحافة واستقلال القضاء، إذ قام أردوغان بإلقاء القبض على صحافيين في خطوة يرى مراقبون أن هدفها هو كبت المعارضة.
وانتقدت منظمة العفو الدولية (أمنستي) حملة الاعتقالات التي تشنها الحكومة التركية منذ محاولة الانقلاب منتصف تموز/ يوليو الماضي، وطالت عاملين في مختلف مرافق ومؤسسات الدولة، حيث اتهمت المنظمة الحكومة
التركية بإلقاء القبض على المواطنين من دون أدلة تثبت تورطهم في المحاولة، كما أصدرت السلطات التركية مذكرات اعتقال بحق 42 صحافيا في إطار التحقيقات.
وعلّقت الحكومة التركية مهام 15 ألف موظف من وزارة التعليم وحدها، وقالت إنها ستباشر التحقيق معهم للاشتباه في تورطهم بمحاولة الانقلاب، فيما طلب مجلس التعليم الأعلى من أكثر من 1500 عميد في الجامعات الحكومية والخاصة تقديم استقالاتهم.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام حشد في اسطنبول، عقب محاولة الانقلاب، أن على الأحزاب أن تستجيب لإرادة الشعب إذا أراد تطبيق عقوبة الإعدام.
وتظهر تلك المؤشرات أن "الصورة الإيجابية" التي كان يتم تصديرها يوما كمثال لوصول الإسلاميين إلى السلطة لم تعد كذلك، بحسب مراقبين.
المصدر-الحرة