بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يذهب بعضهم الى التباهي بأنفسهم علنا، ظنّاً منهم أن هذه الطريقة ستقودهم الى تزيين صورتهم وتحسين شخصياتهم بين الناس، وهو تصوّر خاطئ بطبيعة الحال، لأن الذي يمدح نفسه، يذمها في حقيقة الامر، إذ غالبا ما يكون هذا السلوك مصدرا لاستهجان الآخرين، وسخريتهم في كثير من الاحيان، فالشخص الذي يبالغ بانجازاته وصفاته وملكاته وسماته، يحتاج الى افعال كبيرة قائمة في الواقع، تجسّد تلك الصفات والملكات وسواها، وتثبتها كحقيقة، وعندما يخلو الواقع منها، وهذا هو الغالب، فإن ذلك الانسان الذي يتباهى بشخصه، سوف يكون مصدر سخرية الناس حتما، بل سيكون محط كراهية الاخرين، لأنهم عندما يقارنون بين ما يقوله بلسانه وما يفعله في الواقع يكتشفون بونا واسعا بين الاثنين!.
لذلك فإن قيمة المباهاة المتخلفة، تسيء للانسان ولا تخدمه بشيء، كما أنها تكشف عن خلل نفسي يعاني منه الشخص الذي يتباهى بنفسه امام الاخرين، فالانسان الذي يميل بقوة الى مدح فسه، واعلان انجازاته الفريدة، إنما يحاول بذلك أن يغطي ضعفا يعاني منه في الواقع، وهؤلاء الذين يتباهون بأنفسهم واعمالهم علنا، هم مرضى نفسيون في حقيقة الامر، لأنهم ضعفاء غير قادرين على تحقيق ما يثبت المباهاة بأنفسهم.
ولم يقتصر كره الشخص الذي يعتمد المباهاة او التباهي بالنفس، على الناس فقط، بل هو شأن مكروه حتى من لدن الله تعالى، إذ نقرأ في القرآن الكريم نصا يؤكد ذلك، كما في سورة لقمان، الآية 18، (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وهذا دليل آخر على مقت المتباهين بأنفسهم، وقلما نجد انسانا واثقا من نفسه، وناجحا في اعماله وافكاره، يلجأ الى مثل هذه القيمة المتخلفة، لأن الناجحين قولا وعملا، لا يحتاجون الى الاعلان عن نجاحاتهم في مناسبة او من دونها.
فالناجحون هم محط انظار العالَم من دون ان يطلبوا ذلك، بل هم محل تقدير الجميع، فضلا عن الاعجاب بشخصياتهم الواثقة التي تأبى أن تهبط نحو مرتبة مدح الذات، واعتماد المباهاة التي لا تخدم الانسان، بل تحطّ من قيمته ومكانته وتقلل من احترام الآخرين له، ولو كان مدح الذات والمباهاة تخدم شخصية الانسان، وتساعده على التميّز بين الناس، لما نصح القرآن الكريم الانسان أن (لا تمشِ في الارض مرحا)، و (إن الله لا يحب كل مختال فخور)، فلا يصح للانسان أن يفخر بنفسه هو، بل عليه أن يترك ذلك للآخرين، إستنادا الى أفكاره واعماله التي تثبت بالدليل القاطع تميزه عن الاخرين، لذلك فهو لا يحتاج مطلقا أن يتباهى بنفسه، لأن الاخرين سوف يقمون بهذا الدور طواعيةً، بسبب إعجابهم الحقيقي بأعمال الانسان الناجح قولا وفعلا، وليس تباهيا فارغا فقط.
لذلك اذا اراد الانسان أن يحسّن صورته وشخصيته بين الناس، عليه أن يكون واقعيا، وأن يبتعد عن القيم المتخلفة التي لا تدعم شخصية الانسان بشيء، ومنها هذه القيمة المتخلفة التي تجعل من الانسان مستهجّنا بين الناس!، بل إضحوكة للاخرين بدلا من الاعجاب به، وقد يتوهم بعض المتباهين بأنفسهم، عندما يلاحظون صمت الناس ازاء مباهاتهم واعجابهم بأنفسهم، وقد يعتقد هؤلاء انهم خدعوا الناس بادّعاءاتهم العلنية الكاذبة، لكن الامور كلها ستنكشف لهؤلاء المتباهين في آخر المطاف، بل أن المتباهي يعرف قيمته ومكانته الحقيقية قبل أن يتكلم للاخرين عن نفسه، إنه يعرف في الغالب قيمته المتدنية بين الناس بسبب سلوكه، ومع ذلك يصر المتباهون على التباهي بالنفس، مع علمهم المسبق بأنهم ليس كما يعلنون للناس.
لذلك ليس أمام الانسان سوى أن يعي بصورة واضحة، أن قيمة المباهاة المتخلفة لا تخدمه بشيء، واذا كان مكبلا بها لأسباب خارجة عن وعيه او ارادته، فما عليه إلا أن يبادر ويكسر هذه القيود التي تهدف الى الحط من قيمته الانسانية بين الناس، والتي لا يمكن ان يحافظ عليها ويعلو بشأنها، إلا بترك قيمة المباهاة جانيا، وفسح المجال أمام اعماله الواقعية المتميزة الصادقة، لكي تقوم هي بالدور الذي يعلو ويسمو بشخصية الانسان بين الناس، فليس أقدر على القيام بهذا الدور، أي برفع مكانة الانسان بين قومه وعموم الناس، سوى أعماله الناجحة التي تخدمه وتخدم المجتمع في الوقت نفسه.